أكد سلطان الجابر أن على الإعلام الإماراتي أن يبقى مواكبًا للمتغيرات والمستجدات المتسارعة، سواء من ناحية التطورات التكنولوجية في الأدوات والوسائل والمنصات والتحول الرقمي، أو من ناحية المحتوى، لأنه مرآة تسامح الإمارات وقيمها، وحامل رسالتها الإنسانية.

إيلاف من دبي: في حديث مطول نشرته "البيان" الإماراتية، قال الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الدولة الإماراتي والرئيس التنفيذي لشركة بترول أبو ظبي الوطنية "أدنوك" ومجموعة شركاتها في الإمارات، إن الإعلام مرآة المجتمعات وأداة رئيسة تعكس مدى تقدم الدول، "ويقاس مدى تأثير إعلامنا، بقدرته على إيصال رسالة الإمارات إلى العالم، وأخذه زمام المبادرة في إبراز إنجازاتنا، ودفاعه عن المنجزات والمكتسبات، وتحصين المجتمع ضد الأفكار الهدّامة. وهذا الدور يقوم به إعلامنا المحلي، وجهوده فيه مُقدّرة، إلا أن قطاع الإعلام، من خلال طبيعته التفاعلية، يجب أن يبقى مواكبًا للمتغيرات والمستجدات المتسارعة، سواء من ناحية التطورات التكنولوجية في الأدوات والوسائل والمنصات والتحول الرقمي، أو من ناحية المحتوى، ومن التحديات التي ينبغي التركيز عليها، إنتاج محتوى تنافسي، قادر على مخاطبة العالم، والتأثير في اتجاهات الرأي العام الدولي إزاء بعض القضايا الرئيسة، حيث ما زلنا نركز على المحتوى الموجّه إلى الجمهور المحلي بشكل كبير، من دون الأخذ بالاعتبار، الجمهور الخارجي، والمحتوى الذي يؤثر فيه إيجابيًا".

لن نستريح
بحسبه، الإمارات قامت على الانفتاح وقبول الآخر ومد جسور التعاون الإيجابي البنّاء وإبرام الشراكات الاستراتيجية والإسهام في التنمية البشرية العالمية، وهي أرسلت رسائلها الملهمة إلى العالم عبر العديد من المبادرات، أظهرت مدى اهتمامها بالإنسان، بغض النظر عن مكانه الجغرافي، ودينه وعرقه ولونه، فضلًا عن ترسيخ سمعتها كدولة تسعى إلى توفير مقومات النجاح والإبداع والتميز، والمساهمة الحقيقية في إحداث الفرق على المستوى العالمي، خاصة ما يتعلق بجودة الحياة، الأمر الذي جعلنا محل تقدير دولي كبير.

وأشار الجابر إلى أن اختيار دبي عاصمة للإعلام العربي 2020 يؤكد مكانة الإعلام الإماراتي ودوره في تطوير القطاع على المستوى الإقليمي، "وهذا الاختيار يضاعف من مسؤوليتنا، بحيث نقدم خلال هذا العام، أفكارًا ورؤى، تخدم الإعلام العربي، وتظهر الإمارات، كعادتها، كحاضنة للأفكار الجديدة، وإبداعات الشباب العربي".

اختيرت دبي عاصمة للإعلام العربي لعام 2020

أكد الجابر أن الجميع يدرك الدور الذي تقوم به الإمارات في العديد من القضايا الرئيسة في المنطقة، حيث تعتبر لاعبًا رئيسًا ومؤثرًا في الساحة الإقليمية، "وكان لإعلامنا الوطني دور كبير في تعزيز سمعة الإمارات، وترسيخها، وتوضيح مواقفنا تجاه الملفات المختلفة"، مضيفًا: "هذا لا يعني أنه بمقدورنا أن نستريح، فما زالت هناك مساحة كبيرة أمام إعلامنا للتحسين والتطوير، خاصة ما يتعلق باليقظة وسرعة الاستجابة، وأخذ زمام المبادرة، والتفكير الاستباقي، وتحمل المسؤولية"، معددًا المجالات المتاحة للتحسين والتطوير: الإعلام الرقمي، عبر مختلف المنصات، وتقديم محتوى جذاب وتنافسي بلغات متعددة، يلبي متطلبات مجتمعنا، الذي يتسم بتنوع سكاني كبير، علاوة على مخاطبة الجمهور الخارجي، إذ تعتبر اللغة وسيلة مهمة لإيصال الرسائل إلى الجمهور المستهدف.

