مدريد: اتسعت رقعة إجراءات العزل في كافة أنحاء العالم لتبقي نحو نصف سكان الأرض معزولين في منازلهم بهدف احتواء فيروس كورونا المستجد، في وقت سجلت إسبانيا أعلى عدد وفيات يومي بالفيروس الثلاثاء فيما أعلنت تعبئة عامة في الولايات المتحدة لمواجهة الوباء.

أودى الفيروس بحياة أكثر من 38 ألف شخص في العالم وسط أزمة صحية تعيد توزيع مراكز القوى وتضرب الاقتصاد العالمي وتؤثر على الحياة اليومية لقرابة 3,6 مليار شخص.

وسجلت إسبانيا الثانية بعد إيطاليا من حيث عدد الوفيات في العالم، رقما قياسيا جديدا في عدد الضحايا مع 849 وفاة خلال 24 ساعة الثلاثاء، ما يبدد الآمال من احتمال أن تكون تجاوزت ذروة الأزمة التي تشل البلاد منذ أسابيع.

وفي إيطاليا الرازحة تحت وطأة الفيروس، تم تنكيس الأعلام خلال دقيقة صمت حداداً على أكثر من 11,500 شخص قضوا من جراء الفيروس، فيما لا تزال الفرق الصحية تعمل في ظروف مروعة.

ورغم ظهور مؤشرات على تباطؤ انتشار الفيروس في إيطاليا وإسبانيا، لا يزال المئات يموتون يوميا ما دفع بالسلطات إلى تمديد إجراءات الاغلاق المشددة المفروضة في كافة أنحاء البلدين، رغم التداعيات الاقتصادية المدمرة لذلك.

في بلجيكا توفيت فتاة عمرها 12 عاما بوباء كوفيد-19، في حالة وفاة قلما تحدث لفتية.

وشدّدت بولندا القيود التي تفرضها على التنقل، فيما وسّعت روسيا الإغلاق إلى كل مناطقها مع ارتفاع عدد الإصابات لتشمل رئيس أطباء المستشفى الرئيسي في موسكو.

وعلى الرغم من أن الطبيب التقى مؤخرا الرئيس الروسي، أكد الكرملين أن فلاديمير بوتين بصحة جيدة.

وفي مقابل الإغلاق المفروض في كثير من الدول، بدأت مدينة ووهان الصينية التي ظهر فيها الوباء لأول مرة، تستعيد حياتها بالسماح لذوي المتوفين بدفن موتاهم وذلك للمرة الأولى منذ أشهر.

الإغلاق أنقذ 59 ألف شخص

وتفيد دراسة حديثة أعدتها كلية "إمبيريال كولدج" في لندن بأن تدابير الاحتواء الصارمة أنقذت حياة ما يصل إلى 59 ألف شخص في 11 بلدا أوروبيا.

لكن على الرغم من ذلك ترزح المنشآت الطبية تحت وطأة ضغوط كبرى ومسؤولية توزيع المكيات المحدودة من لوازم الوقاية وأجهزة المساعدة على التنفس.

على الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي تستعد الولايات المتحدة للأسوأ بعدما تجاوزت عدد الإصابات 163 ألفا، وهي الحصيلة الأعلى للمصابين بالفيروس في بلد واحد.

وفي مشاهد لم يكن أحد يتصورها في زمن السلم تشهد نيويورك إقامة مستشفى ميداني في حديقة سنترال بارك، كما وصلت إلى المدينة سفينة طبية عسكرية أميركية على متنها 1000 سرير إلى مانهاتن لتخفيف الضغط عن النظام الصحي المنهك.

وتخطّت حصيلة وفيات كورونا في الولايات المتحدة 3,305 وفيات المسجّلة في الصين، في حين تقترب الوفيات في فرنسا من هذا الرقم.

وفي حين اعتمدت المدارس والشركات حول العالم العمل عن بعد والتعليم بواسطة تطبيقات الفيديو، يتعذّر على شرائح كبيرة من العمال حول العالم أداء وظائفهم عبر الإنترنت ما ينعكس سلبا على مداخيلهم في مواجهة مستقبل يزداد ضبابية.

