نجا الاتحاد الأوروبي سابقًا من عواصف عمليات الإنقاذ في منطقة اليورو، وأزمة الهجرة وخروج بريطانيا، لكن البعض يخشى أن تكون أزمة فيروس كورونا المستجد أكثر تدميرًا.

إيلاف من بيروت: أدى تفشي فيروس كوفيد-19 في القارة العجوز إلى أزمات كبيرة وخلل في النظام العام للاتحاد الأوروبي؛ إذ تخلت الدول الأوروبية بعضها عن بعض في خضم الأزمة، وتسابقت للحفاظ على أمنها الداخلي وسلامة مواطنيها.

خطر الانهيار
على الرغم من المناعة التي أظهرها الاتحاد الأوروبي في وجه المشكلات السياسية والعسكرية التي واجهها عبر تاريخه، يبدو في طريقه إلى الانهيار بسبب جائحة كورونا الحالية، أو على الأقل هكذا يبدو، بسبب امتعاض روما وعواصم أوروبية أخرى من طريقة استجابة المؤسسة الأوروبية الأم، وتعاطيها مع ارتدادات الجائحة الأخيرة.

يقول إنريكو ليتا، رئيس وزراء إيطاليا السابق، في حديثٍ مع صحيفة "غارديان" البريطانية، إن الاتحاد الأوروبي يواجه "خطرًا مميتًا" من الوباء العالمي. ويضيف أن الاتحاد يواجه أزمة مختلفة عن الأزمات السابقة، بسبب التفشي غير المتوقع للفيروس، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن "النزعة الأوروبية" أضعفتها أزمات أخرى في العقد الماضي.

أضاف ليتا أن الروح المجتمعية في أوروبا أضعف اليوم مما كانت عليه قبل 10 سنوات، محذرًا: "إذا اتخذ الجميع استراتيجية "إيطاليا أولًا" أو "بلجيكا أولًا" أو "ألمانيا أولًا"، فإن المركب ستغرق بنا جميعًا".

نكء الجراح
غيّر بعض الدول الأوروبية سياسة التفكير بالذات بعد تفشي الفيروس، والتي تمثلت بفرض بعض البلدان حظر تصدير أدوات طبية حيوية، أو وضع ضوابط حدودية بين مواطنين أوروبيين عالقين. وفتحت ألمانيا والنمسا ولوكسمبورغ مستشفياتها لعلاج المرضى من أكثر البلدان تضررًا، كما تبرعت فرنسا وألمانيا بأقنعة لإيطاليا أكثر مما فعلت الصين.

في الوقت الذي اجتمع فيه القادة الأوروبيون للبحث في الاستجابة لأزمة الصحة العامة، وتعهدوا بتعديل نظام إدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي، وتمويل بحوث اللقاحات والمشتريات المشتركة للأدوات الطبية، لا تزال الدول منقسمة حول كيفية مساعدة الاقتصاد على تجاوز العاصفة.

أعاد الوباء نكء جراح منطقة اليورو، وإحياء القوالب النمطية حول المقارنة بين الأوروبيين الجنوبيين المسرفين، والأوروبيين الشماليين المجتهدين الحريصين على قيم العمل وادخار الأموال. وأثارت تصريحات وزير المالية الهولندي ووكوب هيوكسترا حفيظة جيرانه بالسؤال عن سبب عدم امتلاك الحكومات الأخرى لحواجز مالية للتعامل مع الصدمة المالية الناتجة من فيروس كورونا. ووصف رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا تصريحات الوزير الهولندي بأنها بغيضة وتهدد مستقبل الاتحاد الأوروبي.

سندات الدين
يبدو أن موقف بعض أعضاء الاتحاد من الاقتراح المقدم من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، الدول الأكثر تضررًا من الوباء، في ما يتعلق باستحداث وإنشاء سندات دين الاتحاد، التي يمكن بيعها في السوق، وبالتالي يمكنها تمويل الدول التي تواجه صعوبات مالية في مواجهة تكاليف الطارئ الصحي الذي يعصف بالقارة، سيدفع باتجاه انقسام الاتحاد بعد مرور هذه الأزمة.

