الدوحة: تقف أفغانستان على أعتاب مرحلة جديدة في تاريخها مع اقتراب الولايات المتحدة من توقيع اتفاق مع حركة طالبان يؤمّن انسحابها من أطول حروبها ويفتح الباب لحوار بين المتمردين والحكومة في كابول.

وقد يمهّد الاتفاق لإنهاء أربعة عقود من النزاعات في أفغانستان، لكن الاستقرار لا يبدو مضمونا في ظل الغموض المحيط بنوايا طالبان والأزمات السياسية التي تهدّد بإبقاء البلد الفقير في نفقه المظلم.

يأتي توقيع الاتفاق في الدوحة بعد أكثر من عام من المحادثات بين طالبان والولايات المتحدة والتي علّقت عدة مرات بسبب أعمال العنف.

لم يتم الإفصاح عن فحوى الاتفاق، لكنّ من المتوقع أن يتيح للجيش الأميركي بدء انسحابه كما يرغب الرئيس الاميركي دونالد ترمب، فضلا عن جزء كبير من الطبقة السياسية والرأي العام الأميركي.

وفي مرحلة أولى، سينخفض عديد القوات في أفغانستان من حوالى 13 الفا حاليا الى 8600، وهو العدد الذي كان منتشرا هناك مع وصول ترمب الى الرئاسة في 2016، قبل انسحابات بالتدريج لن تحدث إلا إذا احترمت طالبان التزاماتها.

يعد المتمردون بتوفير ضمانات أمنية في ما يتعلق بمكافحة "الإرهاب"، والبدء فوراً في مفاوضات سلام مباشرة مع السلطات في كابول، على الرغم من اعتبارهم الرئيس أشرف غني أداة في يد واشنطن. وسيوقع الاتفاق بعد أسبوع من هدنة جزئية غير مسبوقة صامدة بشكل عام.

وقال وزير الخارجية الاميركي مارك بومبيو في اليوم الرابع من الهدنة الثلاثاء "نحن على مشارف فرصة تاريخية للسلام. إن الحد من العنف يتم احترامه بشكل غير تام لكنه ينجح".

وطرد تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة حركة طالبان من السلطة بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001. وخاض المتمردون الذين كانوا يحكمون كابول منذ 1996 وحتى أكتوبر 2001، حملة متواصلة أودت بحياة أكثر من 2400 جندي أميركي وعشرات الآلاف من أفراد قوات الأمن الأفغانية.

أنفقت واشنطن أكثر من ألف مليار دولار في هذه الحرب التي قُتل وأصيب فيها أكثر من مئة آلاف مدني أفغاني منذ 2009، حسب أرقام الأمم المتحدة.

إنهاء القتل
من المتوقع أن يحضر ممثلون عن 30 دولة حفل التوقيع يوم السبت في العاصمة القطرية، رغم أن الحكومة الأفغانية لن ترسل مندوبًا، حسبما أفاد مسؤول أفغاني وكالة فرانس برس. وأوضح "لسنا جزءا من هذه المفاوضات. نحن لا نثق في طالبان".

ومن المحتمل أن تضع هذه العداوة مستقبل الاستقرار في مهب الريح، في وقت تتفاقم التوترات السياسة في أفغانستان وسط رفض الولايات المتحدة تأييد إعادة انتخاب غني بشكل مباشر بعد أشهر من انتخابات شابتها مزاعم احتيال.

وكان ترمب وعد بإنهاء "الحروب العبثية التي لا نهاية لها"، إلا أن محلّلين حذروا من أنّ الاستعجال في مغادرة أفغانستان قد يتسبّب بوضع صعب لا يمكن تصوره.

وقال كولن كلارك الباحث في مركز "صوفان" للابحاث لوكالة فرانس برس إنّ "واشنطن ستحقق هذا الهدف، وستعلن النصر، وبعد ذلك سيحمّلون الأفغان مسؤولية أي شيء يحدث". تابع "ما هو الحافز لدى طالبان للالتزام بالاتفاق، خاصة عندما يكون لديهم ما يريدون وهو الانسحاب الأميركي؟".

وكانت المحادثات التي توسط فيها دبلوماسيون قطريون، ماراثونية شابها التوتر في أحيان كثيرة، وامتدت حتى وقت طويل من الليل في مناسبات عدة.

وبدا أنّ الطرفين على وشك الاتفاق على صفقة بعد انتهاء الجولة التاسعة من المحادثات الشاقة في سبتمبر الماضي، لكن ترمب نسف العملية بعد مقتل جندي أميركي في هجوم في كابول ألقي باللوم فيه على طالبان. ثم أعلن فجأة انه دعا طالبان إلى الولايات المتحدة، قبل أن يتراجع عن ذلك.

ويهدد تغيير ترمب المستمر لمواقفه بتراجع عن اتفاق الدوحة في اللحظة الأخيرة، على الرغم من تعهد الرئيس الأميركي "بوضع اسمه" على الصفقة إذا استمرت الهدنة الجزئية.

وكتب المسؤول الثاني في حركة طالبان سراج الدين حقاني في مقال غير مسبوق في صحيفة "نيويورك تايمز" في الاسبوع الماضي، ان الحركة "ملتزمة بالكامل" باحترام الاتفاق المزمع توقيعه.

وكشف حقاني الذي يتزعم شبكة باسمه تصنفها واشنطن "ارهابية" وتعتبر الفصيل الأكثر دموية في التمرد الافغاني، موقف القيادة العليا للمتمردين بعد أكثر من عام من المفاوضات.

وقال "الجميع فقد عزيزا عليه. الجميع تعب من الحرب. أنا مقتنع بضرورة انتهاء أعمال القتل". ورغم ذلك، حذّر كلارك من أنّ حقاني "لم يندد بتنظيم القاعدة" في المقال، مما يثير التشكيك في نية طالبان ملاحقة المتطرفين.

وكان استقبال حركة طالبان لتنظيم القاعدة على أرض أفغانستان السبب الرئيس للغزو الأميركي في أعقاب هجمات 11 سبتمبر عام 2001.