واشنطن: لا يتردد الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إظهار امتعاضه تجاه الصحافيين فيصف أحدهم ب"البغيض" ويصنف آخر "من الدرجة الثالثة" لكنه في الوقت نفسه لا يتأخر في عقد مؤتمراته الصحافية الصاخبة حول مستجدات فيروس كورونا.

ومنذ أسابيع يخصص ترمب يوميا ما يصل إلى ساعتين خلال فترة ذروة البث التلفزيوني، ليوجه مزيجه الفريد من الإهانات والمزاح والتباهي.

وبدأت إيجازاته الصحافية كسبيل لإطلاع الأمة القلقة على مستجدات وباء كوفيد-19، لتجعل من مسؤولين في قطاع الصحة مثل الخبير في الأمراض المعدية أنتوني فاوتشي اسما في كل بيت أميركي. أما نائب الرئيس مايك بنس صاحب الشخصية الباهتة، فقد حظي بالاحترام لتقاريره الهادئة ولكن الصريحة حول أعداد المرضى والوفيات.

ولكن تلك المؤتمرات، عاجلا أم آجلا، كانت ستدور حتما حول أكثر الرؤساء المحبين للأضواء، وسرعان ما تحقق ذلك بالفعل.

فقد جعل ترمب نفسه الممثل البطل والمنتج والمخرج لآخر برنامج من تلفزيون الواقع دأب على لعب دوره معظم حياته -- رئيسا قويا سريع الغضب.

ويبدو أن ذلك نجح في بعض النواحي. فأرقام الاستطلاعات مرتفعة، وترمب يحب الاقتباس من تقرير صحيفة وصفته بأنه نهائي برنامج "ذا باتشيلور" على تلفزيون الواقع.

لكن لا بد أن العديد من أولئك المشاهدين هم أميركيون يأملون فقط الحصول على معلومات حول الوباء أي مجرد جمهور متلق.

وبحلول الخميس، ضاق ذرع كثيرين ومن بينهم مجلس التحرير الجمهوري الميول لصحيفة وول ستريت جورنال الذي حض ترمب على ترك المؤتمرات الصحافية للخبراء وعدم إكثار انخراطه فيها.

وقال كتاب الافتتاحيات في مقالة ساخرة مدمرة "إحدى أصدقائنا ممن صوتوا للرئيس ترمب كتبت لنا مؤخرا تقول إنها توقفت عن مشاهدة" الإيجاز الصحافي.

وأضاف "لماذا؟. لإنها (الإيجازات) لم تعد تتعلق بهزيمة الفيروس بقدر ما تتعلق بالعداوات العديدة لدونالد ج. ترمب".

وسارع ترمب للرد بغضب على صحيفة وول ستريت في تغريدة قال فيها "أخبار مضللة".

لكن ترمب وبمحض الصدفة أو لا، غادر وللمرة الأولى الإيجاز الصحافي بعد قرابة 20 دقيقة فقط. وبقي الخبراء الرصينون لتقديم المعلومات -- تماما كما أوصت صحيفة وول ستريت.

شكرا السيد الرئيس

وحتى واقعة الخميس، كانت الايجازات تتبع نمطا منسقا بعناية مخصصا لتعظيم ترمب.

وعندما يقف المسؤولون أمام المذياع، كان أول ما يفعلونه هو الإشادة بترمب. ومن الأمثلة البسيطة على ما قيل:

" الرئيس قام بعمل جيد جدا ...." و"أود أن أبدأ بشكر الرئيس ترمب" و"مثال آخر على القيادة الجريئة للرئيس ترمب" و"من الرائع أن نرى دول العالم تجتمع خلف الرئيس ترمب".

لكن الأمور ليس بهذه الحماسة بين ترمب والصحافيين.

فهجمات ترمب على وسائل الإعلام ليست بالشيء الجديد. لكن في قاعة تضم عددا قليلا من الصحافيين المسموح لهم بالدخول وسط إجراءات التباعد الاجتماعي، فإن عدوانية الرئيس تأخذ طابعا شخصيا متزايدا.

وقال ترمب لمراسل شبكة إيه.بي.سي نيوز جوناثان كارل "أنت صحافي من الدرجة الثالثة وما قلته عار، حسنا؟".

ووصف ترمب مراسلين آخرين ب"البغيض" و"السيء". وحذر آخر بأن يكون "لطيفا. لا تهدد".

بل إن ترمب هاجم مراسل شبكة فوكس نيوز لطرحه سؤالا صعبا. ويبدو أن ترمب تعجب من عدم توجيه المراسل أسئلة بسيطة أسوة بصحافيي الشبكة المؤيدة علنا لترمب.

وقال للصحافي "اعتقدت أنك من شبكة فوكس".

أكثر غرابة

وتشكل مسألة حقيقة كره ترمب للصحافيين موضع تكهنات.

فأكثر ما يحب هذا الرئيس هو تسليط الأضواء عليه. ويتحدث إلى الصحافيين أكثر بكثير مقارنة بأسلافه التقليديين في البيت الأبيض.

ويمكن لترمب أن يعتمد على أسئلة ودية من محطات محلية صغيرة يمينية مثل "أو إيه إن إن" التي يتزايد تواجدها القوي في قاعة المؤتمرات الصحافية.

وقال ترمب مؤخرا لمراسلة المحطة "يعاملونني بكثير من اللطافة" قبل أن توجه سؤالها.

وفي إيجاز صحافي آخر أوفدت شبكة نيوزماكس المحافظة والمنافسة، شون سبايسر أحد المتحدثين السابقين باسم ترمب.

وتشهد تلك القاعات أسئلة عادية وغريبة في الوقت نفسه، ما يترك الصحافيين وفريق ترمب المنتظرين قرب المنصة، في حالة ذهول.

وفي إيجاز صحافي الأربعاء، كان وقت الأسئلة الغريبة. وسأل مراسل نيويورك بوست ما إذا كان ترمب سيعفو عن حارس حديقة الحيوان المدان بالقتل، بطل مسلسل تايغر كينغ على خدمة نتفليكس.

وبدا وكأن الوباء المستشري بات منسياً، كما ملايين الأميركيين الذين باتوا مؤخرا عاطلين عن العمل، والجدل حول ما اذا كان ترمب تعاطى بشكل جيد أو لا مع أزمة غير مسبوقة.

ورد ترمب ممازحا عن "جو إيكزوتيك" الذي تدور قصة المسلسل الوثائقي "تايغر كينغ" عنه -- على ما يبدو -- قائلا إنه "سينظر في "فكرة العفو عنه".