أغلبية عظمى من قراء "إيلاف" توافق مارك زوكربيرغ الرأي في أن دولًا تعمل لترويج الأخبار الكاذبة. ليس هذا مستهجنًا، فما أكثر الأمثلة على أن الحكومات تستخدم التضليل لكسب معاركها الداخلية، والخارجية.

في 15 فبراير الجاري، قال مارك زوكربيرغ، المؤسس والرئيس التنفيذى لشركة فيسبوك أمام مؤتمر ميونيخ للأمن إنه يجب تقنين المحتوى الإلكترونى الموجود على وسائل التواصل الاجتماعى، مؤكدًا أن هذه الوسائل - مثل فيسبوك وتويتر وغوغل - واجهت ضغوطًا كبيرة لمواجهة الحكومات والأحزاب السياسية وغيرها والتى تستخدم هذه المنصات لنشر أخبار كاذبة ومضللة، ومعلنًا أنه وظف أكثر من 35 ألفًا لمراجعة المحتوى الموجود على المنصة، وتطبيق معايير الأمن، باستخدام تكنولوجيا صُنعت خصيصًا لمواجهة نشر المعلومات المضللة.

سألت "إيلاف" القارئ العربي: "هل تتفق مع رأي مؤسس فيسبوك بأن دولًا تعمل لترويج الأخبار الكاذبة؟".

شارك في هذا الاستفتاء 325 قارئًا، أجاب 305 منهم بـ "نعم" (بنسبة 94 في المئة)، مقابل 20 أجابوا بـ "لا" (بنسبة 6 في المئة).

ذباب إلكتروني

حين التفكير في هذا السؤال، يتبادر فورًا إلى الأذهان مصطلح صار شائعًا في الآونة الأخيرة: الذباب الإلكتروني.

إن الذباب الإلكتروني مصطلح يعبر عن استخدام الحسابات المزيفة بكثافة في اتجاه معين، للدفاع عن وجهة نظر معينة، أو للهجوم على وجهة نظر مغايرة، ويستخدم هذا الأسلوب في المنصات الإجتماعية مثل فيسبوك و تويتر للتأثير سلبًا أو إيجابًا في قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية وفنية وتقنية ودينية وغيرها.

يعمل الذباب الإلكتروني على فرض أمر الواقع من خلال التأكيد أن مناصري فكرة معينة أو رأي محدد هم الأغلبية، لهذا تحتاج هذه التقنية إلى الكثير من الحسابات المزيفة كي تنجح، وأن يتم النشر واستخدامها في الوقت نفسه.

هدف الذباب الإلكتروني قمع أي رأي مخالف، وذلك بنشر التعليقات المعارضة والمنشورات الهجومية على الرأي المستهدف أو الجهة المستهدفة... وهذا شائعٌ في المجال السياسي بصورة كبيرة للغاية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

من هو المسؤول عن ذلك؟ تأتي الجهات الإلكترونية في صدارة المتهمين بتكوين موجات من الذباب الإلكتروني؛ إذ إن في بعض دول المنطقة جهات توظفها الحكومات لتشويه المعارضين أو الدول الأخرى، وإطلاق الشائعات عنهم ونشر أخبار مزيفة تضر بثقة الرأي العام بهم.

إلا أن الدول لا تعتمد دائمًا على الذباب الإلكتروني، فهي قادرة على ترويج الأخبار الكاذبة ضد الدول الأخرى بطرائق عدة... والأمثلة على ذلك كثيرة.

إيران أنموذجًا

في ديسمبر 2018، كشف تحقيق أجرته وكالة رويترز أن الحكومة الإيرانية تروج الأخبار الكاذبة؛ إذ أكد التحقيق أن أكثر من 10 مواقع إخبارية إلكترونية تستهدف اليمنيين الإيرانيين وتهاجم السعودية، وتحاول ترويج أخبار كاذبة لتضليل الرأي العام.

أوضح التقرير هوية أصحاب بعض المواقع وعناوينهم في سجلات التسجيل التاريخية على الإنترنت، وسبق أن أوضح 17 من بين 71 موقعًا أن مقره إيران أو طهران أو كشف رقم هاتف أو رقم فاكس إيراني. وقالت رويترز إن أكثر من 70 موقعًا على الإنترنت تعمل على نشر الدعاية الإيرانية في 15 دولة، يزورها أكثر من نصف مليون شخص في الشهر ويتم الترويج لها بحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي يتجاوز عدد متابعيها المليون متابع.

تبرز المواقع الأساليب التي يتزايد لجوء أطراف سياسية في مختلف أنحاء العالم إليها لنشر معلومات مضللة أو كاذبة على الإنترنت للتأثير في الرأي العام.

تمثل هذه المواقع مكتبة للمواد الرقمية التي تشمل تطبيقات للهواتف المحمولة ومواد من وسائل الإعلام الإيرانية والصور ومقاطع الفيديو وتقارير من مصادر أخرى على الإنترنت تدعم سياسات طهران.

