إيلاف: اعتبر مركز حقوقي ان العراق يمر حاليًا بمرحلة كارثية بالنسبة إلى اعلاميي وصحافيي البلاد، حيث شهدت الاشهر الاربعة الماضية انتهاكات خطيرة وغير مسبوقة طالت الحريّات الصحافيّة والحقوق المدنيّة، كاشفا عن هروب عشرات الصحافيين من محافظاتهم الى اخرى او الى الخارج اثر صدور قوائم للميليشيات باغتيالهم.

وسجل المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، وهو مركز مستقل، في تقرير اليوم حصلت "إيلاف" على نصه، 373 حالة اعتداء على الصحافييّن والإعلاميين، بينها اغتيال وتهديدات بالتصفية الجسديّة في محافظات العراق كافة، وذلك خلال الـ 110 ايام الاولى من الانتفاضة الشعبية العراقية للفترة بين الاول من اكتوبر عام 2019 والعشرين من يناير الماضي.

اغتيال 37 ناشطا
ووثق المركز خلال هذه الفترة اغتيال 37 ناشطا من متظاهري الاحتجاجات واختطاف 41 آخرين منهم إضافة الى تعرض الاعلاميين الى 73 حالة تعرض للقتل أو الاستهداف والتهديد، منها 9 حالات خطف واعتقال.

واشار الى ان الحكومة اصدرت 130 امر اعتقال بموجب قوانين مكافحة الإرهاب ضد الناشطين المشاركين في الاحتجاجات والصحافيين الذين يقومون بتغطية المظاهرات.

وكشف عن ترك أكثر من 50 صحافيًّا عملهم في بغداد وفروا إلى جهات مجهولة خوفا من القتل والاعتقال منوها بأن حكومة عبدالمهدي المستقيلة قد اتبعت خلال الاحتجاجات الحالية سياسة القمع المفرط تجاه المدنيين والصحافيين على حد سواء وحيث عمليّات الاغتيال والخطف والاعتقال والتهديد لغة بارزة ومنتشرة في جميع المحافظات المنتفضة.

قتل واختطاف بسيارات حكومية
وأكد المركز انه رصد هذه الانتهاكات وووثقها من خلال الصحافيين والناشطين، فيقول الإعلامي (مرتضى) _اسم مستعار_ : "إنّ الحشد الإعلاميّ والمعروف بـ(الحشد الولائي) المرتبط بإيران لاحظوا وجود عدد من الصحافيين العراقيين استطاعوا أن يعملوا في ساحات التظاهرات وينشطوا في الإعلام الدوليّ ويعملوا في وكالات محليّة وعالميّة، فبدأ الحشد الإعلاميّ بإرسال رسائل تهديد مبطنة وعلنيّة لهم، ويبلغونهم بأنّ ذهابكم إلى ساحة التحرير والساحات الأخرى ونقلكم لأحداث التظاهرات والنّشاطات التي تجري في العراق تشويه لصورة الحكومة والحشد الشعبي، وعليه فإنّ هذه الأعمال تشكل تهديدا عليكم فإمّا أن تتركوا العمل.. أو تقتلون". ويذكر أن مقتل المصور الصحافي (أحمد المهنا) جاء بعد تهديدهم له.

متظاهرو البصرة يحملون صورة الصحافيين أحمد عبد الصمد وصفاء غالي اللذين اغتالتهما الميليشيات في المدينة

ووثّق المركز حالة أخرى للصحافي (الخزعلي) الذي يعمل في قناة دجلة أنّه تعرّض للتهديد المباشر وأنّ اسمه كان من ضمن الأسماء التي صدرت من قبل الميليشيات التي اغتالت الصحافيين (أحمد عبد الصمد)، والمصور (صفاء الغالي) وأنّ هذه القائمة فيها الكثير من الإعلاميين في محافظة المثنى والبصرة وواسط، وأضاف الخزعلي أنّ الجهات التي تعتقل وتخطف وتغتال الصحافيين تستخدم سيارات الحكومة وترتدي زيهم.

