تقدم عالمة الديموغرافيا الأميركية جيسيكا ميتكالف نظرة علم الديموغرافيا إلى وباء كورونا المتفشي في العالم، وتعاملها مع الأرقام والفئات العمرية وتأثير ذلك في التحولات الاجتماعية.

"إيلاف" من بيروت: تشرح عالمة الديموغرافيا التي تدرس انتشار الأمراض المعدية، جيسيكا ميتكالف، في حديثٍ مع مجلة "نيويوركر" الأميركية، كيف يساعد علماء الديموغرافيا على الاستجابة للأمراض التي تنتشر بسرعة.

في هذه المقابلة تناولت ميتكالف فاعلية إغلاق المدارس في ظل تفشي كورونا المستجد، وتأثير هذا الوباء غير المتناسب على فئات عمرية معيّنة، فقالت إن هناك العديد من عوامل الخطر المرتبطة بفيروس كوفيد-19، أو كورونا المستجد، "ويبدو وكأننا نتعلم شيئًا جديدًا ومختلفًا كل يوم بشأنه.

لكن إحدى الإشارات الواضحة تشير إلى تأثير المرض بشكل أكبر على فئة عمرية محددة؛ إذ يبدو أن الأكبر سنًا في خطر. وبصفتي عالمة ديموغرافيا، هذا يمنحني القدرة على التنبؤ بما ستكون عليه العواقب عندما ينتقل الفيروس عبر بلدان مختلفة، نظرًا إلى أن أحد الاختلافات اللافتة بين دول العالم هو معدل الأعمار في كل دولة".

تعامل ديموغرافي مع الوباء
تتعامل ميتكالف مع البيانات التي جمعها الآخرون، وتتحقق منها باستخدام النظريات والنماذج المتوافرة لمحاولة فهم العمليات التي تراها بشكل أفضل. لذلك، على سبيل المثال، أظهر تفشي المرض الذي حدث في ووهان الصينية نمو المرض المبكر، "والنماذج التي قمنا بتجميعها تسمح لنا بتحديد الخصائص الرئيسة للتفشي، مثل عدد الإصابات الجديدة، والفاصل الزمني المتسلسل أو الوقت الذي يفصل بين الشخص الذي يتلقى العدوى عن غيره. نحاول رسم خط من خلال الأدلة التي لدينا، بالنظر إلى الآليات التي نشتبه في أنها تعمل".

تقول: "إحدى الطرائق الكلاسيكية لوصف تفشي كورونا اليوم هي تقسيم العالم إلى فئات من الأفراد. معظم الأفراد في العالم عرضة للإصابة. وبعد ذلك، على مدار الوقت، سيدخلون في فئة المصابين إذا اصطدموا بشخص نقل إليهم العدوى. وبعد فترة من الوقت، يتعافون. هذا التعريف البسيط الذي يمكن المرء تدوينه كأنموذج رياضي يصف تدفقات الأفراد بين هذه الفئات المختلفة، ويمنح نظرة فظيعة إلى مدى سرعة انتشار المرض وما قد نتوقعه. يمكن أيضًا قياسه من خلال ملفات تعريف الأعمار".

ليست ميتكالف متأكدة من أن الناس سيوافقون على أن ما تصفه مماثل للنماذج الديموغرافية، "لكن الكثير مما نفعله في الديموغرافيا يضع الأشخاص أيضًا ضمن أطر. فعندما نبني أنموذجًا رياضيًا لأي شيء، فإننا نبني صورة كاريكاتورية للواقع. لذا، المجموعة الكلاسيكية من النماذج هي نماذج ديموغرافية، حيث يكون عامل التدفق بين الفئات أهم من عامل السن. تولد في الفئة العمرية الأولى، ثم تنتقل إلى الفئة العمرية الثانية، ثم إلى الفئة العمرية الثالثة. بالنسبة إلى بيولوجيا الأمراض المعدية، ربما تولد معرّضًا للإصابة، ثم تنتقل إلى فئة العمر المصاب، ونأمل أن تتدفق إلى فئة العمر المسترد، أي فئة المتعافين".

