يعرض توماس فريدمان اتجاهات يراها ستطغى على العالم والولايات المتحدة بعد انحسار فيروس كوفيد-19، ويقول إننا سنتبع بعد اليوم تقويمًا جديدًا للعالم قبل كورونا وبعده.

"إيلاف" من بيروت: يتحدث الكاتب والمحلل السياسي الأميركي الشهير توماس فريدمان، في مقالةٍ نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن العالم قبل كورونا وبعده، شارحًا أن التكنولوجيا وأدوات الاتصال ساهمت في سرعة انتشار الفيروس المستجد واتساع رقعة تفشيه.

كوكب مترابط

أثمرت تكنولوجيا الاتصال، بحسب فريدمان، نموًا اقتصاديًا، لكنها في المقابل سهلت انتقال المشاكل حول العالم، فعندما تسوء الأمور في مكان واحد، يمكن أن تنتقل تلك المشكلة بشكل أسرع وأبعد وأعمق من أي وقت مضى.

هكذا حولت هذه التكنولوجيا، إضافةً إلى التجارة العالمية والسياحة، كما يرى فريدمان، حياتنا إلى شبه قرية كبيرة، "وهذا هو السبب في أن كوكبنا اليوم ليس مترابطًا فحسب، بل ينصهر في نواحٍ كثيرة، لذا نرى خفاشًا محملًا بالفيروسات يلدغ حيوانًا ثدييًا آخر في الصين، ثم يُباع ذلك الحيوان الثديي في سوق ووهان للحياة البرية، ثم يصاب صيني تناول لحم الحيوان بفيروس كورونا المستجد، وفي غضون أسابيع قليلة تغلق جميع المدارس العامة في الولايات المتحدة، وأجد نفسي على مسافة ستة أقدام من الجميع في مدينته بيثيسدا".

الثقافة الأميركية

لا يعول فريدمان على الساسة الجمهوريين في التصدي للفيروس، ويقول إن الولايات المتحدة ستتجاوز الأزمة بفضل المواهب التي تضم العلماء، المتخصصون الطبيون، المتخصصون في الكوارث، خبراء البيئة، وجميع الأشخاص الذين حاول الرئيس الأميركي دونالد ترمب استبعادهم.

يقول فريدمان ربما تتغير الثقافة السياسية في أميركا قبل أن ينتهي هذا الوباء. ويستدل على ذلك بكتاب من تأليف صديقته المؤلفة والأستاذة بجامعة ماريلاند ميشيل غلفاند، عنوانخ "صانعو القواعد، وكاسروها: كيف تربط الثقافات الضيقة والواسعة العالم".

في مقالةٍ لها في صحيفة "بوسطن غلوب" قبل بضعة أسابيع، سلطت غلفاند الضوء على بحث نشرته هي وزملاؤها في مجلة "ساينس" قبل سنوات، صنفوا خلاله المجتمعات إلى "صارمة" و"متساهلة"، تبعًا لمقدار الأولوية التي تعطيها للحرية أو لاتباع القواعد.

بحسبها، "المجتمعات الصارمة، مثل الصين وسنغافورة والنمسا لديها العديد من القواعد والعقوبات التي تحكم السلوك الاجتماعي. واعتاد المواطنون في تلك الدول على مستوى عالٍ من الرقابة التي تهدف إلى تعزيز السلوك الجيد. في حين تعد القواعد أضعف وأكثر تسامحًا في الثقافات المتساهلة في دول مثل الولايات المتحدة وإيطاليا والبرازيل".

اختلافات غير عشوائية

أشارت غلفاند إلى أن هذه الاختلافات بين الدول ليست عشوائية؛ إذ إن البلدان التي لديها أقوى القوانين والعقوبات الأكثر صرامة هي تلك التي عانت عبر التاريخ من المجاعة والحرب والكوارث الطبيعية، بل وحتى تفشي الأمراض.

بنظرها، تعلمت هذه الدول المعرضة للكوارث بالطريقة الصعبة على مر القرون أن اتباع القواعد الصارمة والنظام أمر أساسي لإنقاذ الأرواح. وفي الوقت نفسه، تمتعت الثقافات التي لم تواجه الكثير من المخاطر، مثل الولايات المتحدة، برفاهية النظام المتساهل.

انطلاقًا من هذا التحليل، تستنتج غلفاند أن من الواضح جدًا أن المجتمعات "المشهورة" بصرامتها مثل سنغافورة وهونغ كونغ أظهرت الاستجابة الأكثر فاعلية لـلتصدي لفيروس كوفيد-19. وعلى لعكس ذلك، ظهرت بوادر عدم التسيق والارتباك في البيت الأبيض والشخصيات العامة المتهورة، مثل لاري كودلو، وشون هانيتي، ولورا إنغراهام، وراش ليمبو، وكيليان كونواي، وديفين نونيس، وترمب نفسه - الذين قللوا في البداية من التأثير المحتمل للفيروس، فتخلص إلى القول: "في كل حالة من عدم اليقين، نحتاج إلى أن نتذكر أن لمسار الفيروس علاقة بطبيعة الفيروس التاجي كما هي الحال مع الثقافة. تحتاج برامجنا الثقافية الفضفاضة إلى تغيير كبير في الأيام القادمة".

مساعدة العمال

عن وضع الولايات المتحدة بعد كورونا، يرى فريدمان أن هناك الملايين من أصحاب الأعمال الذين اقترضوا أموالًا لاستثمارها في أصول طويلة الأجل كانوا يفترضون أنها سترتفع قيمتها، كالأسهم والشركة والمنزل والمطعم والمتجر. وهذه الأموال لا يمكنهم سدادها الآن.

برأيه، لا تحتاج الولايات المتحدة اليوم إلى أن يدعم بنك الاحتياطي الفيدرالي المصارف لمنع الانهيار التام، ولا أن تقوم المصارف بإعادة هيكلة ديونها، بل هناك حاجة أن يحصل العمال على أموال جديدة حتى يتمكنوا من تناول الطعام بعد أن أنفقوا رواتبهم عن شهر فبراير المنصرم.
يختم فريدمان بالقول: "من المشجع رؤية الإدارة والكونغرس يتحركان بسرعة للقيام بذلك. وكلما امتلك الأميركيون ثقافة أكثر صرامة وعملوا بتضامن، أصبح المجتمع أقوى وأكثر لطفًا بعد كورونا".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن " نيويورك تايمز". الأصل منشور على الرابط:

https://www.nytimes.com/2020/03/17/opinion/coronavirus-trends.html