قرر الكثير من الدول رفع قيود الحظر المفروضة اجتماعيًا واقتصاديًا بسبب جائحة كورونا. أغلبية قراء إيلاف ترى أن رفع التدابير الطارئة سابق لأوانه، خشيةً من موجة ثانية ربما تكون أسوأ وأعتى من الأولى.

إيلاف من الرياض: بعد أشهر من الإغلاق التام بسبب جائحة كورونا، بدأت بعض الدول في التخفيف من حدة القيود المفروضة على شعوبها.

وفي شأن الإجراءات الاحترازية وتقليصها في الآونة الأخيرة، أصدرت منظمة الصحة العالمية دليلًا إرشاديًا يساعد الدول في اتخاذ قراراتها، علمًا أن المنظمة تؤكد أن المسألة برمتها متوقفة على عوامل مختلفة، أولها أن تكون الجائحة تحت سيطرة السلطات المعنية في كل بلد؛ وثانيها التزام شديد بتعليمات التطهير وغسيل الأيدي والتباعد الاجتماعي في أماكن العمل ومنع الفئات الهشة من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة من العودة إلى الحياة الطبيعية الآن.

في هذا الإطار، سألت "إيلاف" القارئ العربي: "هل تعتقد أن التخفيف من القيود المفروضة بسبب كورونا سابق لأوانه؟". استجاب لهذا الاستفتاء 644 قارئًا، أجاب منهم 400 قارئ بـ "نعم"، بنسبة 62 في المئة، وأجاب منهم 244 قارئًا بـ "لا"، بنسبة 38 في المئة.

ننقذ الاقتصاد!

لا بد من أن أنصار الـ "لا" ينطلقون من حاجة الناس إلى العمل، ومن حاجة العجلة الاقتصادية إلى الدوران.

فالقيود الصارمة التي فرضها وباء كورونا أفقدت الملايين وظائفهم وأنهكت اقتصادات عدة في العالم، حتى أنها دمرت بعضها. لذا، تجد الحكومات في العمل كي تصل إلى توازن ما بين السلامة العامة وكسب لقمة العيش في حدها الأدنى.
من هذا المنطلق، عاد في منتصف أبريل الماضي عاملون في قطاعات اقتصادية إلى وظائفهم في إسبانيا، علمًا أنها من أكثر الدول تضررًا من كورونا.

وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إن على حكومته أن توازن استجابتها لأزمة كورونا التي تهدد بتدمير الأرواح والنسيج الاقتصادي والاجتماعي الإسباني.

سمحت الحكومة الإسبانية للعمال بالعودة إلى بعض وظائف المصانع والبناء، لكن متاجر البيع بالتجزئة بقيت مغلقة، مع تشجيع موظفي المكاتب على العمل من المنزل.

وتوجه عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني، إلى البلدان الأكثر ثراءً والمؤسسات المالية الدولية طالبًا منها تخفيف عبء الديون عن الدول الفقيرة، فالإغلاق القسري شل الاقتصادات المضطربة وسبب الجوع على نطاق واسع.

تعد فرنسا رابع دولة في العالم لجهة تسجيل وفيات بكورونا بعد الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا، وهي تنوي البدء بتخفيف القيود اعتبارا من 11 مايو. وفي إيطاليا يبدأ تخفيف القيود في 3 مايو، علما أن الشركات تعيد تدريجًا فتح أبوابها وإن جزئيًا ووسط تدابير صحية مشددة.

تشهد الولايات المتحدة صراعا بين رئيسها دونالد ترمب الداعي إلى تسريع استعادة النشاط الاقتصادي، وحكام بعض الولايات الديمقراطيين على خلفية تدابير الحجر. أما في إسرائيل، فقد وافقت الحكومة على تخفيف بعض القيود اعتبارا في إطار خطة "مسؤولة وتدريجية"

خوف من موجة ثانية

في المقابل، يؤكد أنصار الـ "نعم" أن الخوف شديد من موجة ثانية، وربما ثالثة، من الفيروس ربما تكون أشد وطأة من الأولى أن تسرع العالم إلى العودة اعتباطيًا إلى الحياة الطبيعية.