تحوّل ديموغرافي
لكن، هل يمكن الديموغرافيا أن تساعد على منع تفشي المرض في المستقبل؟. برأيها، هذا سؤال مثير للاهتمام، وتعتقد أن إحدى العدسات التي تقدمها الديموغرافيا هي "إدراك حقيقة أننا نعيش في شيخوخة السكان المتزايدة؛ يعاني السكان المسنون بشكل متزايد مجموعة كاملة من التحديات، تبدأ بالأنظمة الصحية ولا تنتهي بملفات التأمين، ونحن ندرس الطريقة التي تتقاطع بها الأوبئة مع المسار العمري للسكان. ولا بد من القول إن العديد من البلدان تمر بمرحلة تحول ديموغرافي في الوقت الحالي، حيث تتحول مسببات معظم الوفيات من الأمراض المعدية إلى الأمراض المزمنة، والتي سوف تتفاعل بطرائق لا يمكن التنبؤ بها مع هذه الأنواع من الأوبئة".

في الماضي، تسببت الحصبة بمعدل وفيات مرتفع بين الشباب وصل إلى 20 في المئة في البيئات التي تعاني سوء التغذية. أما اليوم - بحسب ميتكالف - فنمتلك لقاحًا غير مكلف وفاعل حقًا يمنح الإنسان مناعة مدى الحياة، وبمجرد حصوله على اللقاح، لن يُصاب أبدًا بالعدوى. وإذا كان مصابًا بالعدوى، فلن يصاب مرة أخرى أبدًا، لأن مجرد إصابته تحميه مدى الحياة خصوصًا أن العلاج متوافر.

مع إغلاق المدارس
تؤيد ميتكالف قرارات الدول إغلاق المدارس. تقول: "إذا عدنا إلى وباء إنفلونزا في عام 2009، نجد أن إحدى الخطوات التي تم اتخاذها كانت إغلاق المدارس، حيث رأى الخبراء حينذاك أنه من المحتمل أن تقلل هذه الخطوة من انتقال العدوى، ما قد يقلل من المخاطر على السكان بشكل عام. وأحد نقاط التركيز المطلقة في مثل هذه اللحظات هي محاولة ’تسوية المنحنى‘، لأن المخاوف الحقيقية تتركز في عدم قدرة أنظمتنا الصحية على استيعاب عدد كبير من المرضى".

وتضيف: "إذا كنا نعتقد أن الأطفال يمثلون مركزًا مهمًا لانتقال العدوى، فإن إحدى طرائق تقليل ذلك هي إغلاق المدارس. لكن، إذا لم يكونوا ناقلين المرض، فهذه ليست استراتيجية فعالة. وأعتقد أن حساب هذه الأمور صعب للغاية، لأن إغلاق المدارس يفرض تكاليف اجتماعية واقتصادية هائلة.

بحسبها، يجب أن نفكر جميعًا في التباعد الاجتماعي الآن للحد من انتقال عدوى كورونا، "فالأمر لا يتعلق بمخاطرتنا الشخصية، بل بمحاولة تقليل المخاطر على عموم السكان. عليك أن تغسل يديك أكثر مما تفعله عادةً، وأن تفعل ذلك مدة عشرين ثانية، وأن تكون حذرًا للغاية حيال ذلك. كلما استطعنا شراء المزيد من الوقت، كان ذلك أفضل. إن ما يحدث في شمال إيطاليا هو أنموذج يجب أن نسعى جاهدين إلى عدم تكراره".

مرحلة حرجة
ما يقلق ميتكالف في تعامل الدول مع فيروس كورونا المستجد هو وصول النظام الصحي إلى مرحلة حرجة، "فيمكنك مراقبة عدد أسرة المستشفيات التي تم تجهيزها في أي دولة مقابل متوسط العمر في ذلك البلد. ويجب متابعة هذا المشهد عن كثب على الأقل في أوروبا، لأن الأمور هناك تبعث على القلق".

تقول: "إذا كان لديك عدد كبير من كبار السن، فقد تحتاج المزيد من الأسرة في المستشفيات. لذا، ستعاني المجتمعات التي تضم نسبة كبيرة من كبار السن تكاليف مرتفعة أو متطلبات متزايدة على الموارد، مع ما يعني ذلك من آثار مدمرة على الاقتصاد".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "نيويوركر". الأصل منشور على الرابط:
https://www.newyorker.com/news/q-and-a/a-demographers-view-of-the-coronavirus-pandemic