لمحتوى جيد
شدد الجابر على نوعية وجودة المحتوى، فهذا شرط أساسي ليس فقط للنجاح، وإنما لاستمرارية النجاح؛ إذ تمثل أدوات الإعلام الحديثة عنصرًا رئيسًا للترويج للعديد من الأفكار الهدامة والمضللة، "وإعلامنا الوطني يتصدى لهذا الموضوع باحترافية عالية، حيث نعمل بالتنسيق والتعاون مع المؤسسات الإعلامية، على تعزيز الخطاب الإعلامي المتوافق مع مبادئ الدولة القائمة على التسامح والاعتدال وقبول الآخر، ونشر الفكر الإيجابي، وترسيخ الأفكار التي تخدم المجتمع، وتعزز هذه القيم، ونعمل على تحصين مجتمعنا، عبر تحفيز الإبداع والابتكار واستشراف المستقبل، وتوظيف الطاقات الشابة، وتمكين المرأة، والحداثة، مع التمسك بثوابتنا، وولائنا لقيادتنا، وانتمائنا للوطن. وهذه الاستراتيجية أثبتت نجاحًا كبيرًا في التصدي للأفكار الهدامة، ودعايات الإعلام المضاد والمسيء"، مؤكدًا ضرورة النظر إلى الجانب الإيجابي للإعلام الرقمي، فسرعة انتشاره تمكن من التأثير في الرأي العام، وتعزيز القيم المجتمعية وترسيخها.

وكرر الجابر أن الإمارات منفتحة على العالم، وتوفر بيئة تنافسية للجميع، وتستضيف الكثير من الشركات والمؤسسات الدولية في شتى القطاعات، "والدور المطلوب من مؤسساتنا الإعلامية هو التركيز على إنتاج برامج ومواد إعلامية قادرة على استقطاب الجمهور، بالشكل الذي ينعكس على الارتقاء بالأداء، وتعزيز ربحيتها، لزيادة قدرتها على مواجهة أي تحديات تواجهها".

المسؤولية سقف الحرية
وعن هامش الحريات الذي يعمل فيه الإعلام المحلي، قال الجابر إن الثوابت والمصالح الوطنية العليا "هي المظلة التي نعمل جميعًا تحتها، وكل إعلامي لديه الحق في تناول أي قضية ومناقشتها بعقلانية وحكمة، وبطرح متزن، ومهنية عالية وحيادية، بعيدًا عن التشهير والتجريح، فما دام الهدف هو رفعة الإمارات، والنهوض بأداء المؤسسات العامة، فلا حدود تمنع الإعلاميين من المساهمة الفاعلة، وتناول القضايا بحرية وشفافية، فالجميع يعمل تحت سقف الوطن، وضمن القوانين والأنظمة"، لافتًا إلى أنه منذ 2016، تمت مراجعة كل التشريعات الإعلامية، حيث صدر بموجب هذه المراجعة القانون الاتحادي رقم 11 لسنة 2016، بشأن تنظيم واختصاصات المجلس الوطني للإعلام، ثم صدرت قرارات تنظيمية عن مجلس الوزراء، منها نظام تراخيص الأنشطة الإعلامية، ونظام المحتوى الإعلامي.

برأيه، للإعلام وظيفة اتصالية على المستويين المحلي والخارجي، "فهو الذي ينقل الصورة، ويؤثر بشكل كبير في تشكيل الرأي العام، وتوجهات الجمهور، لذلك، فإن الإعلام المؤثر، هو القادر على الترويج للإمكانات والفرص، وتعريف العالم بها، لا سيما في مجالات الاقتصاد والاستثمار والسياحة. ومن هذا المنطلق، فإن الاستعداد لعام الخمسين، يجب أن يكون ضمن استراتيجية تطويرية شاملة، تتبناها المؤسسات الإعلامية الوطنية، بحيث تكون مخرجات هذه المؤسسات ومنصاتها المختلفة منسجمة مع حالة التقدم التي تعيشها الدولة، وتعكس الاستراتيجية الوطنية وروح التميز والابتكار والإبداع التي تتبناها الإمارات".

أما المقصود بضبط المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي فليس الرقابة وتقييد حرية الرأي، "بل تعزيز الطرح الإيجابي والارتقاء بالأسلوب والتقليل من المحتوى السلبي الذي يسيء إلى قيمنا ومبادئنا وشخصيتنا الوطنية".

التغيير من الثواب
وتناول الجابر أزمة الإعلام التقليدي، فرأى أن المؤسسات الإعلامية في الإمارات لم تقف عند التحديات التي فرضتها التطورات التكنولوجية بعد انتشار المنصات الرقمية ووسائل الإعلام الاجتماعي، "بل حوّلتها إلى أدوات للارتقاء بعملها، فالأمر يتعلق بالمحتوى، وكلما كان المحتوى قويًا، كان تأثيره أكبر، وانتشاره أوسع، داخليًا وخارجيًا"، مذكرًا بأن المطلوب هو مواكبة التطور والمستجدات، وتقديم محتوى يستجيب لاهتمامات الجمهور، ويواكب توقعاته وتطلعاته ضمن المنصات الحديثة التي باتت أقرب إلى الجمهور.

عن مستقبل الصحف الورقية، والتحديات التي تواجهها مصيريًا، لفت الجابر إلى أنه منذ ظهور الصحف ثم الإذاعة والتلفزيون والصحافة الإلكترونية، "والتحديات والفرص موجودة في كل المراحل، ودائمًا ما كانت استمرارية الصحافة الورقية محل تساؤل، إلا أن الصحف التي نجحت في مواكبة التطورات، والاستفادة من التكنولوجيا، هي التي تمكنت من الاستمرار والبقاء. واليوم، لم تعد الصحف المصدر الوحيد للأخبار، ومن يتجاهل ذلك لن يستمر، ففي ظل وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الهواتف الذكية، أصبحت سرعة الانتشار بلا حدود، لذلك، على الصحف تقديم محتوى مختلف، يركز على البعد التحليلي، والمتابعات الإخبارية، والقصص الحصرية، بحيث تقدم شيئًا مفيدًا ومختلفًا عما تقدمه وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية".

