إسماعيل دبارة من تونس: استنطقت الجهات الأمنية التونسية فريقا مكونا من صحافييْن ومخرج، على خلفية اعدادهم لفيلم وثائقيّ عن عودة الجهاز السري لحركة النهضة الاسلامية، وتم بثه تحت عنوان "غرف سوداء".

وحظي هذا الوثائقي الذي بثته ايضا قناة "العربية" باهتمام كبير في تونس، وأحيا مخاوف من عودة "الجهاز السريّ" لحركة النهضة ومدى ارتباطه بوقائع اغتيالات سياسية تمت تحت حكمها. كما تم عرض ما ورد في هذا الوثائقي من معلومات على مجلس نواب الشعب السابق وتقدم عشرات النواب حينها بدعاوى قضائية ضدّ حركة النهضة الاسلامية بناء على ما تم تداوله في هذا الوثائقي.

واستمع الحرس التونسي (الدرك) إلى فريق عمل الوثائقي "غرف سوداء" الذي بثه برنامج “نقطة إستفهام” على قناة "تونسنا" الخاصة، وذلك على خلفية شكاية تقدم بها عون أمن تم ذكر هويته كاملة في الوثائقي.

وتم استنطاق مخرج الوثائقي أحمد نضال العازم، والصحافي محمد ياسين الجلاصي، بوصفه المشرف على اعداد المحتوى، كما تم استنطاق كل من شهاب الغربي الممثل القانوني لقناة "تونسنا"، بالإضافة الى الصحفي مراد السليمي مقدم برنامج نقطة استفهام الذي عرض الوثائقي، وبحضور لجنة دفاعهم، مع تأجيل استنطاق الصحفي أحد نظيف لوجوده خارج البلاد حاليا.

ويقول الصحافي محمد ياسين الجلاصي وهو عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين التونسي وشارك في اعداد الوثائقي لـ"إيلاف"، إنّ عون الأمن تقدم بشكاية في نوفمبر 2019، إثر عرض الوثائقي الذي تضمن هويته الكاملة دون حجبها أو اخفائها، معتبرا أن ذلك من شأنه أن يعرضه الى تهديدات، قد تطاله، وتطال عائلته، وتمس من سمعته".

وقبل عرض الفيلم الوثائقي، نُشرت في تونس تقارير كثيرة عن وجود "غرفة سوداء" لطالما أنكرت حركة "النهضة" الاسلامية وجودها بوزارة الداخلية.

وهذه الغرفة حسب المزاعم المتداولة، هي عبارة عن صندوق أسود يضم وثائق وتسجيلات دفنت فيه حركة النهضة أسرار الاغتيالات السياسية في البلاد والتي طالت كلا من معارضيْها، شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وجهازها السري، وتقول ذات المزاعم إنّ وجود هذه الغرفة السوداء صلب زارة الداخلية التونسية، تزامن مع حكم حركة النهضة للبلاد بين 2012 و2013، قبل أن تقفل منذ ذلك التاريخ.

وتنفي حركة النهضة كل تلك المزاعم وتعتبرها "كيدية"، فيما تشدد وزارة الداخلية دائما على عدم وجود "غرف سوداء" في مقرّها، وأن أعوانها يخضعون للقانون والتراتريب الجاري بها العمل في حفظ المستندات والارشيف والأدلة.

وكانت "هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي" عرضت العام الماضي، مجموعة من الوثائق تتعلق بدور شخص يدعى مصطفى خذر تقول الهيئة "إن له ارتباطات بحركة النهضة وله نشاط ذي طابع استخباراتي".

الجلاصي: ما نشر في الوثائقي منشور سابقا من طرف القضاء وهيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي ومتداول في الاعلام

وأضافت الهيئة التي تتولى قضية المعارضين البارزين الذين قتلا بالرصاص في العام 2013، أن جزءا من هذه الوثائق، التي تم العثور عليها في ديسمبر 2013 في منزل خذر (حكم عليه 8 سنوات سجنا)، موجود حاليا في ما وصفته بـ"غرفة سوداء" في وزارة الداخلية، داعية إلى فتح "هذه الغرفة وتمكينها من الاطلاع على ما أودع فيها".

وشددت الهيئة على ضرورة أن تفرج الداخلية عن الوثائق الموجودة في "الغرفة السوداء" ذات العلاقة المباشرة بعمليتي اغتيال بلعيد والبراهمي وترفع حمايتها عن التنظيم الخاص المورط في الاغتيال، والذي كان تحت حماية النهضة في 2013.

يذكر أن القطب القضائي لمكافحة الارهاب أعلن حينها أن النيابة العمومية أذنت بإجراء الأبحاث اللازمة وعهدت بالملف لأحد قضاة التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب.

تم اغتيال الأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين الموحد، شكري بلعيد، أمام مقر سكناه بالعاصمة تونس يوم 6 فبراير 2013. كما تعرض النائب بالمجلس الوطني التأسيسي، محمد براهمي إلى الإغتيال أمام منزله بالعاصمة، يوم 25 يوليو 2013.

وبخصوص الشكاية التي تقدم بها عون الأمن ضدّ الفريق الذي أنجز الوثائقي، يقول محمد ياسين الجلاصي المشارك في اعداده لـ"إيلاف": "هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، نشرت محضر الحجز (الذي يتضمن اسم عون الأمن لشاكي) دون اخفاء هوية عون الأمن المذكور، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته بتاريخ 2 أكتوبر 2018، وعملت على توزيع محتواه على أكثر من 600 صحفي، كما تم تداول ذات المحتوى في جلسة المساءلة بمجلس نواب الشعب، ونشره، وتوزيعه على العموم، ضمن وثيقة بعنوان “لماذا وكيف سيكذب وزير الداخلية”، في نوفمبر 2018. علما وأنه سبق للمحكمة الابتدائية والاستئنافية بتونس التداول في شأن تلك الوثيقة خلال الجلسات العلنية، وبالتالي انتفى عنها طابق السرية".

ويضيف الجلاصي: "الفصل 61 من المرسوم 115 (ينظم عمل الصحافة) لا يحجر نشر وثائق التحقيق إلّا قبل تلاوتها في جلسة علنية، وبالتالي، فان نشرها، بعد تلاوتها، وعرضها، في المحاكمات العلنية، أمر لا يُجرّمه القانون".

إلى ذلك، ساندت "النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين" الصحافيين والمخرج المحالين على القضاء، وعبّرت في بيان لها تلقت "إيلاف" نسخة منه عن دعمها ومساندتها لهم، وذكّرت بأنّ "نشر الوثائق القضائية في عمل صحفي، بعد عرضها في جلسات علنية، لا يمكن أن يكون مدخلا لتجريم التعامل مع تلك المعطيات اعلاميا".

وقالت النقابة إنّ "لجوء الفريق الصحفي الى معطيات متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي، وسبق نشرها، في مرات متعددة، في عشرات وسائل الاعلام الوطنية، والدولية، لا يجب أن يكون ذريعة لتتبعهم لدى الفرقة المركزية الثالثة للأبحاث بالحرس الوطني بالعوينة".

كما شدّدت النقابة في بيانها على أن "استنطاق الصحفيين لدى الفرق الأمنية ممارسة تدخل في خانة الهرسلة المسلطة على الصحفيين، وتربك الدور الاجتماعي المحمول على عاتق الصحفيين ووسائل الاعلام في تداول المعلومات وانارة الرأي العام".