لحظات تاريخية شهدها العالم بتوقيع اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان لإنهاء قرابة عقدين من الصراع، دفع ثمنها الشعب الأفغاني ودول الجوار طيلة تلك الفترة. لكن التحدي يبقى في مدى التزام طالبان اتفاق السلام بعدما نكثت بوعودها مرارًا في السابق.

"إيلاف" من بيروت: شهدت العاصمة القطرية الدوحة منذ أيام توقيع اتفاق سلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية، لإنهاء حرب استمرت نحو عقدين. وبموجب وثيقة الاتفاق، من المقرر أن تنسحب القوات الأجنبية من أفغانستان بشكل تدريجي، في غضون 14 شهرًا، إذا التزم عناصر طالبان بنود الاتفاق.

مفاوضات الضرورة
يشير الباحث الكندي ريجيان لاكروا، في تحليلٍ مطور نشره موقع "جيوبولوتيكال مونيتور"، إلى أن الولايات المتحدة أو قوات طالبان لن تصلا إلى تحقيق انتصار في ساحة المعركة الممزقة في أفغانستان، وبالتالي فإن التفاوض هو السبيل الوحيد لكل طرف نحو تحقيق أهدافه.

منذ عام 2007، جرت مناقشات حول المفاوضات المحتملة مع طالبان خلال إدارتيّ باراك أوباما وحامد كرزاي. وكانت الاجتماعات بين الأطراف المتنازعة متقطعة، وأدت عمليات مكافحة التمرد التي استهدفت قيادة طالبان وكذلك النقاش بين الحكومة الأفغانية وجماعة المتمردين إلى تعقيد الأمور.

تسيطر طالبان على مساحات شاسعة من الأراضي الريفية الأفغانية، وبالتالي لا يمكن تجاهلها ببساطة من خلال الاعتقالات أو عمليات مكافحة الإرهاب. ويريد مقاتلو هذه الجماعة المتشددة أن يكونوا ممثلين سياسيين وأن يأخذوا أفغانستان باتجاه الإمارة الإسلامية المرجوة. اليوم، يرى لاكروا أن سماسرة السلطة في كابول اضطروا إلى تحويل مقاربتهم إلى نهج متجذر في السياسة، حيث أثبتت حركة طالبان بالفعل أن لديها الوسائل والتأثير لمواصلة تكتيكها المثير للانتباه والمروع.

سلام بالدم
اضطر الرئيس الأفغاني أشرف غني في فبراير 2018، تحت ضغط الهجمات الدموية، إلى تقديم صفقة لطالبان جذابة للغاية: الاعتراف بها كحزب سياسي شرعي والإفراج عن سجنائها. وانخرط المسؤولون الأفغان بعدها بالفعل في بناء التوافق وظهرت حركة سلام في البلاد، مثل قافلة هلمند للسلام التي حظيت بدعاية واسعة.

من هذه النقطة، تطورت المحادثات مع الولايات المتحدة لأنها كانت اللحظة الملائمة لاستكشاف سلام محتمل يمكن لطالبان فيها تحقيق نتيجة أفضل مما كانت عليه في الحالات السابقة. وعُقدت محادثات رفيعة المستوى في مدن مختلفة، ثم ما لبث أن انهار الحوار في أعقاب هجوم لطالبان تسبب بمقتل جندي أميركي وأحد عشر مدنيًا، لتُستأنف المفاوضات بعدها ونصل إلى الصفقة التي تم التوصل إليها في الدوحة في 29 فبراير المنصرم.

الخطوة الأولى
يقول لاكروا إن ما شهدناه قبل أيام ليس صفقة سلام، "بل الخطوة الأولى نحو سلام محتمل. وبعبارات أبسط، ليست معاهدة ملزمة بين الدول، بل هي اتفاقية لإكمال بعض الإجراءات مع طرف غير حكومي، وقام المشاركون في الصفقة بقياس ردود الفعل لأن الأحكام جوهرية، ويمكن توقع مزيد من المحادثات في المستقبل، وأي شخص واقعي يعترف بالعقبات المحتملة".