الإعلام شريك في التنمية
عن تعاون المسؤولين مع الإعلام، قال الجابر إن الإعلام شريك أساسي في جهود التنمية، "يعمل على دعم كل المبادرات الوطنية والقضايا الرئيسة المهمة، وهذا يتطلب من الجهات تعاونًا تامًا مع الإعلاميين، وتزويدهم بالمعلومات الضرورية للقيام بدورهم، لأن الإعلام بحاجة إلى معلومات موثّقة من مصدر رسمي، ليتمكن من القيام بدوره بشكل فعال".

إكسبو دبي 2020 حدث عالمي بارز تترقبه الإمارة

وتناول الجابر استضافة دولة الإمارات معرض إكسبو دبي 2020، فأكد أن المطلوب هو التعامل مع هذا الحدث الكبير بنظرة مختلفة وفكر استراتيجي، وعدم التركيز فقط على التغطيات الإعلامية، والأخبار الصحافية، "بل ينبغي الاستفادة من الحدث لإبراز رسائل الإمارات وتعزيز صورتها الإيجابية، وتسليط الضوء على حجم الإنجاز والتقدم الذي حققته في مختلف المجالات، ونشر مبادئ الدولة القائمة على التسامح والاعتدال وقبول الآخر والانفتاح على مختلف الثقافات والحضارات، والتعريف بالجهود الإنسانية الكبرى التي تبذلها الدولة في العالم".

فرّق الجابر في حديثه بين الإعلاميين والمؤثرين، وقال: "ليس كل مؤثر بالضرورة إعلاميًا، فهناك العديد من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي يعملون في مهن شتى، وقطاعات متعددة، ولا بد لنا في فعالياتنا وأحداثنا أن نتجنب الخلط بين الجانبين، فالإعلاميون لهم دور مختلف، وأدوات مختلفة، ووجودهم في أي حدث ضروري ومهم"، واصفًا المؤثرين بأنهم يمثلون عنصرًا مهمًا في ترسيخ الفكر الإيجابي في المجتمع، لأنهم يقدمون في الغالب محتوى هادفًا، ومشاركات تتوافق مع القيم والمبادئ التي قامت عليها الإمارات.

دور المرأة والشباب محفوظ
أكد الجابر أن الإمارات قطعت شوطًا كبيرًا في تمكين المرأة وفتح كل المجالات أمامها، على جميع المستويات الوظيفية، "وهذا ينطبق على الإعلام، ولا شك في أن وجود المرأة في المشهد الإعلامي مؤثر، ونحن نشجع كل المواطنين والمواطنات، ممن لديهم القدرة والشغف على دخول القطاع، فالفرص متاحة، والدعم غير محدود، بتوجيهات من قيادتنا الرشيدة".

أضاف: "القطاع الإعلامي، يتطلب من حيث المبدأ الحماسة والمثابرة وروح الشباب، لذلك، نرى اليوم غالبية قياداتنا الإعلامية من الشباب، ولا يمكن للإعلام أن ينهض ويتطور، إذا لم يكن الشباب محركه الأساسي، فهم الأقدر على استيعاب روح العصر، والتطورات التكنولوجية".

ولفت الجابر إلى أنه ما زالت هناك تحديات بخصوص توجه الشباب المواطن إلى الإعلام، نظرًا إلى ظروف العمل التي تحتاج وقتًا أطول من المهن الأخرى، ومتابعة مستمرة، وعمل دؤوب، الأمر الذي يحتم خلق بيئة جاذبة، تحفز على الدخول في العمل الإعلامي.

قال: "في المجلس الوطني للإعلام، وتماشيًا مع توجيهات القيادة الرشيدة، تبنينا نهج إشراك الشباب بشكل مؤسسي منذ عام 2018، حيث تم تأسيس مجلس الشباب الإعلامي الذي يتكون من 12 شابًّا وشابة، من طلبة الجامعات، ومعاهد الإعلام، من المواطنين والمقيمين، لتعزيز مشاركتهم في الرؤى التطويرية، وليكونوا مساهمين في رسم مستقبل القطاع، مع إعطائهم الفرصة والمنصة المناسبة لطرح أفكارهم ومناقشتها، وتطويرها بما يخدم إعلامنا الوطني. كما نستقطب العديد من الطلبة المواطنين، لتدريبهم في وكالة أنباء الإمارات، أو القطاعات الأخرى، خاصة الإعلام الاستراتيجي والشؤون الإعلامية، بحيث نوفر لهم الفرصة العملية، بشكل يؤهلهم لدخول سوق العمل الإعلامي".


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "البيان". الأصل منشور على الرابط التالي:
https://www.albayan.ae/across-the-uae/interviews-dialogues/2020-03-04-1.3793785