يستمر التوتر في مدينة طرابلس شمال لبنان في ما يبدو موجة ثانية من ثورة 17 أكتوبر، لكن دموية هذه المرة، بعدما وصل الثوار إلى طريق مسدود مع الحكومة، فبدأوا إحراق المصارف والاشتباك مع القوى الأمنية.

إيلاف من بيروت: فيما تستمر السلطات اللبنانية في التحذير من الموجة الثانية من جائحة كورونا، ممددة التعبئة العامة أسبوعًا بعد آخر، هبت في الليلة الماضية الموجة الثانية من ثورة 17 أكتوبر الاجتماعية، على وقع التردي الاقتصادي اللبناني الذي لم يسبق له مثيل، مع بلوغ سعر الدولار الأميركي عتبة الخمسة آلاف ليرة لبنانية، لأول مرة في تاريخ الأزمات اللبنانية المتتالية.

لكن، ما يلفت في هذه الموجة الثانية تخليها عن مبدأ السلمية، بعدما تبين لثوار لبنان أن السلطة مستمرة في سياستها الاقتصادية والاجتماعية، غير عابئة بمصائب الناس. فالصدامات المستمرة واستهداف المصارف في مناطق مختلفة تنبئ بموجة ثانية دموية من ثورة اللبنانيين على طبقة سياسة تنهبهم منذ ثلاثة عقود.

توتر مستمر

اليوم الثلثاء، يستمر التوتر مخيمًا على مدينة طرابلس شمال لبنان، بعد تشييع الشاب فواز فؤاد السمان (26 عامًا) الذي توفي متأثرًا بجروح أصيب بها إثر حوادث الليلة الماضية. وساد التشييع غضبي شعبي كبير، خصوصًا أنه أول "شهيد" للانتفاضة الشعبية اللبنانية بعد أزمة كورونا.

وكانت شقيقة الشاب فواز السمان فاطمة شقيقها على حسابها في "فايسبوك" فكتبت:"استشهد أخي فواز فؤاد السمان، ٢٦ عام، متأثراً بجراحه نتيجة رصاصة حية خلال مواجهات الثوار مع الجيش أمس في طرابلس".

وقام أشخاص بإحراق المبنى الكامل الذي فيه فرع بنك التمويل العربي في طرابلس، بعد توتر ليلي تخلله إحراق وتكسير واجهات بعض المصارف في المدينة. كما أحرقوا مكتب الوزير والنائب محمد كبارة.

وأطلق الجيش اللبناني القنابل المسيّلة للدموع والرصاص المطاطي لإبعاد المتظاهرين عن المصارف، فيما حضر الدفاع المدني لإخماد النيران. وأقدم متظاهرون اليوم على إضرام النار في آليتين لقوى الأمن الداخلي بعد تحطيم زجاجهما. وعملت فرق الدفاع المدني على إخماد النيران.

معارك ليلية

بعد قطع للطرقات في مختلف أنحاء لبنان نهارًا، وتوتر بالغ في منطقة الزلقا الساحلية إثر صدامات بين المحتجين والقوى الأمنية، اندلعت مساءً اشتبكات عنيفة في طرابلس، بين المحتجين الملوحين بثورة جياع "تنهب الأخضر واليابس"، وبين الجيش اللبناني أسفرت عن عدد كبير من الجرحى من الجانبين، وعن مقتل السمان برصاص القوى الأمنية.

نزل عدد من المحتجين إلى شوارع المدينة، وحطموا واجهات بعض المصارف وأحرقوا بعضها الآخر، محملين القطاع المصرفي المسؤولية عما وصلت إليه حالهم من فقر مدقع، خصوصًا بعد حجز هذه المصارف أموال المودعين وتقتيرها. أطلق عناصر الجيش النار على المحتجين، ما حدا بهؤلاء إلى إحراق آلية عسكرية.

واتخذت جمعية المصارف اللبنانية قرارَا خلال الليل بإقفال جميع فروع المصارف في طرابلس حتى استتباب الأمن.

