على الرغم من هول المصيبة التي حلت بالصين بسبب تفشي فيروس كورونا، تقول الأقليات الآسيوية والمواطنون الصينيون إن العنصرية المرتبطة بالفيروس وكراهية الأجانب قد ازدادت في الفترة الأخيرة.

"إيلاف" من بيروت: في الأسابيع التي تلت انتشار فيروس كورونا المستجد في جميع أنحاء العالم، ظهرت عدة روايات عن التمييز ضد المواطنين الصينيين أو أي شخص يبدو من شرق آسيا.

إن التمييز ضد الصين والشعب الصيني ليس بجديد، فرهاب الأجانب ظاهرة موثقة جيدًا ومن قرون. لكن الطرائق المختلفة التي ظهر فيها هذا التمييز خلال أزمة كورونا تكشف عن العلاقة متزايدة التعقيد التي تربط العالم بالصين.

إرهابيون بيولوجيون!

مع الأنباء التي تفيد بأن الفيروس نشأ من سوق رطب وربما تحور من فيروس يحمله الخفافيش، انتشرت النكات المعتادة في العالم عن كون الصينيين يأكلون أي شيء يتحرك.

في سنغافورة وماليزيا، وقع مئات الآلاف من الأشخاص على عرائض عبر الإنترنت تدعو إلى فرض حظر كامل على دخول المواطنين الصينيين إلى بلدانهم. ووضعت حكومتي البلدين شكلًا من أشكال حظر الدخول على المواطنين الصينيين.

أما في اليابان، فوصف البعض الصينيين بأنهم "إرهابيون بيولوجيون"، بينما انتشرت نظريات المؤامرة حول إصابة الصينيين المحليين، وخصوصًا المسلمين، في إندونيسيا وأماكن أخرى.

وفي الآونة الأخيرة، أثارت مزاعم الصين بشأن بحر الصين الجنوبي واحتجاز مسلمي اليوغور في مقاطعة شينجيانغ الغضب والشك خصوصًا في جنوب شرق آسيا الذي يضم عددًا كبيرًا من المسلمين. وأثار تدفق المال والاستثمارات الصينية إلى المنطقة الشكوك حول الهيمنة والاستغلال الاقتصادييّن الصينييّن.

رهبة وازدراء

يرد بعضهم الموجة الحالية من رهاب الصين إلى الطريقة التي تصرفت بها بكين، سواء في الأزمة الحالية أو في السنوات الأخيرة على الساحة العالمية.

في هذا الإطار يقول البروفيسور دونالد لو، من هونغ كونغ، المختص بالشؤون الصينية، لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" إن المواقف العامة تجاه الصينيين مزيج من "الرهبة والإزدراء".

يضيف قائلًا: "هناك هذا الإعجاب المذهل بما يمكن أن يفعله الصينيون، مثل بناء المستشفيات في غضون أيام. لكن هناك أيضًا ازدراء لعدم قدرتهم على احتواء أشياء مثل تجارة الحياة البرية، أو أن يكونون شفافين وظيفيًا ".

أهداف سياسية

يردد بعض المراقبين ما تقوله الحكومة الصينية عن أن خصوم الصين يتحملون المسؤولية عن "رهاب الأجانب" لأسباب تتعلف بالمنافسة السياسية. من جهته، يقول البروفيسور باري ساوتمان، عالم الاجتماع بجامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا، إن قدرًا كبيرًا من الخطابات المعادية للصين جاء من الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، لا سيما في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب.

يشير ساوتمان إلى أن الموجة الحالية تتزامن مع صعود المذهب القومي في الولايات المتحدة وباقي دول العالم. يضيف: "يُنظر إلى الصين الآن على أنها منافس للهيمنة الأميركية، وقد تعرض كل ما تقوم به الحكومة الصينية لانتقادات شديدة. ونتيجةً لذلك، فإن الكثير من الأطراف في جميع أنحاء العالم يستفيدون من ذلك، ويعتمدون على رهاب الصين الذي وُجد تاريخيًا في آسيا".

انتقادات صينية

نشرت وسائل الإعلام الحكومية الصينية في الأسابيع القليلة الماضية العديد من مقالات الرأي الساخرة التي تدين التمييز والعنصرية، ووجهت وسائل الإعلام الحكومية الصينية انتقادًا شديد اللهجة لوسائل الإعلام الدولية التي اعترضت على تعامل الحكومة الصينية مع أزمة كورونا، وأطلقوا على هذه الاعتراضات اسم "الإبلاغ الخاطئ" أو وصفوها بأنها تمييز غير عادل ضد الصين، حتى أن مذيع التلفزيون البارز ليو شين من محطة الإذاعة الحكومية "سي جي تي إن" قام بمقارنتها بـ "ركل الصين في أثناء وقوعها".

على الصعيد الرسمي، انتقدت الحكومة الصينية عدة دول، ولا سيما الولايات المتحدة، لقيامها "بإثارة الخوف ونشره" بسنّ قوانين تفرض ما وصفته بحظر الدخول "غير الضروري" على المسافرين الصينيين.

الصينيون في الخارج

يتزامن ذلك كله مع تزايد القلق واليأس من التمييز بالنسبة للعديد من الأقليات الصينية والآسيوية في خارج البلاد، حيث لا يزال تفشي المرض مستمرًا دون نهاية قريبة في الأفق.

تقول سامي يانغ، وهي فنانة ماكياج صينية تعيش في برلين، لـ "بي بي سي"، إنها تشعر بالخوف وتخطط لتجنب الخروج من المنزل خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وتعرضت صديقة ألمانية-آسيوية ليانغ أخيرًا للمضايقة في محطة قطار، بينما تعرضت امرأة صينية لهجوم وحشي وهي في طريقها إلى منزلها، في حادث وصفته شرطة برلين بأنه عنصري. هذا، وادعت يانغ على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، أن هناك معتدون أطلقوا عليها اسم "فيروس" وتعرضوا لها بالضرب.

علقت يانغ: "لا أريد أن أتشاجر مع الناس عندما يسمونني فيروسًا. كل ما يعرفونه هو ما يقرأونه في الصحف، لا يمكنك تغيير رأيهم. وحتى لو عرضت عليهم تأشيرتي، وأخبرتهم أنني مقيمة دائمة، كل هذا لن يهمهم. لأن ما يرونه هو وجهي الصيني فحسب".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن " بي بي سي". الأصل منشور على الرابط:

https://www.bbc.co.uk/news/world-asia-51456056