جوبا: يعود رئيس جنوب السودان سلفا كير وزعيم المتمردين رياك مشار مجددا الى تقاسم السلطة في البلاد، وان كان ذلك قد تم على نحو غير مريح للطرفين، لكن محللين يحذرون أن مسار السلام لا يزال طويلا وشاقا في هذه الدولة المضطربة.

وأدى مشار اليمين الدستورية السبت في جوبا بعد تعيينه نائبا أول للرئيس، قبل ان يعانق عدوه اللدود كير الذي تعهد أن معاناة الدولة وصلت الى نهايتها.

وكان التعيين جزءا من جهود أوسع نطاقا بُذلت لإنهاء حرب دامت ستة أعوام بين الرجلين وخلفت ما يقرب من 400 ألف قتيل.

وقال الخبير في شؤون جنوب السودان في مجموعة الأزمات الدولية آلان بوزويل لفرانس برس "انها خطوة كبيرة، لكنها فقط مجرد نقطة واحدة في مسار طويل للغاية لإخراج جنوب السودان من دائرة النزاع".

وأضاف "لا يزال هناك شكوك كثيرة بين سكان جنوب السودان ان كان هذان الزعيمان سيعملان معا وليس الواحد ضد الاخر".

و جاء أداء مشار اليمين بعد الكثير من الضغوط التي مورست في اللحظات الأخيرة ورافقتها نقاشات ومساومات وتنازلات من كلا الجانبين، بهدف الالتزام بالمهلة النهائية لتشكيل حكومة وحدة وطنية بموجب اتفاق السلام الذي أُبرم في ايلول/سبتمبر 2018 وأُرجىء مرتين.

وأثنى شركاء اقليميون ودوليون على الرجلين لقيامهما بتنازلات جوهرية، فالرئيس كير وافق على العودة الى تقسيم ال10 ولايات بعد ان كانت 32، على الرغم من أن خطته لانشاء ثلاث مناطق إدارية تحيط بحقول النفط الرئيسية كادت أن تعطل المحادثات.

ومشار وافق على قيام قوات كير بتأمين الحماية له بانتظار تشكيل قوة موحدة لحماية الشخصيات كما هو مقرر.

ورغم ذلك لا يزال كل طرف يملك جيشه الخاص، بانتظار انضاج مخطط تدريب جيش مكون من 83 الف جندي وتنفيذ الاصلاحات الواردة في اتفاق السلام.

وقال بوزويل "الترتيبات الأمنية فوضى تامة، فما زال أمامها تخريج قوات الوحدة المشتركة. الجانبان يحتاطان عبر الاحتفاظ بقواتهما الرئيسية، في حين هناك حملة تجنيد واسعة النطاق".

وأضاف انه مع وجود الكثير من القضايا على الطاولة التي يمهد بعضها لخلافات مستقبلية محتملة اذا لم تتم معالجتها بشكل مناسب، فان الوضع قد "ينزلق بسهولة خارج السيطرة".

تقاسم حقيقي للسلطة

وقال لوك فان دير فوندرفورت الخبير بشؤون السودان في المعهد الأوروبي للسلام إن السؤال الرئيسي يبقى ان كان سيتم تشكيل حكومة وحدة حقيقية، مع تقاسم مقبول للسلطة.

وأشار الى أنه "في المرة الماضية، لم يكن الأمر كذلك".

وتولى كير الرئاسة ومشار منصب نائب الرئيس مع نيل جنوب السودان الاستقلال عام 2011، لكن كير أقال مشار عام 2013 واتهمه لاحقا بمحاولة القيام بانقلاب ضده، ما أدى إلى نشوب حرب دامية شهدت صراعا عرقيا بين قبائل الدينكا التي ينتمي اليها كير وقبائل النوير التي ينتمي اليها مشار.

لكن اتفاق سلام أُبرم عام 2015 أعاد مشار إلى منصبه كنائب للرئيس وايضا الى جوبا مع ميليشياته الخاصة.

الا ان هذا لم يحل دون أن تصطدم الحكومة بعقبات أوصلتها لاحقا الى طريق مسدود، فتصاعد التوتر بين قوات مشار وكير لتندلع جديدة بينهما.

ولفت فان دير فوندرفورت الى أن الضغط الدولي المتواصل قد يكون هو المفتاح.

وقال "علينا أن ندرك حقيقة أنه على الرغم من كل الصور العامة والخطب حول الصفح والمصالحة وايضا العناقات والابتسامات، فان هذا الاتفاق جاء نتيجة لضغوط مستمرة من قوى اقليمية والولايات المتحدة".

وبينما أدى مشار وأربعة من نواب الرئيس اليمين الدستورية، بدأت المساومات حول تشكيل حكومة من 35 وزيرا وتعيينات في مناصب حكومية أخرى.

ومع ذلك يرى المراقبون بارقة أمل في الرغبة الظاهرة بابرام تسوية من قبل الرجلين اللذين تلقي الأمم المتحدة عليهما باللوم بالاشراف على ارتكاب جرائم بشعة خلال الحرب.

وقال أبراهام كيول نيون الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة جوبا "حتى الآن لا نعرف ماذا سيحدث لأن الدكتور ريك لم يذهب بعد إلى مكتبه ولم يشرع بعمله (...) لكن إذا استمرا في ابرام تسويات فسنرى أشياء جيدة تحصل".

وشهدت الحرب نزوح أربعة ملايين شخص، كما ان هناك نحو 190 ألف شخص لا يزالون يعيشون في مواقع الحماية التابعة للأمم المتحدة في أنحاء البلاد ويخشون العودة إلى ديارهم.

وقال تاك تشان الذي يعيش في جوبا لفرانس برس "إنهم هناك يتقاسمون السلطة ويحصل كل واحد على حصته على طاولة المفاوضات، لكننا نحن المدنيين (...) نحتاج حقا للسلام حتى نتمكن من العودة الى منازلنا".

وبعيدا من المساومات السياسية في جوبا، يواجه أكثر من نصف السكان خطر المجاعة هذا العام، والقرى والبلدات تعرضت لدمار يعتبر بوزويل أن البلاد "ستحتاج إلى أجيال لإصلاحه".

وأضاف "محاولة إنشاء هوية وطنية من جديد والتسامح الوطني سيستغرقان وقتا طويلا للغاية"، مشيرا الى أن قادة البلاد بحاجة لإقناع السكان أنه بعد تسع سنوات من الاستقلال فان "جنوب السودان قابل للحياة والمضي قدما نحو المستقبل".