تركيا تتهم فرنسا

في نوفمبر الماضي، اتهمت الحكومة التركية وسائل الإعلام الفرنسية بنشر روح العداء ضد تركيا، بذريعة مناهضة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، معتمدة على أخبار كاذبة وفرض رقابة على الآراء المغايرة، بالتوافق مع السياسات الرسمية للدولة الفرنسية، في نهج يتماشى مع الخطط المعادية لتركيا التي رسمتها الولايات المتحدة الأميركية، كما قالت حيثية الاتهام.

وبحسب تقرير بعنوان "الإعلام الفرنسي ينشر العداء لتركيا" نشرته وكالة الأناضول التركية، اعتمدت وسائل الإعلام الرئيسية في الدول الأوروبية "نهجًا يستند إلى نشر أخبار كاذبة وملفقة وانتقادات تفتقر للموضوعية، إضافة إلى فرض رقابة على الآراء والأخبار التي تعمل على إيصال الحقيقة، وتعتمد وسائل الإعلام الرئيسية على ركيزتين أساسيتين في ترويج النهج الذي صاغته واشنطن، بمباركة من باريس ولندن وبرلين، ومساعيها الرامية إلى بث أخبار معادية لتركيا، بذريعة مناهضة أردوغان. تقوم الركيزة الأولى على إظهار التعاطف مع تنظيم ’بي كا كا‘ الإرهابي، فيما تقوم الثانية على دعم تنظيم ’غولن‘ الإرهابي المسؤول عن تنفيذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في عام 2016".

أضافت وكالة الأناضول أن من هذه الوسائل: التلفزيون الفرنسي، التلفزيون الحكومي (France 2)، القناة التلفزيونية الحكومية المشتركة في كندا وسويسرا وبلجيكا ( TV5)، ووكالة الصحافة الفرنسية (AFP).

وبحسب التقرير، عمدت وسائل الإعلام تلك حتى 7 يونيو 2015، أي تاريخ الانتخابات العامة التركية، على الترويج لموضوعات مثل: "تحول أردوغان نحو الاستبداد"، "ابتعاد تركيا في عهد أردوغان عن النهج العلماني"، و"ابتعاد تركيا عن محورها الغربي".

أكاذيب روسية في السويد

في يناير 2017، كشفت دراسة لمعهد الدراسات السياسية في ستوكهولم النقاب عن ازدياد المحاولات الروسية للتأثير على تشكيل الرأي العام في السويد، مشيرة إلى أن روسيا كثفت منذ عام 2014 من ترويج الأخبار الكاذبة في السويد، وفقًا لتقرير بعنوان "روسيا تروج أكاذيب للتأثير على الرأي العام في السويد" نشره موقع "دي دبليو" بالعربية.

من النماذج التي ذكرتها الدراسة برقية كاذبة أرسلت إلى وسائل الإعلام تفيد بأن وزير الخارجية السويدي السابق كارل بيلدت سيصبح رئيسًا للوزراء في أوكرانيا، كذلك مُرر العديد من الأخبار الكاذبة لوسائل الإعلام عن وجود غواصات روسية في المياه الإقليمية السويدية.

أشارت الدراسة أيضًا إلى أن المحاولات التي اتخذتها روسيا للتأثير على الرأي العام في السويد كانت كثيرة للغاية، وازدادت بشكل خاص حين شرع البرلمان السويدي في التصويت على اتفاقية مع حلف شمال الأطلسي.

يشار إلى أن تقريرًا للمخابرات الأميركية اتهم روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين بإعطاء أوامر للتلاعب في نتائج الانتخابات الرئاسية بهدف دعم الرئيس المنتخب الحالي والمرشح الجمهوري آنذاك دونالد ترمب، والذي يعتبر أكثر ميلًا لروسيا من منافسته في الانتخابات هيلاري كلينتون.

كورونا: مزاعم بلا أساس

في تطور أخير في هذا السياق، نفت روسيا رسميًا وبشدة مزاعم بشأن نشرها معلومات مضللة على وسائل التواصل الإجتماعي عن تفشي فيروس كورونا الجديد، بعدما قال مسؤولون أميركيون إن حسابات مرتبطة بروسيا اختلقت مزاعم لا أساس لها من الصحة بأن واشنطن بدأت نشر هذا المرض.

وبحسب تقرير نشره موقع "بي بي سي" عربي، نسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى فيليب ريكر، القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون أوروبا وأوراسيا، قوله: "من خلال نشر معلومات مضللة عن فيروس كورونا، تختار الجهات الفاعلة الروسية الخبيثة مرة أخرى تهديد السلامة العامة من خلال صرف الانتباه عن الاستجابة الصحية العالمية".

ردت وزارة الخارجية الروسية على تلك المزاعم السبت ووصفتها بأنها "زائفة"؛ قالت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الوزارة، لوكالة "تاس" الروسية: "هذه قصة كاذبة ومتعمدة".

ونشرت هذه النظرية على آلاف الحسابات على تويتر وفيسبوك وانستغرام وفق المسؤولين، وتزعم أن فيروس كورونا محاولة لشن "حرب اقتصادية أميركية على الصين".