يبدو أن الشعوب العربية ليست راضية عن الإجراءات المتخذة ضد تفشي كورونا، لذا تقدر أن دولها لن تحقق في هذه المعركة الصحية إلا ربع نجاح لا أكثر.

تفاوتت التدابير الاحترازية والوقائية التي اتخذتها الدول العربية بوجه تفشي فيروس كورونا، إلا أن التصاعد المستمر في عداد الإصابات، وحتى الوفيات ولو قليلة، أثار الكثير من الشكوك حول نجاح هذه الإجراءات، خصوصًا في دول عربية تداخل فيها السياسي بالصحي.

في إطار استفتائها الأسبوعي، سألت "إيلاف" القارئ العربي: "ما نسبة نجاح الدول العربية في مواجهة كورونا؟"

شارك في الاستفتاء 539 قارئًا، أجاب منهم 52 أنها ناجحة 100 في المئة (بنسبة 10%)، وأجاب 108 أنها ناجحة 50 في المئة فقط (بنسبة 20%)، فيما قال 379 منهم إنها ناجحة بنسبة 25 في المئة لا أكثر (بنسبة 70%).

هكذا، يبدو أن الرضى العربي على الإجراءات الرسمية المتخذة لمواجهة تفشي كورونا ليس عاليًا، وهذه نماذج أربعة على "عدم تحقيق نجاحات كبيرة".

لبنان: السياسة تحكم

وربما يكون لبنان أكثر الدول التي تصاعد فيها الجدل حول الإجراءات التي اتخذتها الدولة لمواجهة تفشي الفيروس، خصوصًا أن هذا التفشي نتج من منع حزب الله السلطات المعنية من وقف حركة الطيران الآتية من إيران، البؤرة الأوسع لكورونا في المنطقة. فتدفق اللبنانيين حاملي الفيروس من إيران إلى وطنهم، ومخالطتهم عوائلهم وأقاربهم وأصدقائهم ساهمت في وصول عداد الإصابات إلى 248 إصابة (حتى لحظة كتابة هذا التقرير).

إلى ذلك، تعالت مطالبة السياسيين والإعلاميين اللبنانيين بفرض حال الطوارئ ومنع التجول في البلاد منذ بدأت حالات الإصابة تظهر متتالية، إلا أن السلطات اللبنانية، ولاعتبارات سياسية خاصة بخوف حزب الله وأعوانه من تسلم الجيش الساحة اللبنانية، آثرت التأخر ثم إعلان حال التعبئة العامة، اي تكليف الجيش والقوى الأمنية اللبنانية منع تجول المواطنين وتجمعاتهم، من دون أن يكون للجيش الدور التقريري في المسألة. هذا التردد في اتخاذ الإجراءات المسؤولة، والتقصير في فحص الوافدين من إيران ودول أوروبية أخرى، والأزمة المالية التي يعانيها لبنان بما فيه جسمه الاستشفائي، عوامل ساهمت في انتشار الفيروس في لبنان.

سوريا: طامة كبرى

فالنظام السوري مصرّ على أن لا إصابات كورونا في سوريا، ووزير الصحة السوري مصرّ على أن "الجيش العربي السوري نظف سوريا من كل الجراثيم"، وكأن كورونا رجل قتله جيش النظام، وانتهى الأمر، إلى أن تم الاعتراف بحالة وحيدة الأحد.

إلا أن عبد النصير أبو بكر، رئيس فريق منظمة الصحة العالمية للوقاية من الأخطار المعدية، قال لشبكة سي أن أن الأميركية إنه قلق جدًا من نقص حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد المبلغ عنها في سوريا، مضيفًا: "نتوقع انفجارًا في الحالات".

وهذا التوقع ليس مبالغًا فيه، فمعروف أن الوجود الإيراني في سوريا، وخصوصًا في العاصمة السورية دمشق، كبير، تحديدًا في منطقة المزار الشيعي السيدة زينب الذي يشهد تدفق الزوار الإيرانيين بشكل يومي.

