إيلاف من دبي: اختُتمت اليوم في دبي، فعاليات النسخة الرابعة من منتدى الإمارات للسياسات العامة، بعد يومين من النقاشات المستفيضة حول مواضيع حيوية.

وحسب بيانات للمنظمين تلقتها "إيلاف"، فإنّ المنتدى يشكل في دورته الحالية منصة معرفية لقادة الحكومات وصناع القرار من الهيئات الحكومية الاتحادية والمحلية في الإمارات وأبرز الخبراء والمختصين في مجال العمل الحكومي حول العالم الذين اجتمعوا لمناقشة ستة محاور هي الحكومة المرنة ومقومات النجاح، والقوة الناعمة، والسعادة وجودة الحياة، والمرونة، واستشراف المستقبل، ومواكبة بيئة الأعمال الدولية.

وانطلقت فعاليات اليوم الثاني والأخير من النسخة الرابعة من منتدى الإمارات للسياسات العامة 2020 الذي تنظمه كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية برعاية الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، وبالشراكة مع مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي.

ناقش المنتدى في يومه الأخير، العديد من القضايا والموضوعات التي يأتي على رأسها مرونة الحكومات في استكشاف الفضاء ودور التكنولوجيا والتعاون بين القطاعين الحكومي والخاص في صناعة المستقبل.

"مختبر اقتصاد المستقبل"

استهل اليوم الثاني فعالياته بجلسة تفاعلية قادها راشد هزاري، رئيس قسم الاستراتيجية في دائرة التنمية الاقتصادية بدبي، استعرض خلالها "مختبر اقتصاد المستقبل"، وهو نظام ذكي وفريد من نوعه من تطوير اقتصادية دبي، يعمل على تشكيل اقتصاد مستقبلي مرن من خلال دعوة أو طرح "تدخلات سياسة استباقية" لضمان الاستعداد الأمثل للمستقبل ومواجهة مخاطره وتحدياته، واستغلال الفرص الناشئة بفضل الثورة الصناعية الرابعة.

وتحدث هزاري، عن أبرز الطرق والاتجاهات التي تساهم في تحويل 14 قطاعا رياديا في حكومة دبي، لا سيما تلك التي تعتمد على التقنيات الناشئة من الثورة الصناعية الرابعة.

وأكد خلال حديثة أنه في عام 2025 سيتم تحويل نحو نصف الوظائف إلى العمل بشكل آلي، وستختفي 65 % من المهن التي نزاولها حالياً.

ودعا هزاري كافة المؤسسات والأفراد للعمل جنباً إلى جنب من أجل مواجهة التحديات التي وصفها بـ"المعقدة"، وشدد على أن الطرق التقليدية المتبعة لم تعد فعالة بهذا الخصوص.

ويعمل "مختبر اقتصاد المستقبل" على تحديد استراتيجية واضحة لقيادة جهود دائرة التنمية الاقتصادية في تطوير اقتصاد الإمارة المستقبلي، من خلال عملية تعاون ثلاثية مشتركة، بين القطاعات الحكومية والخاصة والأكاديمية، وذلك بهدف تحليل تأثير الاتجاهات ورسم سيناريوهات مستقبلية بديلة، والابتعاد عن الاضطرابات من خلال استخدام البرامج كإنشاء قطاع جديد أو تحويل قطاع حالي.

من القمر إلى المريخ... وما بعدهما

وفي جلسة حوارية بعنوان "من القمر إلى المريخ وما بعدهما" أدارتها البروفسور ميلودينا ستيفانز أستاذة إدارة الابتكار في كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، تحدث كل من المهندسة سمية الهاجري مدير قسم التشريعات بوكالة الإمارات للفضاء، ودوناتو جيورجي ممثل المركز الوطني لدراسات الفضاء الفرنسي في دولة الإمارات والشرق الأوسط، والبروفسور جيل ستيوارت الأستاذة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ورئيس تحرير مجلة "ذي جورنال سبيس بوليسي" البريطانية، حول سياسة الحكومات المرنة في مستقبل الفضاء.

واستعرضت الجلسة مساعي الإمارات لغزو الفضاء منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإطلاق عدد من الأقمار الصناعية، وصولاً إلى الإنجاز التاريخي بإرسال هزاع المنصوري اول رائد فضاء عربي إلى محطة الفضاء الدولية العام الماضي.

