الرباط: صادقت الحكومة الإسبانية، خلال اجتماع مجلس الوزراء، الثلاثاء، على اتفاق تهب إسبانيا بمقتضاه للمغرب بشكل لا رجعة فيه المسرح الكبير "سيرفانتس"، الذي يوجد بمدينة طنجة.

وقال بيان لرئاسة الحكومة الإسبانية، نقلت مضامينه الوكالة المغربية للأنباء، إنه سيتم بمقتضى هذا الاتفاق تقديم البروتوكول الموقع بين إسبانيا والمغرب بشأن هذا التبرع الذي لا رجعة فيه للمسرح الكبير "سرفانتس" بطنجة إلى البرلمان الإسباني بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) من أجل المصادقة.

وجاء هذا القرار الذي اعتمدته الحكومة الإسبانية بعد العرض الذي كانت الحكومة المغربية قد تقدمت به من أجل ترميم هذا الصرح الفني وصيانته والإشراف على إدارته مقابل تملكه مع الالتزام بالمحافظة على الطابع الإسباني في البرنامج الثقافي لهذه المؤسسة.

وسيتم نقل ملكية هذا المسرح للمغرب من خلال بروتوكول يشكل حسب مقتضياته ومحتوياته اتفاقا دوليا مما يفرض أن تتم المصادقة عليه من طرف البرلمان الإسباني بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ).

وذكرت الحكومة الإسبانية أن المسرح الكبير "سيرفانتس" في طنجة يعد واحدا من بين أهم المباني الثقافية في المدينة المغربية، مشيرة إلى أن له قيمة معمارية جد مهمة ويحتاج إلى الترميم والصيانة من أجل المحافظة عليه كموروث ثقافي.

ويعود افتتاح مسرح "سرفانتس" إلى 1913، وذلك بمبادرة من الزوج الإسباني إسبيرانزا أوريانا ومانويل بينيا ومالك العقار آنذاك أنطونيو غاييغو؛ حيث شكل، على مدى العقود الأولى من القرن العشرين، واحدا من أهم المعالم الثقافية بحوض البحر الأبيض المتوسط، إذ تميز بطابعه المعماري الإسباني الأصيل، ورسوماته وزخارفه التي تزين الأسقف والجدران.

وجاء في كتاب "طنجة .. قرن من التاريخ" للمؤرخ إسحاق يوسف الصباغ، أن "مسرح سرفانتس الكبير" ساهم، بعد افتتاحه، في "تحول جذري للمشهد الفني والثقافي بمدينة طنجة (...) حيث لم يعد من الضروري السفر إلى مدريد أو باريس لرؤية أروع المسرحيات".

وأضاف الصباغ أن هذا المسرح صار في حقبته بمثابة "عشق لا يقاوم " لكل سكان حاضرة طنجة، حيث كان بالفعل، على مدى النصف الأول من القرن الماضي، بمثابة منارة أشعت بسناها على السماء الثقافية لمدينة طنجة، بل وكل حوض المتوسط، قبل أن يطويه النسيان ويتحول في آخر سنواته إلى حلبة للمصارعة الحرة، ومن ثمة جاء قرار الحكومة الإسبانية بإغلاقه في ستينيات القرن الماضي.

ويربط الباحث والمخرج المسرحي عبد الواحد عوزري، في مؤلفه "المسرح في المغرب"، نشأة المسرح المغربي بــ"مسرح سرفانتس الكبير"، منطلقا من خضوع المغرب، في سنة 1912، "ليس فقط لنظام حماية، بل أيضا لنظام تقسيم يجزئه إلى منطقتين، إحداهما "إسبانية" والأخرى "فرنسية".

وكانت المنطقة المسماة بـ"المنطقة الإسبانية" تضم شمال البلاد وأقصى الجنوب المسمى بالصحراء الغربية، مع وضعية دولية لمدينة طنجة؛ أما المنطقة "الفرنسية" فكانت تشمل باقي البلاد. وتقسيم المغرب إلى منطقتين، بنظامين وإدارتين مختلفتين، يضلل أحيانا الباحثين المعاصرين في موضوع تاريخ المسرح المغربي. فهؤلاء ينتهون إلى خلاصات مختلفة، باختلاف نقطة انطلاقهم: هل هي المنطقة "الإسبانية" أم المنطقة "الفرنسية". فالذين ينطلقون من المنطقة الشمالية، وبخاصة من طنجة، يؤكدون أن إنشاء مسرح "سرفانتس" بهذه المدينة، في سنة 1913، يؤرخ لبداية النشاط المسرحي المغربي".