هذا وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الأحد بارتفاع حالات الإصابة والحجر الصحي بسبب فيروس كورونا المستجد في المناطق الخاضعة لنظام الأسد، ناقلًا عن مصادر طبية في دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس أن أعداد الحالات التي تم حجرها صحيًا ارتفعت إلى 128 حالة.

وذكرت التقارير الطبية أن ممرضة توفيت إثر إصابتها بالفيروس، وأن النظام طالب ذويها بالتكتم عن الأمر.

في مدينة الميادين شرق دير الزور، ارتفع عدد المصابين بكورونا إلى 15 بين المليشيات الموالية لإيران، وفق المرصد الذي أوضح أن 11 من هؤلاء يحملون الجنسية الإيرانية، فيما الأربعة الآخرون عراقيون.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن هناك مليون نازح يعيشون في الشمال الغربي لسوريا في خيام مقامة على الطين أو بنايات مهجورة، وإن إنتشار كورونا قد يتسبب بكوارث في المنطقة المدمرة أصلًا.

مصر: توقع الأسوأ

في مصر، قبل أسبوعين كانت السلطات تنكر وجود الوباء على أرضها، ثم صارت سريعًا إحدى الدول المصدرة لكورونا، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات حازمة مع بلوغ الإصابات 294 حالة، و10 حالات وفاة الأحد. إلا أن ناشطي التواصل يؤكدون أن الأعداد الحقيقية أكبر من المعلن، وأن الحكومة المصرية تتجه إلى فرض حظر تجوال في البلاد، إلا أن ترددها مرده إلى أنه قرار يستدعي إجراء استعدادات استثنائية لأنه يتعارض مع الحالة الاقتصادية العامة في مصر. وعلى الرغم من ذلك، تجمع المصادر على أن الجيش المصري يستعد لما هو أسوأ بسبب التأخر في اتخاذ الإجراءات الملائمة، والتعليمات المشددة للجميع بعدم تقديم أي معلومات تخص كورونا لجمعيات المجتمع المدني والسلطات الصحية الدولية.

إلى ذلك، تنفذ الأجهزة الأمنية المصرية قرارات الإغلاق وإلغاء الأسواق الشعبية وأماكن التجمعات كصالات الأفراح والمقاهي والمتاجر بمنتهى الصرامة، وبدأ الجيش يطهر بعض المنشآت الحكومية والعامة.

العراق: الجهل والعجز

في العراق، أكد وزير الصحة العراقي الأسبق صالح الحسناوي الجمعة أن قرار منع التجوال المتخذ من قبل الحكومة العراقية في بغداد لمدة 6 أيام كمرحلة أولية، لن يجدي نفعًا في مواجهة فيروس كورونا، موضحًا لموقع "العربية" أن السبب يعود إلى أن معدل حضانة الفيروس 14 يومًا.

وقال الحسناوي في تغريدة على حسابه في موقع تويتر: "على خلية الأزمة الاعتماد على الدلائل العلمية المعتمدة دوليًا قبل اتخاذ أي قرار، فقرار منع التجوال لمدة أسبوع لن يجدي نفعًا"، عازيًا السبب إلى أن "معدل فترة حضانة المرض 14 يومًا".

وفرضت السلطات العراقية إجراءات مشددة، حيث أعلنت سلطة الطيران المدني في العراق الاثنين الماضي تعليق كافة الرحلات الجوية في البلاد من 17 إلى 24 مارس بسبب انتشار فيروس كورونا. كما تقرر تعطيل الدوام الرسمي في العاصمة بغداد، وفرض حظر للتجوال 6 أيام كمرحلة أولية، وتعطيل الدوام الرسمي بدءا من الثلاثاء المقبل وحتى الخميس لدوائر محافظة بغداد.

إلى ذلك، وفي إشارة واصحة إلى العجز الرسمي، ناشد وزير الصحة العراقي جعفر صادق علاوي السبت زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى دعوة من زاروا مرقد الإمام موسى الكاظم بالتزام بيوتهم كحجر طوعي منزلي لمدة 14 يومًا، بعدما "أصبح فيروس كورونا خطرًا محدقًا يفرض ظرفًا قهريًا".