وأبرز المتحدثون أهمية تكامل مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية بقطاع الفضاء، حيث أوضحت الهاجري أن خطة الإمارات لاستعمار كوكب المريخ تنطوي على تطوير منظومة متكاملة تجمع بين قطاعات الانشاءات والبنية التحتية والاتصالات والتكنولوجيا، حيث تساهم تلك القطاعات جميعاً في نجاح خطة استعمار المريخ، وهو ما يحتم على الحكومات أن تصبح أكثر مرونة في التكامل بين تلك القطاعات إذا ما أرادت النجاح.

وأشار المتحدثون إلى أن مساعي الوصول إلى القمر مرة أخرى تعود لأسباب سياسية واقتصادية وعلمية، حيث مر زمن طويل على استكشاف القمر، وهو ما يحتم ضرورة مواصلة الأبحاث العلمية والبناء عليها من أجل ازدهار البشرية.

وأكدوا في هذا الصدد على أن القمر هو محطة مهمة للوصول إلى المريخ حيث يتشابه وخواص الكوكب الأحمر تقريباً، كما يمثل مختبراً للتكنولوجيا والمعدات التي سوف يتم استخدامها على سطح المريخ.

تطرق المتحدثون أيضاً إلى أهمية القطاع الخاص في رسم ملامح مستقبل الفضاء في العالم، حيث بدأت الولايات المتحدة هذا النهج من أجل تخفيف الضغط على الحكومات وتمويل وتصنيع المركبات الفضائية في نقل المهمات إلى محطة الفضاء الدولية، وهو ما نتج عنه ظهور عدد من الشركات وعلى رأسها "سبيس إكس". فالقطاع الخاص يتيح المجال للحكومات التفرغ للبحث العلمي والتخطيط لمهمات استكشاف الفضاء.

وأكدوا في الوقت نفسه على أهمية ابتكار آليات لتشجيع وتحفيز الاستثمار في القطاع الخاص لخدمة قطاع الفضاء خلال العقدين المقبلين بما يعزز من تنافسية الشركات والارتقاء بالجودة.

استعرضت الجلسة استطلاعا أظهر تأكيد المشاركين على أن يتم تشكيل مجتمعات جديدة في حال استعمار المريخ وعدم نقل نفس الحكومات على الأرض إلى الكوكب الأحمر.

وفي ختام الجلسة أكد المتحدثون على أن الحكومات لابد وأن تكون أكثر شفافية فيما يتعلق بوضع سيناريوهات محتملة وكيفية التعامل معها في المستقبل، وخاصة فيما يتعلق بقضية الأجسام الفضائية المجهولة.

الحوكمة في عصر التكنولوجيا: الفرص والتنظيم

في جلسة "الحوكمة في عصر التكنولوجيا: الفرص والتنظيم" ، ناقش كل من عبد الله بن طوق الأمين العام لمجلس الوزراء، والدكتور سردار فينكاتابورام رئيس تعليم وتدريب الصحة العالمية في كينغز كوليج لندن المملكة المتحدة، وأليكسندر ويليامز مدير اقتصاد المستقبل في اقتصادية دبي، موضوع التكنولوجيا ودورها في بناء سياسات في عدة مجالات مختلفة، بما في ذلك التعاون الدولي، وحماية البيانات، والتعليم، وتسخير التكنولوجيا من أجل الصالح العام.

وسلط عبد الله بن طوق الضوء على مختبر التشريعات الذي تم إطلاقه في يناير 2019 بالشراكة مع مؤسسة دبي للمستقبل لاختبار وفحص الابتكارات التي تستخدم التقنيات المستقبلية وتطبيقاتها وللمساعدة في بناء سياسات مرنة متوافقة مع البيئة سريعة التغير.

كما أكد على أهمية القطاع الخاص وإشراكه في صنع السياسات، بالإضافة إلى أصحاب المصلحة الذين ينبغي إشراكهم، بما في ذلك الحكومات والشركات الكبرى والشركات الصغيرة والمتوسطة والجامعات والمنظمات الإنسانية وغير الحكومية.

واختتم بن طوق بدعوة جميع المعنيين بالتعليم للانضمام إلى مختبر التشريعات والمساهمة في صنع سياسات تتسم بالمرونة.

