تونس: وجد الرئيس التونسي قيس سعيّد المتحمس بشدة للقضية الفلسطينية نفسه إزاء أول امتحان دبلوماسي له يتعلق بالتحديد بهذه القضية، في وضع صعب للتوفيق بين الواقعية السياسية ومبادئه، ما دفعه الى اتخاذ قرارات قد تكون متسرعة وقد يكون لها تداعيات على دبلوماسية بلاده، بحسب محللين.

قدم الرئيس سعيّد اشارات متضاربة في الظاهر، فقد عبّر في أكثر من مناسبة ومنذ انتخابه عن أهمية القضية الفلسطينية لديه وجعلها ضمن أولوياته الانتخابية ثم أقال السفير التونسي بالأمم المتحدة المنصف البعتي الذي وجهت انتقادات شديدة له بعد ان دافع بحدة عن القضية.

أعلنت الخارجية التونسية الجمعة إقالة البعتي وعلّلت السبب بعدم التنسيق مع سلطات بلاده والدول العربية قبل إعداده مسودة مشروع قرار يدين خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي ورفضها الفلسطينيون على أعضاء مجلس الأمن.

يحذر المحلل السياسي يوسف الشريف من ان "تونس لم تشكل بعد حكومة وليس لديها وزير خارجية، واذا بدأنا باقالة السفراء المهمين فسيعمق ذلك من حالة الفراغ".

ويتابع "الطريقة التي تمت بها الإقالة تطرح العديد من الأسئلة في خصوص الاستراتيجية الدبلوماسية للرئيس، نتساءل هل أتت بعد تفكير؟".

هذه الحيرة التي يتقاسمها دبلوماسيون ومراقبون تجاه السياسة الخارجية للبلاد تفضي الى قلق، وأمام تونس ملف الوضع الاقليمي المتأزم خصوصا مع الصراع المتواصل في ليبيا والمهمات الموكلة لها مع نيلها مقعدا في مجلس الأمن منذ مطلع العام الحالي.

مساندة القضية الفلسطينية

علقت صحيفة "الشروق" اليومية الناطقة بالعربية الأربعاء على الموضوع ولفتت الى ان الجدل حول السفير البعتي نال اهتماما واسعا عوض ان يكون الموضوع الأساسي "صفقة القرن"، متسائلة "هل حادت دبلوماسيتنا عن ثوابتها؟".

وكتبت الصحيفة "هذا الملف فتح المجال أمام الخوف من امكانية انحراف سياسة تونس الخارجية ودبلوماسيتها عن مبادئها وثوابت تأسست منذ دولة الاستقلال مع الرئيس الحبيب بورقيبة" منها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ومساندة القضية الفلسطينية.

عرف عن تونس دعمها القوّي للقضية وكانت مقرّا لمنظمة التحرير الفلسطينية وقادتها مطلع الثمانينيات واستقبلت رئيسها ياسر عرفات وكانت مسرحا لهجمات واغتيالات إسرائيلية استهدفت قياديين فيها.

انتُخب قيس سعيّد الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري بغالبية واسعة في الانتخابات الرئاسية وأقال منذ وصوله الرئاسة وزير الخارجية السابق خميس الجهيناوي.

ركز بيانه الانتخابي وخصوصا في المناظرات التلفزيونية التي جمعته بمنافسين أشداء، على تجريم العلاقات مع "الكيان الصهيوني" واعتبر مراقبون ان خطابه الحماسي مكنه من نيل مساندة شعبية واسعة اوصلته الى سدة الحكم.

وصفت صحيفة "لوطان" الناطقة بالفرنسية الأربعاء دبلوماسية البلاد "بدبلوماسية برأسين" وعادت إلى اللقاءات العديدة التي جمعت رئيس البرلمان راشد الغنوشي بسفراء دول أجنبية في الفترة الأخيرة.

ظهر سعيّد وكأنه يتفادى المشاركة في القمم الدولية. رفض في البداية دعوة من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل للمشاركة في مؤتمر برلين بخصوص الأزمة الليبية لأنها وصلت "متأخرة"، كما منعه المرض من المشاركة في قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا نهاية الأسبوع الفائت.

لا يتردد سعيّد في "تجريم التطبيع مع اسرائيل" في أغلب تصريحاته الاعلامية.

وتأتي المسودة التي تدين خطة السلام الأميركية ووزعها ودافع عنها السفير التونسي بالأمم المتحدة، ضمن توجه سعيّد وقد أكدت الرئاسة على ان مضمون المشروع لا يتناقض ومواقف تونس.

وعدل الفلسطينيون الثلاثاء عن طرح مشروع قرار يرفض خطة السلام الأميركية على التصويت في مجلس الأمن الدولي بسبب عدم تلقيهم دعماً دولياً كافياً وسط ضغوط أميركية شديدة على داعمي الرئيس محمود عباس.

تقليل الثقة

اعتبرت وسائل اعلام محلية ان قرار اقالة البعتي كان نتيجة "ضغوطات خارجية" وقد نفت ذلك رئاسة الجمهورية واتهمت السفير "بالإساءة" لصورة بلاده ولرئيسها بالخصوص.

ويرى الشريف انه "بالتأكيد هناك ضغوطات ولكن الاقالة من ضمن سياسة قيس سعيّد لتغيير المسؤولين" مذكرا بقرار اقالة سفير تونس في باريس.

عُين البعتي في أيلول/سبتمبر الفائت قبل وصول سعيّد للرئاسة، واثر قرار الاقالة الذي وصف "بالمستعجل"، كُلف مساعده طارق الأدب بمواصلة تمثيل تونس في الأمم المتحدة.

ويقول السفير التونسي السابق عز الدين زياني إن الاتهامات التي وجهت للبعتي من شأنها ان "تقلل الثقة في الدبلوماسية التونسية"، لافتا الى ان قرار الاقالة والجدل الذي دار حوله يضعف من موقف تونس في مجلس الأمن.

تجاوز الجدل القائم حول قضية البعتي المجال السياسي ليشمل أيضا وفي الفترة الأخيرة مجال الرياضة ومشاركة اللاعبين التونسيين في مسابقات دولية ضد منافسين اسرائيليين.

وأثارت مباراة خاضتها لاعبة التنس الدولية أنس جابر ضد اسرائيلية جدلا اضافيا في تونس. بعد ان أصرّت اللاعبة على خوض المباراة لتنشر وزارة الخارجية لاحقا بيانا منددا بالقرار.