تعارض ألمانيا والنمسا وهولندا والدول الأوروبية الشمالية هذا الاقتراح، وتدفع بدلًا من ذلك باتجاه تطبيق آلية الاستقرار الأوروبية. وهذا ما ترفضه روما والعواصم الأخرى بسبب إجراءاتها البيروقراطية الطويلة والبطيئة، مقابل سرعة تفشي الوباء وسرعة الحاجة إلى التمويل من جهة، وبسبب التبعات المالية القاسية التي تفرضها الآلية على الدول المستفيدة منه، من جهة أخرى.

موقف الجبهة الرافضة للدعم المالي، كما في تصريح هيوكسترا الذي دعا في ظل هذه الأزمة "للتحقيق مع الدول الأعضاء التي ليس لديها هامش في ميزانياتها لمواجهة الوباء والتعامل معه"، وشى بحجم الشرخ الحاصل في نسيج الاتحاد الأوروبي، ودفع برؤساء أهم مؤسسات الاتحاد أن يهاجم بعضهم البعض بصورة لم تحدث من قبل.

هل الحلول ممكنة؟
يعتقد لوك فان ميدليار، أستاذ قانون الاتحاد الأوروبي الذي عمل لرئيس المجلس الأوروبي خلال أزمة منطقة اليورو، أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يبتكر طريقة للخروج من الانقسامات الحالية. وأضاف: "الاتحاد الأوروبي غير مجهز داخليًا للتعامل مع أي أزمة أو ظروف غير متوقعة، ولكن في كل مرة يجد نفسه تحت ضغط الأحداث فإنه يحسن الحلول".

استطرد فان ميدليار قائلًا: "خلال أزمة منطقة اليورو، استغرق الأمر عامين من التجارب الدرامية لتصميم حل الاتحاد المصرفي الأوروبي. حتى تتلاقى المصالح والعقول نحتاج إلى عامل الوقت، وهذه المرة ليس لدينا الكثير من الوقت، لذلك ما يجري فعلًا مقلق ".

تقول ناتالي توسي، مديرة المعهد الإيطالي للشؤون الدولية في روما، إن الاتحاد الأوروبي يمكن أن ينقذ الوضع من خلال نقل المناقشة إلى الإجابة عن من الذي سيصدر هذه السندات بالفعل، وما هي هذه السندات؟ وإذا تمكن بالفعل من إعطاء إجابات تقنية محددة على هذه الأسئلة، فقد تكون هذه فرصة لكسر الجليد على نقاش أصبح عامل انقسام.

غضب الإيطاليين
شعر الإيطاليون، خلال تفشي فيروس كورونا في بلدهم، بأن أوروبا تركتهم وحدهم في المرحلة المبكرة من الوباء، فتقلصت ثقتهم في المشروع الأوروبي.

أظهر استطلاع أُجري بين 12 و13 مارس المنصرم أن 88 في المئة من الإيطاليين شعروا بأن أوروبا فشلت في دعم إيطاليا، في حين رأى 67 في المئة أن العضوية في الاتحاد الأوروبي معيبة.

تعليقًا على هذا الاستطلاع، تقول توسي: "إذا ساد الانقسام الأوروبي، فإن الذاكرة ستبقى موجهة لمسارعة الصين وروسيا إلى مساعدة إيطاليا. فالثقة الإيطالية في الاتحاد الأوروبي تعتمد على ما تفعله أوروبا أكثر مما تفعله الصين وروسيا".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "غارديان". الأصل منشور على الرابط:
https://www.theguardian.com/world/2020/apr/01/coronavirus-could-be-final-straw-for-eu-european-experts-warn