من جهته، أشار سردار فينكاتابورام إلى أهمية تسخير التكنولوجيا لتحسين جودة الحياة ، وبأن التكنولوجيا في الوقت الحالي لا تعالج القضايا على مستوى الشعوب، بل على المستويات الفردية لأولئك القادرين على تحمل تكاليفها؛ ولهذا يجب على الحكومات التدخل لتغيير ذلك وتحقيق الصالح العام. كما أكد الدكتور سردار على أن الشمولية والتعليم الأخلاقي أمران في غاية الأهمية في صناعة تكنولوجيا أفضل تخدم الجميع.

ومن جهته، أكد أليكسندر ويليامز على أنه لا ينبغي للحكومات أن تبالغ في وضع السياسات والتشريعات ولا يجب أن تتنافس مع القطاع الخاص، بل على تحقيق التعاون المشترك من أجل وضع سياسات مرنة بشكل أفضل. كما ركز على أهمية العلاقات الحكومية الدولية لتحقيق قابلية التوسع، وكذلك دور البحث والتطوير والابتكار كدور أساسي للحكومات.

المرونة المؤسسية: استشراف المستقبل هو تنافسية الحاضر

وفي ورشة عمل بعنوان "المرونة المؤسسية: استشراف المستقبل هو تنافسية الحاضر"، تحدث كل من وزير الصناعة والتجارة الأردني الأسبق الدكتور أحمد الهنداوي، والدكتور أحمد نصيرات رئيس مجموعة الدكتور أحمد نصيرات للتميز والابتكار، حول مفاهيم التميز وآليات استشراف المستقبل في ظل التطورات الحديثة التي يشهدها العالم في الفترة الراهنة.

وقال الدكتور الهنداوي، خلال الجلسة التي أدارها خبير التطوير والتدريب في كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية صالح الحموري إن "المرونة المؤسسية ليست مفهوماً حديثاً في علم الإدارة، لكنها اكتسبت أهمية كبيرة مؤخراً بسبب التطورات المتلاحقة التي يشهدها العالم، وظهور علوم متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة، ومفاهيم جديدة مثل إنترنت الأشياء".

وأضاف أن "المرونة المؤسسية اليوم ليست ترفاً وإنما ضرورة وحاجة بحيث يجب أن تقوم كل مؤسسة سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص بتحليل ما لديها من معطيات لمعرفة نقاط القوة والضعف لديها واستشراف المستقبل"، مشيراً إلى أن القيادة هي التي تصنع هذا التميز وهذه المرونة المؤسسية وهو ما تتمتع به المؤسسات في دولة الإمارات العربية المتحدة.

من جهته، قال الدكتور أحمد النصيرات إن "الإدارة الجيدة هي الإدارة المتميزة الكفؤة التي تقدم الخدمات المناسبة للناس، مضيفاً: "هذا الفكر هو فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، فهو أول من أسس لفكر التميز في الدولة".

دعم وتعزيز الصحة الذهنية

وناقش الدكتور فيجاي بيريرا، الأستاذ المشارك في إدارة الموارد البشرية بجامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، في جلسة بعنوان "دعم وتعزيز الصحة الذهنية" الموضوعات المتعلقة بالصحة العقلية بشكل عام، وضرورة تحقيق الرفاهية في مكان العمل. وحددت الجلسة عدة مستويات من السلوك أو آليات الاستجابة للموظف ومنها الدفاع عن النفس، والإحباط والإفراط في التعبير عما يعاني منه الموظف.

وأشارت الجلسة إلى مجموعة من الإحصائيات؛ حيث أفاد نحو 80% من البالغين المصابين بالاكتئاب بوجود بعض الصعوبة على الأقل في العمل، بينما أشار استطلاع أجرته Peldon Rose للعاملين في المكاتب إلى أن 72% من الموظفين يريدون من أصحاب العمل أن يدافعوا عن الصحة العقلية والرفاهية، وهو ما تم تصنيفه على أنه أكثر أهمية من المساواة والاستدامة والتنوع.

وكشفت الإحصائيات أن أقل من ثلثي البالغين 62% في الإمارات سيطلبون المساعدة من أخصائيي الصحة العقلية، و 19% سوف يبحثون على الإنترنت للحصول على المساعدة، و15% يفضلون التعامل مع مشكلاتهم بأنفسهم، فيما سيعمل الباقون على طلب المساعدة من الأصدقاء أو أفراد الأسرة أو رجال الدين أو مصادر الطب البديل.