أشادت المنظمات الدولية بحذر بالصفقة، باعتبارها خطوة نحو الحد من العنف وتمهيد الطريق نحو الازدهار. لكن، في الواقع، يبقى الحذر هو الكلمة الأساسية. ففي خلال المحادثات المطولة، لم تعبر حركة طالبان عن أي برنامج سياسي أو رؤية لأفغانستان المزدهرة، على الرغم من أنه تم إضفاء الشرعية عليها كعنصر فاعل سياسي.

ليس لدى طالبان، وفق لاكروا، سجل حافل بالاحتفاظ بكلمتها... وهذا مجرد تعقيد من التعقيدات التي تطاول تنفيذ الاتفاقية الحالية. ربما تكون الصفقة الأميركية - الأفغانية خطوة مهمة في مسيرة إنهاء حرب دامت ثمانية عشر عامًا، لكنّ المواطنين الأفغان ما زالوا قلقين بشأن الشكل الذي قد تبدو عليه أفغانستان إذا كانت طالبان ممثلًا سياسيًا شرعيًا لها.

تحديات
تتعرّض عملية السلام الافتراضية في أفغانستان حاليًا لضغوط عدة، حيث أسقطت حكومة غني الجدول الزمني لمبادلة الأسرى في الصفقة بين الولايات المتحدة وطالبان؛ إذ ترى الحكومة الأقغانية أن المعتقلين شأن داخلي، وبالتالي لها الحق في رفض هذا الاقتراح. ولا بد من الإشارة إلى أن المقصود من تبادل الأسرى كان بناء الثقة، ومن الواضح بالفعل أن الثقة غير موجودة بسبب الجداول الزمنية الصارمة.

على الرغم من أن الظروف اختلفت عما كانت عليه في أعقاب الإطاحة بالإمارة الإسلامية في عام 2001، وظهور الجيش الوطني الأفغاني ببطء كقوة متماسكة في جميع أنحاء البلاد، فإن المحللين غالبًا ما يزعمون أن الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية لا يُنصَح به لأن القوات الأفغانية لا تزال بحاجة إلى تدريب إضافي وموارد لضمان أساسيات الأمن القومي. كما إن المواطنين الأفغان يخشون تداعيات هذا الانسحاب.

تشكيك في الدوافع
يدعو الكثير من الأفغان للتركيز على حقوق المرأة وحقوق الأطفال كموضوع محوري في أي حوار مقبل مع طالبان. فمنذ غزو حلف شمال الأطلسي في عام 2001، انتهى عصر منع النساء من الدراسة أو العمل في الأماكن العامة، خصوصًا في المناطق الحضرية. وتتمتع الفتيات الأفغانيات اليوم بحق الحصول على التعليم، والدخول إلى سوق العمل.

في سياق الحوار بين الأفغان، يختم لاكروا بالقول إن طالبان "تواجه مهمة صعبة لإعادة تعريف صورتها للشعب الأفغاني؛ إذ هناك أجيال من الأفغان، وخصوصًا أولئك الذين عايشوا صعود طالبان إلى السلطة والعنف خلال العقدين الماضيين، تشكك في دوافع الجماعة المتشددة".

وإذا ما أراد الشعب اعتبار طالبان حزبًا سياسيًا شرعيًا، فعليها التزام وعدها الانخراط في مستقبل أفغانستان المزدهر، بدلًا من مواصلة أعمالها الإجرامية. وبذلك، يجب عدم إعادة تأهيل صورة طالبان فحسب، بل أيضًا حياة المقاتلين على أمل أن يلقوا أسلحتهم لمصلحة السلام والنجاح الوطني.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "جيوبولوتيكال مونيتور". الأصل منشور على الرابط التالي:
https://www.geopoliticalmonitor.com/us-taliban-deal-first-step-in-the-long-road-to-peace/