إيلاف من القاهرة: توفي الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عن عمر يناهز، 91 عامًا، ليكون بذلك أول فرعون مصري يتوفى وهو خارج سدة الحكم، إذا أن جميع الرؤساء والملوك منذ عهد الفراعنة ماتوا وهم في السلطة.

بدأ مبارك حياته ضابطًا في الجيش المصري، وتخرج في الكلية الجوية عام 1950، ترقى فى المناصب العسكرية حتى وصل إلى منصب رئيس أركان حرب القوات الجوية، ثم اصبح قائدًا للقوات الجوية عام 1972، وقاد القوات الجوية خلال حرب أكتوبر 1973. وعينه الرئيس الراحل أنور السادات، نائبًا لرئيس الجمهورية، ثم رئيسًا للجمهورية في العام 1981 بعد اغتيال السادات.

وتستعرض "إيلاف" أهم محطات حياة الرئيس الراحل حسني مبارك، الذي يحمل الرقم أربعة في قائمة الرؤساء المصريين بعد ثورة 23 يوليو 1952، التي أسقطت نظام الملكية، ونفت الملك فاروق إلي إيطاليا. وتولى الرئيس الراحل محمد نجيب الحكم بعد الثورة مباشرة، ثم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ثم الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

تسلم مبارك الحكم بتاريخ 14 أكتوبر 1981، بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في السادس من الشهر نفسه، على أيدي مجموعة إرهابية، وحكم مبارك مصر لمدة ثلاثين عامًا بقانون الطوارئ، في ظل وجود ديكوري للديمقراطية، وهي غرفتين للبرلمان هما مجلس الشعب ومجلس الشورى، بالإضافة إلى مجالس شعبية محلية في المحافظات والمراكز والقرى.

تفاقمت في عهد مبارك ظاهرة الفقر، وبلغت 47% من إجمالي تعداد المصريين البالغ 82 مليون نسمة، في العام 2010، وهناك نحو 14% يعيشون تحت خط الفقر، منهم 12 مليونا يعيشون في مناطق عشوائية من دون خدمات أو مرافق. في حين أن 2% من المصريين المنتمين إلى الحزب الوطني الحاكم وقتها، ورجال الأعمال التابعين للنظام يتحكمون بـ 40% من الدخل القومي، ويتحكم 18 آخرون في 40% من هذا الدخل، بينما يعيش باقي المصريين على 20% منه.

تدهورت الأوضاع الصحية للمصريين في عهد مبارك، وانتشرت الأمراض، وبلغ إجمالي المصابين بمرض السرطان نحو 150 ألف حالة سنوياً، وهناك 14 مليون مصري يعانون الفشل الكلوي، بينما يعاني 12 مليوناً من الفشل الكبدي، وفي المقابل كانت ميزانية وزارة الصحة هزيلة جداً، بل تم تخفيضها بمعدل ثلاثة مليارات جنيه، لصالح شراء سيارات ومعدات أمنية في ميزانية العام المالي 2009/ 2010.

وقدر الدكتور محمد عوض تاج الدين وزير الصحة الأسبق، نسبة المصريين غير القادرين على توفير العلاج ب75% من إجمالي السكان في العام ٢٠١٠.

وكانت الأوساط الغربية سواء السياسية أو الحقوقية ترى في نظام حكم مبارك، نظامًا استبداديًا، ووصل الأمر إلى حد أن نشرت في مجلة باردي الأميركية تقريرًا في عام 2009، صنفت مبارك فيه ضمن أسوأ 20 ديكتاتورًا بالعالم، وحل هو في المركز السابع.

ووصفته مجلة فورين بوليسي في العام 2010، بأنه "حاكم مطلق مستبد، يعاني داء العظمة، وشغله الشاغل الوحيد أن يستمر في منصبه".

وأضافت: "مبارك يشك حتى في ظله وهو يحكم البلاد منذ 30 عاما بقانون الطوارئ لإخماد أي نشاط للمعارضة ويجهز ابنه جمال لخلافته".

كان سعي مبارك لتوريث نجله الأصغر جمال الحكم، هو القشة التي قصمت ظهر نظام حكمه، وتسببت في ثورة المصريين ضده، والإطاحة به في يوم 11 فبراير 2011.

