إيلاف: في رسالة يبدو انه يودع فيها مسؤولياته كرئيس حكومة تصريف اعمال فقد وجّه عبد المهدي انتقادات حادة إلى الاوضاع العراقية الراهنة ملقيا بالمسؤولية في ذلك على عوامل داخلية وخارجية، داعيا القوى السياسية الى حلول وسط تُمكن من تشكيل حكومة جديدة منوها بأن حكومته لم تعد قادرة على ادارة اوضاع البلاد بالشكل الصحيح.

جاء ذلك في رسالة وجّهها رئيس حكومة تصريف الاعمال العراقية اليوم الى الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الجلبوسي ونائبيه واعضاء البرلمان.

نواقص واختلالات وضغوط دولية
وقال عبد المهدي في نص رسالته التي وزعها مكتبه وحصلت "إيلاف" على نسخة منها "قدمت استقالتي في 29/11/2019، وها نحن نقترب من نهاية إبريل 2020 ولم تشكل حكومة جديدة. كُلف الاخوان علاوي والزرفي ولم يوفقا، وأخيرًا كُلف الاخ الكاظمي الذي من المفترض ان يشكل حكومته قبل 9 مايو المقبل، مما يكشف إما عن خروقات دستورية او نواقص خطيرة في التطبيقات الدستورية والتقاليد السياسية او خلل مفاهيم وسلوكيات سائدة لدى القوى السياسية، او تضادات مجتمعية تعرقل بعضها البعض الاخر او توازنات اقليمية ودولية ضاغطة وعلى الغالب جميع ذلك".

أضاف "بذلنا ونبذل قصارى الجهد والترويج لتوفير الدعم والمساندة لنجاح المكلفين بعيداً عن قربنا او بعدنا عن اي منهم، لادراكنا ان بقاء الوضع الراهن هو الاخطر. فحكومة تصريف امور يومية وبقاء رئيس وزراء مستقيل محدود الصلاحيات في هذه الاوضاع المعقدة هو اسوأ الخيارات لذلك اتوجّه بهذه الرسالة، وقد تكون الفرصة الاخيرة لمنع الوصول الى طريق مسدود تماماً".

القادة يحجمون عن التضحية بمصالح احزابهم
واضاف عبد المهدي "اعلم شجاعة القادة والمسؤولين، وانهم ضحّوا ويضحّون بحياتهم وانفسهم في سبيل البلاد، لذلك يصعب فهم مواقفهم عندما لا يضحّون برؤاهم الخاصة وبمصالح قواهم امام هذه الازمة التي تهدد البلاد، وتصوري ان هناك نظرات خاطئة - ان لم تصحح ويتفق على قواعد سلوك مشتركة - فسنبقى في دوامة مستمرة".

واوضح ان مفهوم الوزير المستقل هو ليس حقيقة مطلقة، بل هو ممارسة جزئية موقتة، اقتضاها واقع حال تفرد القوى السياسية بالحكومات المتعاقبة، وعدم عدالة قانون الانتخابات وقانون الاحزاب، فهما بالضد من ارادة الناخبين، مما ولد محاصصة واحتكاراً للسلطة من اعلى القمم الى ادناها. فجاءت دعوة المستقلين كرد فعل لذلك كله.

مطالبة الاحزاب بوزارات وفقا لنتائج الانتخابات خطأ
واشار الى ان كثيرا من القوى يقولون انهم يمارسون حقهم بالمطالبة بوزارات محددة حسب نتائج الانتخابات وحجتهم ما يجري في دول اخرى وراينا ان هذه مقارنة مغلوطة. فهناك تتشكل حكومات غالبية من حزب واحد او ائتلاف احزاب حسب المناهج الانتخابية. وفي تلك الدول هناك ممارسات متكاملة تجعل الحزب يعيش جمهوره والجمهور يعيش حياة حزبه.

وقال ان "الجمهور يساهم بقنوات مختلفة في انتخابات القيادات الحزبية ورسم ملامح البرامج، بينما نحن ابعد ما نكون عن ذلك كله، فالانفصال بين الجمهور والتنظيمات يزداد سعة، من دون معالجات جدية ورغم بعض التقدم في الانتخابات الاخيرة لكننا لم نستقر نهائياً على النظام المناسب الذي يحقق الغالبية السياسية وندها الاقلية السياسية او المعارضة ويحمي ويكيف بعدالة التوازنات الوطنية ليتسنى تغليب مفهوم المواطنة".

مشاركة جميع الفائزين في الحكومة شوّه عمل البرلمان
وبيّن ان مشاركة جميع الفائزين في الحكومة شوّهت عمل مجلس النواب من كتل كبيرة ساندة للحكومة، واخرى معارضة لها، الى صراعات فردية وجماعية على مصادر القوة والمواقع والقدرة في البلاد، ونسفت مفهوم الفصل بين السلطات، بل هو ما ولد حكومات تتصارع في مجلس الوزراء، وهذا كله افقد البلاد وحدة الفلسفة، التي تنظم عملها وقدرة السلطات وتكاملها على قيادة وادارة البلاد.

عبد المهدي مترئسًا أخر اجتماع لحكومته قبيل تقديم استقالته للبرلمان

واعتبر ان مطالبة البعض بمواقع محددة كوزارة معينة لا معنى له ويخالف المنهاج الحكومي مما لا يترك مجالا للشك ان الرغبة ستكون الاستفادة من الوزارة بدل الافادة فيها وفق برنامج موحد للحكومة.

