وسط مخاوف من انتشار كارثي لفيروس كورونا في بغداد فقد اغلقت السلطات العراقية بالقوة اليوم مدينة الكاظمية بضواحي بغداد الشرقية ووضعت سكانها البالغ عددهم المليونين تحت الحجر الصحي بسبب مشاركة عشرات الآلاف منهم بمناسبة احياء ذكرى وفاة الامام السابع للشيعة السبت.

وابلغ مصدر عراقي "إيلاف" من بغداد في اتصال هاتفي ان الشرطة الاتحادية قد أغلقت اليوم بمشاركة الفرقة 11 من الجيش مدينة الصدر في العاصمة لوجود إصابات كبيرة بفيروس كورونا لمشاركة الآلاف منهم بصلاة الجمعة أمس في الشوارع والساحات العامة وكذلك لإحياء عشرات الآلاف منهم بمراسيم ذكرى وفاة الامام السابع لدى الشيعة موسى الكاظم برغم من تحذيرات أطلقتها السلطات ومراجع الدين بتجنب التجمع هناك.

لكن عشرات الالاف منهم اقتحموا العاصمة سيرا على الأقدام وتجاوزوا بالقوة السيطرات العسكرية حيث تصاعدت الإصابات بالفيروس على الرغم من فرض حظر شامل للتجوال في العاصمة العراقية والذي يمتد الى 26 من الشهر الحالي.

وتابعت "إيلاف" مقاطع فيديو نشرها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي اقتحام الآلاف من العراقيين القادمين من مناطق البلاد المختلفة للسيطرات العسكرية في منطقة الكاظمية في بغداد للمشاركة بإحياء مراسيم ذكرى وفاة الإمام السابع للشيعة الاثني عشرية موسى الكاظم حيث تم تسجيل عدد من الاصابات بينهم خلال الساعات الاولى.

ويسكن مدينة الصدر حوالي مليوني نسمة غالبتهم الساحقة من الشيعة من بين 8 ملايين نسمة يقطنون العاصمة العراقية .

وزارة الصحة :أحجروا انفسكم أسبوعين

ودعت وزارة الصحة العراقية اليوم المشاركين في الزيارة إلى حجر أنفسهم منزليلاً على مدى أسبوعين بسبب مخاطر تفشي فيروس كورونا. وطالبت الوزارة في بيان تابعته "إيلاف" المواطنين بالالتزام بالتعليمات الصادرة عن المؤسسات الصحية".

وشددت على ضرورة "الالتزام بالحظر الشامل لحركة الأفراد ومنع التنقل والتجمعات وخاصة بعد انتهاء مراسيم الزيارة". كما ناشدت المشاركين في الزيارة إلى "الالتزام بالحجر المنزلي الطوعي لمدة اسبوعين ليتسنى للفرق الصحية متابعة حالتهم الصحية ولحماية عوائلهم و مناطقهم من احتمالية انتقال العدوى وتفشي الوباء".

الاف العراقيين يقتحمون منطقة الكاظمية برغم حظر التجوال:

وأمس حذر رئيس حكومة تصريف الاعمال عادل عبد المهدي من خطر وباء كبير يحدق بالبلاد وقال في بيان صحافي تابعته "إيلاف" أن الشعب العراقي يواجه تحدياً خطيرا جسيما بتفشي فايروس كورونا الى جانب تحديات سياسية واقتصادية.

ومن جانبها أعلنت وزارة الصحة العراقية اليوم تسجيل 15 إصابة جديدة بفيروس كورونا ما رتفع مجموع الإصابات إلى 208 حالات. واوضحت انها اجرت 350 فحصاً في مختبرات الصحة العامة في العراق وكانت النتائج الموجبة الجديدة 15 موزعة على بغداد 6 حالات.

وكل من النجف والمثنى حالتان لكل منهما والبصرة 4 حالات والسليمانية حالة واحدة.

واشارت الى تسجيل 3 وفيات جديدة هي حالة واحدة في البصرة وحالتان في العاصمة بغداد، وبذلك يكون مجموع الإصابات الكلي 214 حالة وعدد الوفيات 17 حالة.

الصدر.. مدينة الفقراء والمنتفضين .. ضحية النظم المتعاقبة

يعود تاريخ تأسيس المدينة إلى عهد الزعيم العراقي الراحل عبد الكريم قاسم الذي أنشأها في ستينيات القرن العشرين لتوطين سكان من ريف جنوب العراق وخاصة من قاطني الاهوار في بغداد .

ومدينة الصدر أو مدينة الفقراء أو البسطاء كما يسميها العراقيون حيث استخدمتهم السلطات على مر العقود الماضية وقودا لجميع الحروب التي خاضها العراق بالإضافة إلى الصراعات بين الأحزاب السياسية والسلطة، ومواجهة الغزو الأميركي عام 2003 وما بعده.

وتغيرت تسمياتها مع تغير الأنظمة السياسية وحين اسسها قاسم بعد انقلاب 14 يوليو/تموز 1958 الذي أطاح بالعهد الملكي سماها مدينة الثورة ولكن بعد الانقلاب على قاسم من قبل الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن عارف أطلق عليها اسم حي الرافدين ثم أعاد الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين اسمها الأول إليها ومن ثم قام بتغييرها ليقرنها باسمه مطلقا عليها "مدينة صدام" وبعد عام 2003 اعتمد اسم مدينة الصدر تيمنا بوالد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وهو المرجع الديني الشيعي محمد محمد صادق الصدر الذي اغتيل عام 1999.

معظم سكان مدينة الصدر من العاملين في الأعمال الحرة أو دوائر الحكومة ونسبة كبيرة منهم لم تتح لهم الفرصة للحصول على تعليم عال نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي عاشوها، وتحديدا أيام الحصار الذي فُرض على العراق في تسعينيات القرن الماضي وهي منجم للكثير من النجوم الرياضيين والشعراء والمثقفين.

وهي تعتبر مركزا لليساريين والشيوعيين الذين تصارعوا مع النظام السياسي القائم آنذاك وفي ثمانينيات القرن الماضي جندوا في الجيش العراقي للمشاركة في الحرب العراقية الإيرانية وبعدها في غزو الكويت وخلال فترة التسعينيات طغى عليها الطابع الديني.

وبعد عام 2003 تحولت مدينة الصدر إلى معقل لمليشيا جيش المهدي الذي أنشأه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ودخل حينها في صراعين في آن واحد مع قوات الغزو الأميركي والحرب الطائفية التي اندلعت في العراق بعد تفجير ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء في شباط فبراير عام 2006. لكن الواقع في المدينة تغير بعد عام 2009 بعد تجميد جيش المهدي بقرار من قبل مقتدى الصدر بعد خطة فرض القانون التي نفذتها حكومة رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي في بغداد والبصرة.

وأغلب شبابها عاطلون عن العمل، مثل باقي المناطق الأخرى لذلك تحولت إلى حاضنة للمليشيات الشيعية التي شكلت العمود الفقري لقوات الحشد الشعبي خلال الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية إبان سيطرته على أجزاء كبيرة من الأجزاء الشمالية والغربية من البلاد.

اغتيالات وتفجيرات

لكن الجيل الجديد في مدينة الصدر كسر المحظورات التي وضعتها الأجيال السابقة، ولم يؤمن بالرموز أو الأسماء غير المسموح بانتقادها فالشباب الذي نشأ بعد عام 2000 أصبح يقود هذه المدينة الآن من خلال المشاركة في المظاهرات المطالبة بالإصلاح وتوفير الوظائف ومحاربة الفساد وهؤلاء الشباب هم الآن أبرز رموز الحركة الاحتجاجية الحالية.