في ظلّ نقص معدات الحماية وضعف التشخيص الطبي، بات العديد من الأطباء في روسيا أبرز ضحايا وباء كوفيد-19، لكن في الوقت نفسه، مصدراً لنقل العدوى به، وفق شهادات جمعتها وكالة فرانس برس ونقابات.

في ضاحية ميتيشتي في موسكو التي يبلغ عدد سكانها نحو 250 ألف نسمة، يفوق معدل الإصابة بفيروس كورونا المستجد ثلاث مرات ونصف مرة المعدل الوطني، مع تسجيل 300 وحالتين الأربعاء، أي ما يساوي 137 حالة بين 100 ألف شخص.

تقول أولغا الطبيبة في عيادة عامة في المدينة إن معدات الحماية فيها قليلة جداً.

وتوضح هذه العاملة في مجال الصحة والتي رفضت كشف بقية هويتها "يعطوننا قناعاً ينتهي مفعوله في يوم واحد، ويجب تبديله كل ساعتين. نحن مجبرون على شراء الأقنعة بأنفسنا، كما القفازات، أو خياطتها. أما بالنسبة لبدلات الحماية، فلم نرها قط".

تحتسي أولغا شاي الزنجبيل مع الليمون على أمل أن يعزز مناعتها أمام المرض، قائلةً "هذا كل ما بوسعي فعله".

وسط هذه الظروف، أصبحت الطواقم الطبية المثقلة بالعمل مصدر نقل لعدوى فيروس كورونا المستجد، وفق أولغا التي أكدت أن إدارة العيادة تدرك ذلك لكنها لا تتصرف.

نقص في الكوادر

تروي أولغا أنه "تبينت إصابة إحدى الطبيبات معنا، كنا جميعاً على تواصل معها، لكن الإدارة...لم تضع أحداً في الحجر. إذا حجر علينا، لن يبقى هناك من يقوم بالعمل".

ويلفت الرئيس المشارك لنقابة الأطباء "أكشن" أندريه كونوفال إلى أن هذا الوضع الذي ذكرته أولغا بات حالة شائعة في روسيا.

يوضح كونوفال أن هناك "نقصا في وسائل الحماية في المستشفيات تقريباً في كافة المناطق الروسية"، كما أن الجهات المسؤولة تتفادى إجراء فحوص للطواقم الطبية "خشية أن يؤدي ذلك إلى نقص في الكوادر".

من جانبه يؤكد إيفان كونوفالوف المسؤول في تحالف الأطباء، وهي نقابة قريبة من المعارض أليكسي نفالني، لفرانس برس تلقيه "عشرات الشكاوى من أطباء يشجبون رفض إدارتهم فحص طواقم المؤسسات الطبية".

والحال ليست أفضل في سانت بطرسبورغ ثاني أكبر مدن روسيا، البالغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة.

السيناريو الإيطالي

يروي طبيب الإنعاش بيوتر لفرانس برس أن النقص هائل لدرجة أن "إدارة المستشفى أبلغتنا أنه لن يجري" تسليم معدات حماية.

ويؤكد الطبيب الذي اكتفى بذكر اسمه الاول "نحن أمام خطر سيناريو مشابه للسيناريو الإيطالي. الوسط الطبي الروسي يترقب الأسوأ".

وتوفي في إيطاليا، إحدى الدول الأكثر تضرراً من الوباء، عشرات الأطباء والممرضين بسبب الفيروس، كما أصيب الآلاف منهم.

وجه العاملون في مستشفى بوكروفساكايا في سانت بطرسبورغ من جانبهم رسالة إلى حاكم المنطقة والنائب العام، حصلت فرانس برس على نسخة منها.

وندد هؤلاء بعدم فصل وتحديد المناطق التي قد تكون موبوءة أي "الحمراء" ، وتلك "الخضراء" الخالية من المرض، ما أدى إلى إصابة 27 مريضاً كانوا في المستشفى وخمسة أعضاء من الفريق الطبي، كما قالوا.

وشجب سيرغي ساييابين الذي يعمل طبيب تخدير في المستشفى في فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي نشره في 17 نيسان/ابريل، أداء إدارته، قائلاً إن "إدارة المستشفى لم تفعل شيئاً لتجنيب الموظفين العدوى... إذا مرضت أنا أو أحد آخر من العاملين، فمسؤولية ذلك تقع على عاتق الطبيب المشرف".

في مستشفى بوتكين في المدينة نفسها، أصيب 137 عاملاً صحياً بالفعل بكوفيد-19، وفق ما نقلت وكالة أنباء "تاس" عن الطبيب المشرف دينيس غوسيف.

أشارت الوكالة أيضاً إلى أن 91 شخصاً بينهم 16 طبيباً أصيبوا بالعدوى في أحد مستشفيات مدينة يكاتيرنبورغ في منطقة الأورال.

في الأثناء، تبدو موسكو، الأكثر ثراء بين المناطق الروسية، مجهزة بشكل أفضل من المقاطعات الأخرى، لكنها تواجه أيضاً مشاكل في الإمدادات.

وفي هذا السياق، ازدهرت التجارة بمعدات الحماية في السوق السوداء.

وعود بوتين

وجد القطاع الطبي الروسي نفسه مجبراً على تنظيم نفسه بما يتلاءم مع حال الطوارئ الوبائية، كما في كافة أنحاء العالم. لكن الأزمة في روسيا تضرب قطاعاً يعاني منذ عقود من سوء التمويل والإصلاحات المثيرة الجدل.

ولم يتم حتى الآن التركيز في شكل شامل على ما يعاني منه القطاع. وأقر المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف بوجود نقص "في بعض المؤسسات"، لكنه قال إن على الأطباء "إبلاغ الجهات المعنية بتلك المعلومات، وليس نقلها لوسائل الإعلام".

ولم تقدم وزارة الصحة، بعد طلب من فرانس برس، بيانات حول عدد العاملين الصحيين المصابين بوباء كوفيد-19.

وسجلت روسيا حتى الآن 57999 إصابة، وتؤكد أنها الأفضل في العالم من حيث إجراء الفحوص، التي أخضعت لها 2,25 مليون شخص.

تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جهته الاثنين تأمين معدات "حماية ذات نوعية جيدة وفعالة" لجميع الطواقم الصحية.

وذكر أن روسيا باتت تنتج يومياً 3,5 ملايين قناع جراحي، و280 ألف قناع حماية تنفسي، و100 ألف زي واقٍ، أي ما يساوي ضعفي إلى ثلاثة أضعاف ما كانت تنتجه قبل الوباء.

وتؤكد وزارة الصحة الروسية أنها أمنت بالفعل ثلثي الأسرة الـ95 ألفاً المقرر توزيعها في المستشفيات قبل أواخر نيسان/ابريل لاستقبال مرضى كوفيد-19.

إحصائيات إنتشار فيروس كورونا في روسيا