يذكر الإعلامي (محمد) أنّه تعرّض للتهديد بسبب زيارته الى مقر القنصليّة الأميركية في البصرة لتغطية بعض الجوانب الثقافية والإعلاميّة، ويقول: "ما زلت معرّضًا للموت أو الاعتقال، واضطررت إلى مغادرة محافظتي إلى محافظة أخرى بسبب المتابعة اليوميّة لي من قبل الميليشيات التي تستقل سيّارات حكوميّة بدون لوحات تسجيل".

ويذكر الناشط المدني والإعلامي (أحمد) أنّ وسائل الميليشيات في الاعتقال والاغتيال متعددة؛ كالخطف من الشارع، أو انتظار الشخص بعد خروجه من ساحة التظاهرات، أو وجود اسمه في السيطرة الأمنيّة أو إنشاء سيطرة وهميّة، وأثناء الاعتقال يتمّ الاستجواب باسم أجهزة الأمن، وبحسب أشخاص أُفرج عنهم ولم تتمّ تصفيتهم، فإنّ طبيعة الأسئلة التي وُجّهت لهم تشي بأنّ القائم على التحقيق جهة حزبيّة.

هيئة الاعلام تقمع الاعلام
على إثر تصاعد الاحتجاجات في العراق، أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية قرارًا في 21 نوفمبر 2019 ينصّ على إغلاق مكاتب 9 فضائيّات عراقيّة وعربيّة في العراق لمدة 3 أشهر، والتهديد باتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضدها في ما إذا واصلت نهجها الحالي المتمثل في تغطية المظاهرات في العراق، وحذرت 5 فضائيات أخرى بالإغلاق، ووصفتها بالمحرضة على العنف، فضلا عن إغلاق 4 محطات فضائية، وإجراءات قمعيّة أخرى.

وأشار مصدر عراقي عليم في لقاء صحافيّ إلى "أنّ عمليات إغلاق مكاتب المؤسسات الإعلامية في العراق واعتقال الصحافيين واغتيالهم هي من ضمن خطة غرفة عمليّات الميليشيات، الخاصة بقمع المظاهرات في العراق، التي كان يشرف عليها (قاسم سليماني) قائد فيلق القدس جناح الحرس الثوري الإيراني، لتكرار المشهد الإيراني في العراق وإلى الآن هذه العمليات تدار من قبل الحرس الثوري".

مداهمات الحشد للمكاتب الاعلامي
واوضح المركز انه الخامس من اكتوبر 2019 اقتحمت مجموعة مسلحة تابعة لميليشيات الحشد الشعبيّ عددا من المكاتب الإعلاميّة المحليّة والدّوليّة في بغداد منها (قناة العربيّة) و(قناة دجلة) و(وقناة الرشيد) و(وقناة أور) واعتدت على العاملين فيها، وحطّمت جميع اجهزتها ثم أغلقتها وسط صمت حكومة عبد المهدي، فيما اضطر العديد من الصحافيين العراقيين إلى الهروب من العراق خلال الأسابيع الماضية، إثر استمرار ملاحقتهم من قبل ميليشيات الحشد وفرق الموت التابعة لها.

الناشط المدني أمجد الدهامات اغتيل بكاتم للصوت في محافظة ميسان الجنوبية

ويؤكد مركز توثيق جرائم الحرب انه لا يكاد يمر أسبوع في العراق إلا ويتعرّض فيه الصحافيون والعاملون في المجال الإعلامي للاعتداءات أو الخطف أو الاغتيال على يد ميليشيات الحشد الشعبي التي يهدد قادتها بشكل علني وعبر مؤسساتها الإعلامية الصحافيّين العراقيين وتسند إليهم تهم الخيانة.

وأوضح إعلاميون أنّ حكومة بغداد تستغل القانون في تنفيذ الانتهاكات ضدّ الصحافيين، منها قانونا "حريّة التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي" و"جرائم المعلوماتيّة" أبرز القوانين التي تهدد الحريات الإعلاميّة في العراق. ويبينون ان مسودة قانون جرائم المعلوماتية - وهي مسودة لا تتوافر فيها ضمانة حقيقيّة لحرية التعبير وتداول المعلومات - تفرض قيودًا قاسية على حق حريّة التعبير وحقّ حريّة الوصول إلى المعلومات. وجميع أحكام هذا القانون غير معرفة بشكل جيد، ومعظمها يمنح القانون قوة واسعة لا يمكن فهمها، وتتضمن عقوبات تصل إلى السجن المؤبد.

