واشنطن: تبقى الولايات المتحدة غير آبهة للدعوات الموجهة إليها من جهات كثيرة طالبة منها تعليق العقوبات على الدول التي تعاني بشدة من تبعات فيروس كورونا المستجد، مثل إيران، بل تعمد في بعض الأحيان إلى تشديد تدابيرها.

ويستغرب الكثير من المراقبين مثل هذا السلوك.

وقال الأستاذ في جامعة نورث إيسترن ماكس أبراهامز لوكالة فرانس برس "حتى الدول التي لا نحبها تعيش على الكوكب ذاته مثلنا. علينا أن نعمل معها لمعالجة المشكلات المشتركة. ليس من مصلحة الأمن القومي الأميركي أن ينتشر فيروس كورونا المستجد".

ووجهت ثماني دول من أشدّ خصوم واشنطن رسالة إلى الأمم المتحدة لتطلب تعليق العقوبات المفروضة عليها حتى تتمكن من مكافحة وباء كوفيد-19 بطريقة "تامة وفعالة".

وبين الدول الموقعة على هذه الرسالة إيران، العدوة اللدودة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشرق الأوسط، وفنزويلا وكوبا، عدوتا واشنطن في أميركا اللاتينية، وكوريا الشمالية.

كما تحمل الرسالة توقيع خصمي الولايات المتحدة الاستراتيجيين الرئيسيين الصين وروسيا، حتى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اقترح شخصيا "تعليق" العقوبات الاقتصادية.

- السلاح المفضل -

وبدوره، وجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مثل هذه الدعوة، طالبا الجمعة "تعليق العقوبات التي قد تقوض قدرة الدول على التصدي للوباء العالمي".

غير أن ذلك لم يؤثر على قرار الولايات المتحدة، بل أضافت في الأيام الأخيرة إلى قائمتها السوداء الطويلة خمس شركات من حليفتها دولة الإمارات العربية المتحدة لاتهامها بالالتفاف على الحظر الأميركي على النفط الإيراني، وعددا من المصالح الاقتصادية الإيرانية في العراق.

وبشكل عام، تواصل الدبلوماسية الأميركية استخدام سلاحها المفضل، وهو العقوبات.

فاتهمت إدارة ترامب هذا الأسبوع رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو الذي تود إقصاءه من السلطة بـ"الإرهاب المرتبط بالمخدرات"، كما قطعت المساعدة عن أفغانستان لإرغام قادة هذا البلد على الانخراط في عملية السلام التي ستسمح بانسحاب القوات الأميركية.

غير أن الاهتمام يتركز بصورة خاصة على إيران.

فالجمهورية الإسلامية هي من الدول التي تسجل أكبر انتشار لفيروس كورونا المستجد، مع وصول الحصيلة الرسمية إلى أكثر من 2300 وفاة و32 ألف إصابة، وهي حصيلة تعتبرها الولايات المتحدة نفسها أدنى بكثير من الواقع.

كما أن إيران تخضع لأشد العقوبات الأميركية التي أغرقت البلاد في أزمة اقتصادية خطيرة، لا سيما وأنها تنطبق على أي بلد أو جهة تتعامل مع طهران، ما يردع باقي العالم عن تعاطي التجارة مع هذا البلد.

- استثناءات انسانية غير كافية -

لماذا لا تعلق الولايات المتحدة العقوبات في وجه مثل هذا التحدي العالمي الجسيم؟

يقول بهنام بن طالبلو من "معهد الدفاع عن الديموقراطيات" بهذا الصدد "لأن سلوك إيران السيء تفاقم، حتى خلال الوباء العالمي"، مؤيدا تمسك واشنطن بعقوباتها.

وأوضح لوكالة فرانس برس "واشنطن تعرف جيدا ما الذي يحصل حين تتلقى أسوأ دولة داعمة للإرهاب سيولة (...) لا يصل شيء للشعب الإيراني"، مرددا بذلك حجج ترامب.

ويشير وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وهو من الصقور المعادين لإيران، إلى أن المساعدة الإنسانية والمواد الأساسية لا تنطبق عليها العقوبات.

لكن هذا الخطاب لا يقنع البعض.

ولفت علي واعظ من مجموعة الأزمات الدولية إلى أن "الاستثناءات الانسانية سبق أن أثبتت أنها غير كافية في الأوقات الطبيعية".

وقال إن "العقوبات أضعفت قدرة إيران على احتواء الوباء، وهذا لن يتسبب بخسائر في الأرواح للإيرانيين فحسب، بل كذلك لآخرين في المنطقة وما بعدها".

وتابع "هذا الوباء العالمي يتخطى الحدود، تماما مثل العقوبات الأميركية".

وذكر ماكس أبرامز أن الإستراتيجية الأميركية نابعة من الهدف شبه المعلن لبعض الأعضاء النافذين في الإدارة الأميركية، وهو الدفع باتجاه سقوط النظام الإيراني.

وأوضح أن "الإدارة ترى في فيروس كورونا المستجدّ فرصة ينبغي استغلالها لتشديد الضغط على النظام، لا بل إثارة ثورة"، مشيرا بصورة خاصة إلى بومبيو كأحد المهندسين الرئيسيين لـ"حملة الضغوط القصوى" هذه.

ويشاطره علي واعظ هذا الرأي، ويقول إن الدعوات إلى تعليق العقوبات لفترة "لا تلقى آذانا صاغية لأن الإدارة تثق في استراتيجية الضغوط القصوى أكثر من أن تتساهل فيها الآن وتمنح سترة نجاة لنظام إيراني تعتقد أنه على شفير الهاوية".

لكنه حذر من أن "قلة الاكتراث الأميركية لمعاناة أمة برمتها" سوف "تعزز حجج المتشددين في النظام الذين يرون أن عداء واشنطن لا يستهدف القادة فحسب".