للمكلف بتشكيل الحكومة الحق بترشيح وزراء
ونوه عبد المهدي قائلا انه "في ظروفنا سيتعذر تغييب الاحزاب كلياً من المواقع والمناهج، كما سيتعذر حرمان المكلف من حق الخيارات بالترشيح والقبول والرفض. فهم الذين سيصوّتون في مجلس النواب، وهو الذي سيتحمل المسؤولية الاكبر في الحكومة وعليه لا بد من الوصول الى اتفاق وسطي في استطلاع راي الاحزاب او في ترشيح من تنطبق عليه الشروط المتفق عليها وطنياً، و يسمح - بالمقابل - للمكلف بالكلمة الاخيرة لاختيار الوزراء، خصوصاً ان قراره لن يكون نهائياً، فالكلمة الاخيرة ستعود الى مجلس النواب في التصويت سلباً او ايجاباً".

واشار الى ان الوضع ليس مثالياً "لكن ان وضعنا المآلات الاسوأ المرتقبة في حالة الفشل، وتمتعنا جميعاً بالمرونة اللازمة فبالامكان الوصول الى حل وسط. فاذا لم تنجح المحاولة الثالثة هذه للتكليف فهل يتوقع احد ان تنجح المحاولة الرابعة أوالخامسة خصوصاً ان استقالتنا كانت استجابة لنداء من المرجعية وقوى شعبية لايجاد حل للطريق المسدود الذي وصلت اليه البلاد".

حكومتي لم تعد قادرة على ادارة البلاد بالشكل الصحيح
واوضح ان الهدف لم يكن تغيير الاشخاص بل تغيير المعادلات وان استمرار رئيس وزراء مستقيل لحكومة تصريف الامور اليومية هو بقاء المعادلات السابقة ويقود للجمود والفراغ لا محالة لهذا يتعذر علينا الاستمرار، وكان جوابي قاطعاً بالرفض لكل من فاتحني وبإلحاح من اطراف مؤثرة واساسية بأنهم على استعداد لتسهيل العودة عن الاستقالة خصوصاً انها لم يصوّت عليها في مجلس النواب فمعادلة حكومتي بالشروط الماثلة لم تعد قادرة على ادارة اوضاع البلاد بالشكل الصحيح.

اختلال التوازن الدولي والاقليمي في العراق
واشار الى ان اية حكومة في ظروف العراق الراهنة يجب ان تعمل لتحقيق التوافق الوطني او اغلبية تستطيع دعم الحكومة وهو ما افتقدته الحكومة الحالية عملياً حتى مع توافره نظرياً، ملمحًا الى دور للبرلمان والقوى السياسية في ذلك.

واشار الى ان اختلال التوازن الدولي والاقليمي في العراق "ليس بالضرورة لخطأ ارتكبناه، بل لسياسات متطرفة فرضها الاخرون ولا تستطع اية حكومة عراقية وطنية ان تجاريها، فعندما تصبح صداقة طرف شرطها عداوة طرف صديق آخر، فإن العراق -حسب تجاربنا الوطنية - سيربح قليلاً ويخسر كثيراً" في اشارة على ما يبدو الى الصراع الاميركي الايراني على الارض العراقية.

لم يتم حل الازمة عبر انتخابات مبكرة
واوضح عبد المهدي انه كان وجّه رسالة في مطلع الشهر الماضي طرح فيها الدعوة الى جلسة استثنائية لحسم قانون الانتخابات والدوائر والمفوضية وتحديد الرابع من ديسمبر المقبل كموعد نهائي للانتخابات، فلم يحصل شيء يُذكر، وكانما يراد للازمة ان تستمر، فلم يتم الاتفاق على حكومة جديدة، ولم تحدد نهاية للازمة عبر الانتخابات المبكرة، فكانت النتيجة بالضرورة استمرار حكومة تصريف الامور اليومية وتحميلها كامل مسؤوليات اوضاع صعبة ومعقدة، وهو ما لا يمكن الاستمرار به في اشارة الى حكومته الحالية المستقيلة.

مرونة لتشكيل حكومة جديدة
وشدد عبد المهدي على القوى السياسية بضرورة التمتع بالمرونة المطلوبة والوصول الى حلول وسطية لتشكيل حكومة جديدة تستطيع ادارة الانتخابات وتتمتع بالصلاحيات المطلوبة لادارة ازمات البلاد خصوصاً وسط تطورات هائلة باتت دول عظيمة قلقة على مستقبلها منها، ومن بينها انهيار الاقتصاديات العالمية واسعار النفط وجائحة كورونا واستمرار الارهاب وغيرها من امور شائكة، منوها بالقول "انني ساتخذ الموقف المناسب والقاطع على ضوء النتائج التي ستتوصلون اليها خلال الايام القليلة الوقبلة" من اجل تشكيل حكومة عراقية جديدة.

يشار الى ان عبد المهدي كان قد اعلن في 30 نوفمبر 2019 تقديم استقالته إلى مجلس النواب بسبب ما قال انه لـ"تفكيك الأزمة" في إشارة إلى الاحتجاجات الشعبية التي تفجرت في مطلع اكتوبر الماضي، وسقط فيها الالاف من القتلى والجرحى، غالبيتهم العظمى من المحتجين خلال مواجهات ضد قوات الأمن ومسلحي ميليشيات مقربة من إيران بحسب لجنة حقوق الإنسان البرلمانية ومفوضية حقوق الإنسان العراقية ومصادر طبية وحقوقية.

وكان الرئيس العراقي برهم صالح قد كلف في التاسع من الشهر الحالي رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي مدير المخابرات العراقية بتشكيل الحكومة الجديدة عقب اعتذار مكلفين اثنين قبله هما محمد علاوي وعدنان الزرفي وأمامه 30 يوما لتقديم برنامجه الحكومي وتشكيلته الوزارية الى البرلمان للتصويت عليها بالثقة من عدمها.