قطع الانترنت للتغطية على تنفيذ عمليات القتل
واشار المركز الى انه خلال التظاهرات في عام 2013 و 2019 عمدت الحكومة على قطع خدمة الإنترنت وحجب مواقع التواصل الاجتماعي لما يقارب الشهرين (أكتوبر ونوفمبر)، وهذا بمثابة تضييق آخر على عمل الصحافيين، وتقييد الحريات وعزل المجتمع عن العالم الخارجي، وقد جرت خلال هذا الانقطاع انتهاكات خطيرة، منها الهجوم على ساحات التظاهر وقتل المدنيين واعتقالهم وخطفهم، ممّا يشكل انتهاكا صريحا وفاضحا للدستور، والمعايير والمبادئ الديمقراطية، ولائحة حقوق الإنسان، ونقضًا للاتفاقيات والمعاهدات الدوليّة.

وقد بلغت الانتهاكات التي طالت الصحافيين في المحافظات المنتفضة خلال 3 أشهر 127 حالة، وهو رقم يشكل انتكاسة في مجال حريّة الصحافة، ومن أبرز الانتهاكات: الخطف والاعتقال والقتل والاعتداء بالضرب، فضلًا عن منع وعرقلة تغطية التظاهرات السلميّة حيث سجّلت 88 حالة عرقلة ومنع، أي ما يُعادلُ حالة كل يوم، ومن ثمّ ارتفع عدد الهجمات المسلحة التي طالت الصحافيين والمؤسسات الإعلاميّة، أبرزها غلق المؤسسات والمكاتب للقنوات الفضائية ودور النشر.

جرائم الميليشيات ضد الإعلاميين
ووثق المركز خلال تلك الفترة اغتيال 16 صحافيًا واعلاميًا وتلقي 4 آخرين لتهديدات بالقتل لهم ولعائلاتهم.

كما تعرّض أكثر من 50 صحافيًّا وإعلاميًّا من مختلف مدن العراق إلى التهديد بالقتل والتصفية الجسدية والاعتقال منذ انطلاق التظاهرات مّا اضطرّهم إلى ترك محافظاتهم والذهاب الى محافظات أخرى وإقليم كردستان للحفاظ على حياتهم، وبينهم ستة صحافيين في الناصرية، أبلغتهم جهة أمنيّة بوجود معلومات استخباراتيّة باستهدافهم من قبل جماعات مسلحة.

الناشط زيد محمد عبد الأمير سقط قتيلًا بطعنات سكاكين عناصر الصدر في محافظة بابل

اما عمليات الاختطاف والاعتقال فقد تعرّض لها خلال الفترة نفسها 14 صحافيا، حيث تعرّضوا للضرب وتحطيم معداتهم وحذف المواد المصورة.. اما محاولات الاعتداء والاغتيال فقد شملت حوالى 40 اعلاميا. اما الهجمات المسلّحة التي طالت صحافيين ومؤسسات إعلامية فقد بلغت 10 حالات.

السلطات تتحمل مسؤولية خرق القانون الدولي
وشدد المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب في ختام تقريره على ان الدّولة تتحمل المسؤولية الكاملة عن أفعال قوّاتها المسلحة بحسب ما جاء في المادة 7 من مشروع المواد المتعلقة بمسؤوليّة الدّولة عن الأفعال الدّوليّة غير الشرعيّة التي أقرّتها لجنة القانون الدّولي.

وطالب المركز بالإفراج الفوريّ عن كل الصحافيين المعتقلين، ووقف استهداف الإعلاميين والمصورين واعتقالهم خلال تغطيتهم للتظاهرات والأحداث الميدانيّة ووقف الملاحقات القضائيّة للصحافيين بسبب نشرهم وملاحقتهم لقضايا فساد.

يشار الى ان العراق يحتل المرتبة 156 من بين 180 دولة على لائحة منظمة "مراسلون بلا حدود" الدولية لمؤشر حرية الصحافة في العالم للعام 2019.