النجف: بعدما تعرّض قطاع السياحة الدينية الحيوي في العراق لأضرار كبيرة اثر موجة الاحتجاجات والاضطرابات السياسية، فضلا عن العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران، يأتي فيروس كورونا ليقضي عليه تمامًا.

واغلقت الفنادق في مدينة كربلاء ابوابها، وأصبحت الكمامات أكثر شيوعًا في الشارع من الثوب الأسود الطويل الذي ترتديه الزائرات.

باتت اعداد الزوار قليلة عند ضريح الإمام الحسين سبط النبي محمد رغم زيارات المسؤولين الصحيين مرتين يوميًا للموقع بهدف التعقيم.

يقول حيدر الذي يبيع المسابح إن عمله قد تضرر بشدة منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة في أكتوبر. تابع "لم نبيع شيئا بسبب قلة الزوار من إيران والخليج"، في حين كانت صفوف من الخرز الملون تتلألأ على الرفوف في متجره. اضاف "الآن، اضافة الى كل ذلك، يأتي تفشي فيروس كورونا".

يزور ملايين الشيعة، والكثير منهم من إيران المجاورة، العتبات في كربلاء والنجف في كل عام خصوصا خلال مناسبة ذكرى الاربعين.

وفي الأيام "العادية"، تخلق حركة الزيارة الدينية فرص عمل لمئات آلاف العراقيين مع مليارات الدولارات سنويا، كونها المصدر الوحيد للسياحة في بلد مزقته عقود من الحروب. لكن في العراق حاليا ست حالات مؤكدة بالاصابة بالفيروس مصدرها ايران في حين تتراجع أعداد الزائرين أكثر.

ضريح رئيس مغلق
وكانت أول حالة مؤكدة بالاصابة لمواطن إيراني يدرس في حوزة في النجف حيث ضريح الامام علي ابن ابي طالب، ابرز العتبات المقدسة لدى الشيعة على بعد نحو 150 كلم جنوب بغداد.

وردت السلطات بإغلاق الحدود البرية مع إيران وحظر دخول الرعايا الأجانب المسافرين من الجمهورية الإسلامية والبلدان المتضررة الأخرى. واتخذت السلطات خطوة نادرة بشكل استثنائي، وهي إغلاق ضريح الإمام علي امام الزوار، في هذا الاسبوع.
وعادة ما يشهد المكان تدافعا للتبرك من قبر صهر النبي محمد.

من جهته، يقول صائب أبو غنيم، رئيس رابطة المدينة للفنادق والمطاعم، إنه حتى شهر أكتوبر، استضافت المدينة أكثر من خمسة الاف زائر يوميا مسجلين مع شركات اضافة الى الاف اخرين وفدوا بشكل فردي، 85 في المئة منهم إيرانيون. واضاف لوكالة فرانس برس "توجد في النجف 350 فندقا اغلق ما لا يقل عن 300 منها".

أما الفنادق التي ما زالت "تعمل فلا تتجاوز نسبة الإشغال فيها 5 إلى 10 في المئة". ولا توجد اصابات بالفيروس في كربلاء التي تقع في منتصف الطريق إلى بغداد ، لكن المدينة لم تنج من تاثيراته.

يقول صاحب زمان، نائب رئيس غرفة التجارة في المدينة، ان "السياحة الدينية في كربلاء صفر في الوقت الحالي". اضاف "ليست هناك أية أموال (...) لا سياحة دينية بسبب هذا الوضع".

عقوبات وعنف وفيروسات
فيروس كورونا المستجد هو آخر كارثة تضرب السياحة الدينية في المدن العراقية المقدسة لدى الشيعة. وأجبرت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على طهران والهجمات المتبادلة بينهما على الاراضي العراقية، الزوار الايرانيين على البقاء في منازلهم.

وقبل احياء ذكرى الأربعين في أكتوبر الماضي، ألغت السلطات العراقية رسوم التأشيرة للإيرانيين الذين يعانون من ضائقة مالية بغية زيادة أعدادهم.

لكن الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة في بغداد وجنوب العراق في ذلك الشهر والعنف الذي رافقها، تركت تأثيرها على أعداد الزائرين.

قال أبو غنيم المسؤول "كانت هناك تظاهرات وعنف وعقوبات أميركية على إيران فضلا عن تراجع قيمة الريال الإيراني". تابع "عندما بدأت السياحة الدينية في الانتعاش مجددا ظهرت لدينا حالة مؤكدة بفيروس كورونا اصابت طالبا ايرانيا".

وأسفر الذعر من الاصابة بالفيروس عن خلو شوارع النجف التي تبدو مهجورة واغلاق المدارس. والتجمع الوحيد يمكن مشاهدته في الصيدليات، حيث يزداد الطلب على شراء المطهرات والأقنعة الطبية.

في الشارع المؤدي إلى ضريح الإمام علي، يقف الندل خارج المطاعم، محاولين بشغف إقناع عدد قليل من الزوار بالدخول. وقال أحد السكان إن الشارع نفسه كان مكتظاً بالزوار قبل الاحتجاجات، مع تكدس الزبائن في المطاعم وانشغال الندل باخذ الطلبات التي لا تنتهي أبدًا.

من جهته، يقول رجل الدين الشيعي فاضل البديري ان التراجع في السياحة مؤشر الى أن العراق يجب أن يتخلى عن الاتكال على إيران.

واضاف لفرانس برس ان "المجتمع العراقي، وخصوصا النجفي تحديدًا، احسن الظن بايران وفتحت الفنادق للايرانيين، ولم يشتر البضائع الا من ايران، لكن عندما انقطعت ايران، اصبحت التجارة صفرا بالنجف". وختم قائلا "اعتقد المجتمع ان ايران ستبقى للابد (...) كان هذا خطأ".