ففي العام 2000، بدأ جمال في الظهور بالوسط السياسي علنيا، وبدأ مبارك يتحدث عن إمكانية مساعدته له في إدارة شؤون البلاد على طريقة إستعانة الرئيس الفرنسي الراحل، جاك شيراك بابنته في سكرتارية قصر الإليزيه، ثم سرعان ما بدأ بتطبيق خطة ليأتي جمال خليفة له في حكم مصر، ومنها تعديل الدستور في العام 2007، ليتم تضييق الفئات التي يحق لها الترشح للرئاسة، وتنحصر في جمال وأية شخصيات يمكنها أن تقبل بدور الكومبارس.

وفي العام 2010، أشرف نجله جمال على الانتخابات البرلمانية، التي شهدت تزويرًا واسع النطاق وأعمال بلطجة وتدخلا أمنيا سافرا، ما أدى إلى سقوط قتلى ومصابين، وتم إقصاء المعارضة بشكل كامل من البرلمان، تمهيدًا لإقرار ترشيح جمال في نهاية حكم والده بعد عدة أشهر.

تزامنت أعمال التزوير في الانتخابات، مع تصاعد غضب المصريين ضد الفساد واستبداد وقمع الجهاز الأمني، لاسيما مع تفاقم ظاهرة التعذيب في مراكز الشرطة، والاعتقال العشوائي، وبلغ عدد المعتقلين نحو 23 ألف معتقل بقرار إداري، وفقاً لتقديرات المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، وبلغ عدد قوة جهاز الشرطة في عهده نحو 3 ملايين فرد برتب مختلفة بدءا من وزير الداخلية وانتهاء بالمخبرين، إضافة إلى نحو 1.3 مليون بلطجي كانوا يستخدمون في التنكيل بالمعارضين السياسيين.

وفي السنوات الأخيرة لحكمه ترك مبارك الأمور لزوجته سوزان ونجله، اللذين كانا يديران الدولة، ما خلق موجات من الغضب الشعبي، وشهدت البلاد موجات من الاحتجاجات الشعبية، وانضم السياسيون إلى هذه الاحتجاجات، وشكلت المعارضة البرلمان الموازي، بعد إقصائها من الانتخابات البرلمانية، إلا أنه استخف بالمعارضة السياسية والشعبية، وقال ساخرًا في أولى جلسات البرلمان: "خليهم يتسلوا"، ما أشعل الغضب ضده.

وفي عيد الشرطة السنوي، 25 يناير 2011، دعا المصريون بعضهم البعض إلى الخروج في ثورة شعبية، واحتل الملايين الشوارع والميادين وبخاصة ميدان التحرير، ولم يبرحوا أماكنهم حتى أسقطوا نظام حكمه في 11 فبراير 2011، بعد 18 يومًا من الثورة التي انحاز إليها الجيش.

لم تكتفِ الثورة بإسقاط نظام حكم مبارك، والقضاء على أحلام نجله جمال في خلافة والده، بل أصرت على محاكمته ونجليه ورموز نظام حكم، وبتاريخ 13 أبريل من العام 2011، أصدر النائب العام المصري قرارًا بحبسه خمسة عشر يوما على ذمة التحقيق معه في اتهامات تتعلق بالتربح واستغلال النفوذ وإصدار أوامر بقتل المتظاهرين أثناء الثورة، ليكون بذلك أول فرعون مصري يسقطه الشعب ويقدمه للمحاكمة.

ظل القضاء المصري ينظر في الدعاوى القضائية ضد مبارك لعدة سنوات، وأصدر في البداية حكما بالسجن المؤبد في حقه، في قضية قتل المتظاهرين، أثناء ثورة 25 يناير، ثم حصل لاحقًا على البراءة، كما حصل على البراءة في قضايا تتعلق بالفساد، إلا أن القضاء أدانه في قضية فساد واحدة، المعروفة بـ"القصور الرئاسية"، وأصدر بحقه حكما بالسجن لمدة 3 أعوام هو نجليه علاء وجمال.

خلال محاكمته كان مبارك يقيم في مستشفى المعادي العسكري، وتداولت الكثير من الشائعات عن تدهور صحته ووفاته، ولعل آخرها ما صدر في نهاية شهر يناير الماضي، بعد خضوعه لجراحة دقيقة في المعدة، إلا أن محاميه نفى تلك الأنباء، وأكد أن صحته جيدة.

ظل مبارك يرقد في المستشفى منذ أكثر من شهر بغرفة العناية الفائقة، إلى أن تم الإعلان عن وفاته أمس الثلاثاء، 25 فبراير الجاري عن عمر يناهز 91 عامًا.