وتشهد مراكز توزيع المواد الغذائية في المدينة تدفّق عدد متزايد من الأشخاص الذين خسروا مداخيلهم مع إغلاق العاصمة المالية العالمية.

وقالت لينا ألبا (40 عاما) التي تعيل خمسة أطفال في مركز توزيع مواد غذائية تديره منظمة سيتي هارفست الخيرية ومقرها نيويورك "إنها المرة الأولى لي".

وكانت تعمل في خدمة التنظيف في فندق بمانهاتن قبل أن يغلق أبوابه قبل أسبوعين.

وقالت "نحتاج للمساعدة الآن. الوضع جنوني. لا نعلم ما الذي سيحصل بعد بضعة أسابيع".

أوقات صعبة مقبلة

وانضمت ماريلاند إلى فرجينيا وواشنطن دي.سي في إصدار أوامر للسكان بالتزام منازلهم، لتشمل إجراءات العزل نحو 75 بالمئة من الأميركيين.

وسعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتطمين المواطنين، مشيرا الى أن السلطات تكثّف توزيع المعدات الضرورية على غرار أجهزة التنفس ووسائل الوقاية الشخصية.

لكنه حذر كذلك من "الأوقات الصعبة المقبلة خلال الأيام الثلاثين القادمة". وأقرّ باحتمال صدور أمر لجميع سكان البلاد بالبقاء في منازلهم.

وقال ترمب "نخاطر بكل شيء نوعا ما"، مشبها جهود احتواء كورونا المستجد بـ"الحرب".

وتشكل الاضطرابات الاقتصادية والسياسية الكبرى التي احدثها الفيروس اختبارا للتحالفات، إذ يبذل قادة الدول جهودا للاتحاد في مواجهة أزمة مشتركة.

ويشهد الاتحاد الأوروبي انقسامات حول بنود خطة إنقاذ لمواجهة تداعيات اقتصادية يتوقّع أن تكون حادة.

وتدعو مجموعة من الدول على رأسها إيطاليا وإسبانيا إلى آلية لتقاسم الديون اصطلح على تسميتها "كورونا بوندز".

لكن ألمانيا ودول في شمال أوروبا ترفض أي طرح يتعلق بالديون المشتركة، ما يهدد بانقسام التكتل في خضم كارثة صحية.

وحذّرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين الحكومات من استخدام تدابير الطوارئ ذريعة للتسلّط.

وفي حين هناك إجماع على ضرورة التدابير الاستثنائية لمكافحة الجائحة، يبدي نشطاء من حول العالم مخاوف من تزايد الدكتاتورية، والإبقاء على القيود الجديدة بعد انقضاء الأزمة.

ويتوقع أن يعقد وزراء مال ومدراء بنوك مركزية من مجموعة العشرين، جولة ثانية من المحادثات عبر الانترنت الثلاثاء لوضع خطة للتصدي للأزمة.

والأسبوع الماضي تعهّد قادة دول مجموعة العشرين بضخ خمسة تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي في محاولة لتجنّب ركود حاد.

والانعكاسات الاقتصادية مؤلمة بشكل خاص في المدن الفقيرة في إفريقيا وآسيا.

وتههد الجائحة بإغراق ما يصل إلى 11 مليون شخص في شرق آسيا في الفقر، بحسب تقرير للبنك الدولي.

وفي لاغوس كبرى المدن النيجيرية أغلقت الشركات وخلت الأسواق والطرق مع بدء الإغلاق التام للمدينة لمدة أسبوعين.

لكن من الصعوبة بمكان فرض التقيّد بالتدابير أحيائها الفقيرة حيث غالبية الأشخاص من المياومين.

وقال المهندس أوغون نوبي فيكتور البالغ 60 عاما "ندرك أنه يجب حظر التجول لحصر عدد الإصابات بفيروس كورونا".

لكنه أضاف "لكن السكان لا يملكون مالا، الناس يكتفون بالجلوس في منازلهم وليس لديهم ما يأكلون".