تعزيز القوة الناعمة: جسور التواصل

وخلال جلسة حوارية بعنوان: "تعزيز القوة الناعمة: جسور التواصل"، أدارها البروفيسور رائد عواملة عميد كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، تطرق المتحدثون، سعادة برناردينو ليون، مدير عام أكاديمية الإمارات الدبلوماسية، والدكتور رفيق مكي رئيس قسم التكنولوجيا بوحدة الاستثمار في الشركات الناشئة في شركة مبادلة للاستثمار، والدكتورة منال تريم المديرة التنفيذية لمؤسسة نور دبي والمديرة التنفيذية لقطاع الرعاية الصحية الأولية في هيئة الصحة بدبي، حول أهمية القوة الناعمة وكيف يمكن استخدامها بشكل فعال للـتأثير بشكل إيجابي على آراء الناس محلياً وإقليمياً ودولياً.

وأشار المتحدثون إلى أن القوة الناعمة اليوم أصبحت من أهم الأدوات الهامة لتطور الدول على كافة الصعد، ولم تعد مسؤولية تقع على عاتق الحكومات فقط إنماهي مسؤولية كل شخص في الجهات الحكومية وكل فرد من أفراد المجتمع، مؤكدين أن نجاح تطبيق هذا المفهوم يعتمد على التعاون والتكاتف والاستمرارية بين الجميع، وذلك بالاعتماد على عدد من العناصر وهي الثقافة وجاذبيتها، والفن، وسمو القيم والمبادئ والأفكار والعادات والتقاليد الأصيلة، والتطوير والعلوم والتكنولوجيا، وقوة النموذج، والمصداقية في تطبيق كل هذا.

وأوضح المتحدثون بأن دولة الإمارات أدركت أهمية القوة الناعمة، عندما أطلقت في 2017 استراتيجية القوة الناعمة لدولة الإمارات، بهدف إعداد منظومة حكومية شاملة لبلورة برامج وسياسات عمل مستدامة ذات بعد إقليمي وعالمي، يشمل كافة مقوّمات الدولة الاقتصادية والثقافية والفنية والسياحية والإنسانية والمجتمعية، مع التركيز على الثقل الإنساني والحضاري والبناء على سمعتها، وإبراز الصورة الحضارية لدولة الإمارات وإرثها وهويتها وثقافتها المميزة.

جلسة الختام: المرونة والتكيف!

اختتمت اليوم الشيخة شما بنت سلطان بن خليفة آل نهيان، الرئيس التنفيذي لـ "مؤسسة تحالف من أجل الاستدامة العالمية" فعاليات النسخة الرابعة من منتدى الإمارات للسياسات العامة خلال تحدثها في جلسة بعنوان "المرونة والتكيف: مدن تتحدى التغيرات".

وخلال كلمتها، قالت الشيخة شما بنت سلطان إن من أبرز ما يميز المدن الحديثة دعم الأعمال المحلية التي تخلق وظائف جديدة لمواجهة تحديات البطالة، وكذلك السعي لتحسين البيئة من خلال تقليل انبعاثات البصمة الكربونية وبناء اقتصاد المعرفة عبر تعزيز التنمية المستدامة.

وأوضحت الشيخة شما أن تعزيز العلاقة ما بين القطاعين الخاص والحكومي وتمكين الأفراد ليكونوا أكثر فعالية يلعب دورا هاماً في وضع استراتيجيات تستشرف المستقبل وتنتج مسارات عمل تنتج حلولاً بديلة لمواجهة المشكلات والتحديات التي تواجههم، لا سيما في ظل التطورات التي يشهدها العالم المعاصر ومن أبرزها الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي والتطور التقني والتكنولوجي المتسارع.

وأكدت في الوقت نفسه على "أهمية التركيز خلال المرحلة المقبلة على تطوير المهارات والتقنيات التي يتمتع بها الأفراد وتطوير الأفكار واتخاذ القرارات التي تبني أسساً متينة لتحقيق مفاهيم التنمية المستدامة التي تعد هدفاً أساسياً للدول المتقدمة والحديثة".