ويسوق هؤلاء دليلًا على رأيهم، وهو ما نشرته "تلغراف" البريطانية في 29 أبريل الماضي عن جزيرة هوكايدو اليابانية التي تعرضت لموجة ثانية من الإصابات والوفيات بكورونا، ‏بعدما اتخذت سلطاتها قرارًا بإيقاف إجراءات الإغلاق ورفعت الطوارئ التي طبقتها إثر اكتشاف حالات ‏إصابة بالفيروس في 29 الماضي.‏

ووفقًا لصحيفة "تلغراف"، تشهد المنطقة التي توجد فيها الجزيرة في شمال اليابان تلك الموجة الثانية ‏التي يقول الخبراء إنه كان يمكن تجنُّبها، لو لم يتم رفع حالة الطوارئ مبكرًا جدًا.‏ وكانت جزيرة هوكايدو أنموذجًا لكيفية التحكم في تفشي الفيروس، لكنها أصبحت حالة ‏تدرس للتأثير الذي يمكن أن تحدثه الجائحة إذا تم تخفيف إجراءات الإغلاق مبكرًا، فالخبراء ‏يقولون إنهم يأملون أن تتعلم المدن والدول الأخرى التي تحاول رفع القيود المفروضة على السفر والعمل ‏والمدارس من تجربة هوكايدو.‏

فبعد تدابير صارمة جدًا أدت إلى الحد من عدد الإصابات في أسبوعين، افترضت السلطات أن الجائحة ولت فأعادت تشغيل اقتصادها رافعة حال الطوارئ في 19 مارس، لكنها ما لبثت أن أعادت الإغلاق الكلي مجددًا، بعد 26 يومًا فقط، وبعد الإبلاغ عن 135 ‏إصابة جديدة في أسبوع. واتفق الخبراء حينها على أنه كان من السابق لأوانه رفع القيود المفروضة.

الجزائر أيضا تمثل نموذجا لما يمكن أن يحصل في حال التسرّع في تخفيف اجراءات العزل الصحي، إذ تراجعت السلطات عن قرار فتح المحلات التجارية في رمضان بعد أسبوع واحد من فتحها، واستندت السلطات في قراراتها بالاغلاق إلى ما أسمته "بعض التصرفات غير المسؤولة لبعض التجار والمواطنين في ما يتعلق بعدم التقيد بالتدابير الصحة الإحترازية الملزمة وما ينعكس على الصحة العمومية وسلامة المواطنين وكذا النظام العام".

كما تعود أسباب اتخاذ هذا القرار إلى "المنحنى التصاعدي لحالات الإصابة بفيروس كورونا، والتي بلغت في آخر حصيلة لوزارة الصحة أعلنت عنها اليوم الأحد ب179 إصابة جديدة خلال ال24 ساعة الأخيرة".

"الأسوأ مقبل"

هذا السيناريو ممكن الحصول في أي دولة. من هذا المنطلق، أوصت منظمة الصحة العالمية منتصف أبريل الماضي بضرورة أن يكون أي رفع لإجراءات العزل العام المفروضة لاحتواء فيروس كورونا المستجد تدريجيًا وبطيئًا، فإذا جرى تخفيف القيود قبل الأوان ستكون هناك عودة للعدوى.

قال تاكشي كاساي، المدير الإقليمي لمنطقة غرب المحيط الهادي في المنظمة، إن إجراءات العزل العام أثبتت فاعليتها وينبغي الاستعداد لأسلوب حياة جديد يسمح للمجتمع بالعمل مع استمرار جهود احتواء الفيروس، "فعملية التكيّف مع الوباء ستكون هي الوضع الطبيعي لحين التوصل إلى لقاح".

وكان تيدرس أدهانوم غبريسوس، مدير منظمة الصحة العالمية، حذر من أن "الأسوأ مقبل" في ما يتعلق بتفشي كورونا، ليدق بذلك أجراس خطر جديدة بشأن الجائحة، من دون أن يحدد بالضبط سبب اعتقاده أن تفشي الجائحة التي أصابت قرابة مليوني ونصف المليون شخص وقتلت ما يزيد على 166 ألفا، بحسب إحصاءات جمعتها جامعة جونز هوبكنز، قد يزداد سوءا.

وهو قال للصحافيين في مقر المنظمة بجنيف: " ثقوا بنا، الأسوأ لا يزال أمامنا. فلنمنع هذه المأساة، إنه فيروس لا يزال كثير من الناس لا يفهمونه".