جرحى من الجانبين

صدر الثلثاء عن غرفة عمليات جهاز الطوارئ والإغاثة في الجمعية الاطبية الإسلامية بطرابلس بيانًا أكدت فيه إصابة أكثر من 28 شخصًا بينهم 5 عسكريين بجروح ورضوض عديدة نتيجة الرصاص الحي والمطاطي وتراشق بالحجارة.

وأصدر الجيش اللبناني بيانًا اتهم فيه مندسين بالقيام بأعمال شغب وبالتعرض للأملاك العامة والخاصة في طرابلس، معلنًا إصابة 40 عسكريًا بينهم 6 ضباط. وقال البيان إن وحدات الجيش أوقفت في المدينة 9 أشخاص لإقدامهم على رمي المفرقعات والحجارة على منزل النائب فيصل كرامي، ورشق عناصر الدورية الموجودة في المكان بالحجارة وافتعال أعمال شغب وإحراق ثلاثة مصارف وعدد من الصرافات الآلية واستهداف آلية عسكرية بزجاجة حارقة، ورمي رمانة يدوية باتجاه عناصر الدورية ما أدى إلى إصابة ضابط وعسكري.

نوايا خبيثة!

في تعليق على ما حصل، قال حسان دياب، رئيس الحكومة اللبنانية التي يدعمها حزب الله: "نحن مع كل تعبير ديمقراطي لكننا نرفض بشدّة كل المحاولات الخبيثة لتشويه هذا التعبير عبر تحويله إلى حالة شغب تؤدي إلى الإساءة لهموم الناس وبالتالي الاستثمار السياسي في حالة الشغب لخدمة مصالح شخصية وسياسية".

أضاف: "ما حصل في بعض المناطق من اعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وما تخلله من استهداف للجيش يؤشر إلى وجود نوايا خبيثة خلف الكواليس لهز الاستقرار الأمني وهذا لعب بالنار".

وغرد الوزير والنائب السابق محمد الصفدي قائلًا:"نحذر من إيقاظ الفتنة وإعادة استخدام طرابلس وشبابها مرة جديدة وزجهم في النزاعات السياسية بدل التعاضد والتضامن من الجميع من أجل خير المدينة ومساعدة شبابها على تخطي هذه المرحلة الصعبة".

أضاف: "ما يحصل في طرابلس من حوادث تؤدي إلى وضع بعض شباب طرابلس في مواجهة شباب الجيش اللبناني إنما يصب في هذا الإطار".

تصعيد سياسي

ترافق هذا التصعيد الاجتماعي مع تصعيد سياسي، خصوصًا بعد هجوم كل من وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وسمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، على دياب وحكومته، وبعد اتهامه بأنه ينفذ انقلابًا على النظام اللبناني، تلبية لأوامر حزب الله، خصصوًا بعدما هاجم دياب علانية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، واتهمه بأنه مسؤول عن خراب البلاد بهندساته المالية التي أودت بالمال العام، علمًا أن حزب الله يعمل بكل ما أوتي من قوة لإطاحة سلامة، إذ يتهمه بأنه ينفذ أجندات أميركية في القطاع المصرفي اللبناني.

وكان جنبلاط قال لـ"العربية" الإثنين إن حزبه يعترض على نهج الرئيس اللبناني ميشال عون وحزب الله "الانقلابي"، واصفًا دياب بأنه "لا شيء"، ومتهمًا عون باعتماد سياسة إلغاء بدأها في عام 1988.

أضاف أن حزب الله والتيار الوطني الحر يحركان الحكومة، وأنه جاهز للمحاكمة "شرط أن يكون الجميع تحت القانون في لبنان"، رافضًا العودة إلى سياسة الأحلاف في لبنان.

وبعد تهديد حزب الله جنبلاط "في الشارع"، غرد عبر تويتر قائلًا: "سنتابع الطريق الاعتراضي الديمقراطي بكل هدوء"، مهيبًا بـ "المناصرين والرفاق أن يحذروا من المندسين".

أما جعجع فأكد لـ "العربية" ضرورة قيام جبهة معارضة لحزب الله، وقال إن حكومة دياب لم تحقق أي شيء للبنان، وإنه لن يشارك بأي حكومة يسيطر عليها حزب الله، معلنًا تواصله مع تيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، والحزب التقدمي الإشتراكي، لبناء تفاهم مشترك.