برلين: تحوّلت مدينة إيرفورت الهادئة البالغ عدد سكانها 200 ألف نسمة والواقعة في وسط ألمانيا إلى ساحة لمعركة سياسية تهدد الأسس السياسية التي بنيت عليها البلاد بعد الحرب العالمية الثانية.

وشهدت المدينة الجميلة الأسبوع الماضي فضيحة سياسية أطاحت رئيسة حزب الاتحاد المسيحي-الديموقراطي أنيغريت كرامب كارينباور التي كانت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل قد اختارتها خليفة لها، وسلّطت الضوء على التكتيكات الهدامة التي يعتمدها اليمين المتطرف لشل الاحزاب التقليدية.

وجاء انتخاب حاكم جديد لمقاطعة ثورينغيا ساهم في فوزه حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرّف المعادي للمهاجرين، ليكسر محرّمات كانت قائمة منذ عقود تحول دون التعاون مع اليمين المتطرّف.

كذلك أظهرت تلك الانتخابات تنامي نفوذ حزب "البديل لألمانيا"، الذي اتّهمته ميركل هذا الأسبوع بالسعي إلى "نسف الديموقراطية".

والحزب الذي تأسس في العام 2013 على مبادئ رفض العملة الأوروبية الموحدة، اتسعت قاعدته ومال إلى اليمين المتطرف في السنوات السبع الأخيرة ليصبح أكبر تكتل معارض في مجلس النواب الألماني.

وحقق الحزب نتائج جيدة في مناطق شرق ألمانيا حاصدا أكثر من 20 بالمئة من الأصوات في الانتخابات الإقليمية.

وفاقمت تلك النتائج الصعوبات التي تواجهها الأحزاب الأخرى في تشكيل ائتلاف، ما أدى إلى أوضاع مماثلة لما حصل في ثورينغيا.

وشكل انتخاب توماس كيمريش المنتمي للحزب الديموقراطي الحر (ليبرالي) سابقة، إذ لم يحصل أن فاز مرشّح لمنصب حاكم ولاية بأصوات "البديل لألمانيا".

وسارع كيمريش الذي حظي بدعم حزبه الليبرالي وحزب ميركل الاتحاد المسيحي الديموقراطي إلى التنحي بعدما واجه موجة غضب عارم.

لكن حزب البديل لألمانيا لم يتراجع، وهدد بالتصويت لمصلحة الحاكم السابق بودو راميلوف المنتمي للحزب اليساري، وهو المرشّح الوحيد الذي يملك حظوظا فعلية للفوز بالمنصب، وذلك بهدف إجباره أيضا على التنحي وبالتالي نسف إمكان تشكيل ائتلاف في مقاطعة ثورينغيا.

- نسف الديموقراطية -

واعتبرت ميركل ان تلك التكتيكات تشكل تهديدا للديموقراطية.

وأفادت تقارير أوردتها وسائل إعلام ألمانية أن ميركل أبلغت نواب حزبها هذا الأسبوع أنها حذّرت مسبقا المسؤولين الحزبيين في مقاطعة ثورينغيا من الوقوع ضحية "حيل" حزب البديل لألمانيا.

وقالت ميركل "من الواضح أن +البديل لألمانيا+ يريد نسف الديموقراطية، وتقويضها"، مؤكدة ان التعاون مع الحزب غير وارد.

إلا أن النفوذ المتنامي لحزب البديل لألمانيا يهدد الإرث السياسي لميركل.

وبعدما قوّضت فضيحة ثورينغيا سلطاتها، تنحّت أنيغريت كرامب كارينباور من رئاسة الحزب هذا الأسبوع مستبعدة الترشّح لخلافة ميركل.

وباتت مسألة كيفية التعاطي مع "البديل لألمانيا" تهيمن على آلية البحث عن زعيم للحزب، في وقت يطرح خصم ميركل السابق فريدريش ميرتس وووزير الصحة ينس سبان توجهات يمينية لاستعادة الناخبين الذين خسرهم الحزب.

وكتبت صحيفة "دير شبيغل" على موقعها الإلكتروني "لقد فشل زعيمان للحزب الديموقراطي المسيحي في غضون فترة زمنية قصيرة بسبب حزب البديل لألمانيا".

وتابعت أن البديل لألمانيا أصبح "قوة مؤثرة" في الحياة السياسية الألمانية على الرغم من أن نسب التصويت له على صعيد البلاد لا تتخطى 15 بالمئة.

- التدمير البنّاء -

يعتمد الحزب استراتيجية "التدمير البناء" التي وضعها منظر اليمين المتطرف غوتس كوبيتشيك، وهي تشكل وسيلة للضغط على الأحزاب التقليدية في البلاد.

ويقول غيرو نيوغباور الباحث السياسي في جامعة برلين الحرة إن "استراتيجية البديل لألمانيا... تهدف إلى ترسيخ فكرة الحزب الرافض للمؤسسات من أجل إثارة اهتمام منتقدي الديموقراطية أو حتى معارضيها وجذبهم".

ويؤكد الباحث أن هذا الأمر ستكون له على المدى الطويل "نتائج عكسية" على أهداف الحزب الساعي إلى دخول الحكومة.

ويضيف "لكن اليمين المتطرف يعطّل الحياة السياسية في ألمانيا على نطاق أوسع عبر ضرب القواعد والأعراف التي تشكل الثقافة الديموقراطية السياسية".

ومن بين تلك الأعراف ذكرى جرائم النازية، التي انتقدها سياسيو الحزب.

وعلى الرغم من أن غالبية الناخبين يرفضون مثل تلك الانتقادات يخشى البعض من أن قدرة البديل لألمانيا على شل النظام السياسي قد تتخطى قريبا حدود ثورينغيا.

وصرّح فولفغانغ بوزباش المنتمي للاتحاد المسيحي الديموقراطي لمحطة "ان تي في" التلفزيونية هذا الأسبوع "أخشى أن نشهد خلال بضع سنوات مشهدا مكررا لما يحصل حاليا في ثورينغيا إنما على مستوى البلاد".