إن نحينا جانبًا من لا يتخذ موقفًا من عالم ما بعد كورونا، ترى أغلبية قراء "إيلاف" إن هذا العالم سيكون أكثر عدوانية، فالأنظمة تميل إلى الاستمرار في استثمار حالات الطوارئ لتعزيز حكمها، الحروب الاقتصادية مرشحة للتصاعد، خصوصًا على المحور الأميركي – الصيني.

إيلاف من دبي: العالم بعد كورونا ليس كما العالم قبل كورونا. فهذه الجائحة ستغير العالم الذي نعرفه. لكن، كيف؟

سألت "إيلاف" القارئ العربي عن شكل العالم بعد انتهاء جائحة كورونا. شارك في هذا الاستفتاء 855 قارئًا، قال 206 متفائلين منهم (بنسبة 24 في المئة) أنه سيكون أكثر تسامحًا، وقال 386 متشائمًا منهم (بنسبة 45 في المئة) إنه سيكون أكثر عدوانية، فيما قال 263 منهم (بنسبة 31 في المئة) إنه لن يشهد تغييرًا.

لكن أسوأ!

في مقابلة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، قال وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان الثلاثاء إن وباء كوفيد-19 يفاقم الانقسامات العالمية والخصومة الصينية – الأميركية، ويُضعف التعددية الدولية.

أضاف: "أخشى أن يصبح عالم ما بعد كورونا مشابهًا كثيرًا لعالم ما قبله، لكن أسوأ. فيبدو لي أننا نشهد تفاقم الانقسامات التي تقوّض النظام العالمي منذ سنوات. الوباء يمثّل استمرارية الصراع بين القوى من خلال وسائل أخرى"، منددًا بتوسيع المنافسة الدولية، وحتى المواجهة، في كل القطاعات، بما في ذلك ميدان المعلومات حيث تتنافس القوى العظمى للمقارنة بين نماذجها في إدارة الأزمة الصحية العالمية.

قال: "إن انغلاق الولايات المتحدة التي يبدو أنها مترددة في أداء دور القائد على المستوى الدولي يعقّد كل خطوة مشتركة بشأن التحديات العالمية الكبيرة ويشجّع تطلعات الصين إلى السلطة. ونتيجة ذلك، تشعر الصين أنها قادرة على قول يومًا ما أنها القوة والقيادة"، مشددًا على أن في لعبة القوى، لأوروبا مكانها وعليها أن تقود بدلًا من أن تطرح أسئلة على نفسها كما تفعل في الأزمة الصحية الراهنة، مضيفًا: "ينبغي على الصين أن تحترم الاتحاد الأوروبي، فأحيانًا تلعب بكين على حبال الانقسامات الأوروبية".

للتشاؤم أسبابه

يقول المؤرخ الأميركي الشهير مايك ديفيس إن العالم ليس بالضرورة عقلانياً أو منطقياً، "لذلك تتصاعد دعوات للانعزال والانكفاء، ما قد يعني مزيداً من الوفيات ومزيداً من المعاناة حول العالم".

وبالنسبة إلى ديفيس، تمثل الأوبئة أنموذجاً مثالياً لنوعية الكوارث التي لا يمكن الرأسمالية أن تتصدى لها، "لأنها لا تجيد سوى حسابات الربح والخسارة، وظهرت مواقف عكست سوء استغلال أزمة كورونا بدلاً من التضامن البشري لمواجهته، منها إطلاق الرئيس الأميركي دونالد ترمب اسم الفيروس الصيني على الوباء، واستغلاله لتشديد الرقابة على الحدود وتقليل أعداد الساعين للجوء، من ضمن أجندته الانتهابية؛ ترويج مشرّعين جمهوريين لنظرية المؤامرة قائلين إن فيروس كورونا المستجد سلاح بيولوجي صيني.

إلى ذلك، سعت الصين إلى استغلال الوباء لفرض هيمنتها على العالم، من خلال دبلوماسية الكمامات، في إشارة إلى المساعدات الصينية لإيطاليا واسبانيا وغيرهما، والدعاية الصينية التي ترافقها، وتهربها لتهمة التستر على تسبّب بكين في انتشار الفيروس بالتغطية على الحقيقة.

كما يتمتع رئيس وزراء المجر ونظيره الإسرائيلي الآن بسلطات شبه مطلقة لتتبع المعرضين للعدوى وحامليها؛ وحصل رئيس وزراء بريطانيا على تفويض مطلق خوَّل بموجبه رجال الشرطة اعتقال من يشتبه فيه أنه حامل العدوى؛ وتم تسجيل الكثير من الحوادث العنصرية ضد الآسيويين بشكل عام والصينيين بشكل خاص في أوروبا والولايات المتحدة، على أساس أن الفيروس "صيني".

متفائلون

لكنّ ثمة متفائلين يرون أن أزمة 2008 المالية أنموذج جيد لما يتوقعونه لعالم ما بعد كورونا. فالكاتبة الأميركية ريبيكا سولنيت تقول إن الأفكار اليسارية أصبحت منطقية تتقبلها الأغلبية، "وهناك الآن فرصة للتغيير لم تكن متوافرة قبل الوباء".

يؤمن المتفائلون بأن كورونا وفرت فرصة لإعادة تشكيل العالم، فهناك تغيرات مهمة حدثت، مثل كشف كورونا أن النظام السياسي الحالي لم يعد يصلح للاستمرار، فحتى قبل كورونا فقد آلاف البشر حياتهم ووظائفهم بسبب أمراض معروفة كان يمكن معالجتهم لولا القرارات السياسية التي حالت دون ذلك؛ حدث ذلك ببطء ومن دون هستيريا جماعية ومن دون أن تغير المزاج البشري العام، فواصل الناس حياتهم اليومية من دون شعور بالخطر، وبالتالي يتغلب الشعور الخاص بالرغبة في المحافظة على الوضع الراهن كأن لا بديل له.

إلى ذلك، أظهر هذا الوباء كيف تدير الأنظمة الحاكمة الأزمة على أساس أن الشعب جزء منها، ويتخذون إجراءاتهم على هذا الأساس، بدلاً من أن يكون الشعب حجر الزاوية في التصدي للكارثة، وهذا يدل على عدم كفاءة الأنظمة. وهذا صار باديًا للعيان في دول العالم كافة، خصوصًا في دول العالم المتقدم.

وبفعل كورونا، لن يكون مسموحًا عودة الأمور إلى ما كانت عليه، لأنها لم تكن جيدة في الأصل، فالعالم اليوم محكوم بمشاعر مرتبكة، لا بسبب احتمال إصابة أي شخص بالعدوى في أي لحظة وأي مكان أو احتمال أن يكون حاملاً للفيروس من دون أن يعرف فحسب، بل لأن الجائحة أثبتت بالدليل القاطع أن لا ثابت في العالم، وأن المتغير هو الذي يحكم. هذه حقيقة بسيطة فعليًا، لكنها تحث الشعوب على الإقبال على التغيير، لذا ربما نرى تبدلات دراماتيكية في أي انتخابات مقبلة بعد انحسار كورونا.