القدس: أنعكس عدم اعتماد موازنة مالية لإسرائيل في ظل الأزمة السياسية، على السكان الأكثر احتياجاً، فانخفضت المساعدات للاشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية وتركت مدارس تلمودية شبه مفلسة فيما تعمل منظمة اجتماعية على تمويل حاجاتها عبر التبرعات.

وشهدت إسرائيل منذ حلّ البرلمان في كانون الأول/ديسمبر 2018، اقتراعين ولكنّهما لم يتيحا الفصل بين الليكود بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وبين تحالف "أزرق-أبيض" بقيادة بيني غانتس. وعلى خلفية ذلك، تتحضر إسرائيل لانتخابات جديدة في 2 آذار/مارس.

وفي ظل عدم حيازة الحكومة الانتقالية برئاسة نتانياهو على غالبية في الكنيست، فإنّها عاجزة عن اعتماد موازنة، كما أوضحت لفرانس برس الحاكمة السابقة لبنك إسرائيل كارنيت فلوغ.

وتقول فلوغ التي تعمل حالياً باحثة في معهد الديموقراطية الإسرائيلية وتدرّس الاقتصاد في الجامعة العبرية في القدس، إنّ "موازنة الأمن لم تتأثر، غير أنّ الوضع صعب في مجالات أخرى".

ووفقاً لها، فإنّ الاعتمادات المالية المخصصة لإنشاء مئات الفصول الدراسية الإضافية لمواكبة التزايد السكاني في إسرائيل جمّدت.

وتشير أيضاً إلى تعليق برامج دعم للأشخاص الذين يعانون من إعاقات جسدية، وبرامج ضدّ العنف الاسري وتحسين الرعاية الطبية للأكثر عوزاً.

وتلخص فلوغ المشهد بالقول إنّ الافتقار لموازنة سنة 2020 المالية "يمسّ الأكثر احتياجاً بشكل خاص".

- "قبة حديدية اجتماعية" -

علاوة على التخفيضات في البرامج الحكومية، فإنّ المنظمات غير الحكومية المعتمدة على الأموال العامة من أجل تقديم خدمات اجتماعية أساسية تواجه بدورها وضعاً حرجاً.

وخسرت إحدى هذه المنظمات، وهي معجاليم التي تساعد نحو 8 آلاف شاب، 75% من إعاناتها بسبب مأزق الموازنة، كما يقول رئيسها عساف وايس.

وتأسست هذه المنظمة قبل 20 عاماً، وهي تعمل على مساعدة مراهقين يواجهون صعوبات عائلية أو كانوا ضحايا عنف.

وبما أنّ المنظمة رفضت حرمان شبانها من الخدمات لأنّ "بعض المجانين في الكنيست" لم يتمكنوا من تشكيل حكومة، لجأ عساف وايس إلى مسار آخر.

فبعث إلى وزارة المال الإسرائيلية برسالة احتجاج على اعتبار أنّ منظمته ومنظمات أخرى يمثلن "القبة الحديدة الاجتماعية" لإسرائيل، في إشارة إلى منظمومة "القبة الحديدية" الدفاعية.

وفي ظل عدم رد الوزارة، لجأ عساف وايس إلى مواقع التواصل الاجتماعي لجمع الأموال الضرورية لنشاطات منظمته.

ويروي لفرانس برس "كانت حملة طارئة لجمع الأموال" وسمحت بالحصول على مليوني شيقل، ما يوازي 808 الاف يورو في غضون ثلاثة اسابيع.

- "حياة أو موت" -

تشير أحدث استطلاعات الرأي إلى تقارب بنيامين نتانياهو وبيني غانتس في الانتخابات المرتقبة في 2 آذار/مارس، الثالثة في غضون عام.

وإذا حصدا مقاعد برلمانية متقاربة عددياً أو متساوية، للمرة الثالثة على التوالي، فإنّ مفاوضات تشكيل الحكومة ستكون معقّدة، ما من شأنه إثارة الشكوك حول إمكانية اعتماد موازنة جديدة في وقت قريب.

ولكن المفارقة تكمن في أنّ أزمة الموازنة قد تدفع أحزابا أرثوذكسية متشددة حليفة لنتانياهو وتحوز على نحو 10% من المقاعد، على إخراج الموازنة من المأزق.

وتعتمد المؤسسات الأرثوذكسية المتشددة بشكل كبير على المال العام من أجل تنفيذ برامجها، ولكنّها رأت مخصصاتها تذوب في الأشهر الأخيرة بسبب أزمة الموازنة.

وتواجه المدارس التلمودية (يشيفوت) عجزاً مالياً يقدّر ب88 مليون دولار لعام 2020، وفق ما قال لفرانس برس الباحث في معهد الديموقراطية الإسرائيلية جلعاد مالاش.

وتعدّ مجموعة اليهود الارثوذوكس المتشددين من بين الاكثر احتياجاً في المجتمع الإسرائيلي.

ويعتبر الصحافي في هآرتس حاييم ليفنسون أنّ هذه الظروف تجعل من مسألة الموازنة "مسألة حياة أو موت" بالنسبة للسياسيين الارثوذوكسيين المتشددين.

ويرى الصحافي أنّه إذا شعر هؤلاء بأنّ المازق سيستمر، فإنّهم "سيلعبون دوراً نشطاً من اجل إجبار نتانياهو على تقديم تنازلات، لأنّهم بحاجة ماسة للمال".

ومن جانبه، يعتبر مالاش أنّ الأمر قد يصل بهؤلاء إلى "الالتحاق بتحالف يقوده غانتس" للتأكد من حضورهم في الحكومة المقبلة.