في زمن الحجر، أقبل كثيرون على تناول الطعام بإفراط، من باب التسلية أو من باب الخوف. وفي الحالين، زاد وزن كثيرين، وهذا في ذاته سبب للخوف. فالوزن الزائد يزيد من حدة أعراض كورونا عند الإصابة بالفيروس.

"إيلاف" من بيروت: كورونا وعزل منزلي وخوف من موجات ثانية وثالثة... كلها عوامل تؤدي إلى حصر المشوار اليومي بين غرفة النوم أو الجلوس وبين الثلاجة. فتناول الطعام صار في هذا العزل وباءً مساندًا – بشكل ما – لجائحة كورونا.

سألت "إيلاف" القارئ العربي ضمن استفتائها اليومي: "هل اكتسبت وزنًا زائدًا خلال فترة الحجر الصحي؟". شارك في هذا الاستفتاء على موقع "إيلاف" وعلى صفحاتها بمواقع التوصل الاجتماعي 364 قارئًا، توزعوا مناصفة بين 182 أجابو بـ "نعم" (50 في المئة) ومثلهم أجابوا بـ "لا" (50 في المئة).

ليس السؤال عاديًا، في البحث عمن أكل أكثر أو أكل أقل، إنما هو بحث مستفيض في ما لزيادة الوزن من خطر على صحة الإنسان في حال إصابته بعدوى كورونا المستجد.

علاقة مرضية

إذًا، نصف المحجورين أقبلوا على تناول الطعام بشراهة في أثناء الحجر المنزلي، من دون أن يعوا مخاطر ذلك. فقد أجمع الأطباء والمختصون في التغذية والعاملون في الأطر الصحية العامة المكافحة لجائحة كورونا على التحذير من الإفراط في تناول الطعام في أثناء الحجر المنزلي، فذلك ليس مفيدًا في التصدي لهذه الجائحة.

تقول الدكتورة اللبنانية دينا رسلان، المختصة في طب العائلة، لـ "إيلاف" إن الدراسات الأخيرة التي تتصل بالعلاقة بين الوزن الزائد والإصابة بفيروس كورونا المستجد تقول إن المصابين بالسمنة، أي من يزيد مؤشر كتلة الجسم (Body Mass Index) على 28، معرضون لارتفاع نسبة حدية الإصابة بكورونا المستجد، وترتفع هذه النسبة أكثر مع تزايد أرقام هذا المؤشر، "علمًا أن هذه الدراسات أخذت في الاعتبار عوامل أخرى مهمة، كالسن والوزن ووجود حالات مرضية أخرى كالسكري وارتفاع الضغط الدموي. وقد بينت هذه الدراسات أن ارتفاع مؤشر كتلة الجسم فوق 35 يؤدي إلى تضاعف خطر احتياج مرضى كورونا إلى تنفس اصطناعي سبعة أضعاف مقارنة بمن يقل عندهم المؤشر عن 25، مع أخذ العوامل الأخرى في الحسبان".

عامل مؤثر

تؤكد رسلان لـ "إيلاف" أن الوزن الزائد كان عاملًا مؤثرًا في حدة أعراض كورونا في من لم يبلغوا الستين، إذ تضاعف مرتين خطر استشفاء هؤلاء أو خضوعهم للعناية المركزة أكثر من الذين لا يعانون وزنًا زائدًا.

تقول لـ "إيلاف": "إن الروابط التي يشار إليها بين الوزن الزائد وهذا الوباء التنفسي من الفرضيات التي تشرح كيف يزيد الوزن الزائد من حدة هذا الوباء، وتناول الحديث في هذا الإطار مسائل عدة، أولها أن الوزن الزائد يسبب نوعًا من الإلتهابات في الجسم، وهذه الإلتهابات تزيد من خطر ارتفاع نسبة الليفين (fibrins) في الدورة الدموية".

تضيف لـ "إيلاف": ثانيها، الوزن الزائد يسبب تغيرات في الجهاز المناعي، فالمناعة في أصحاب الوزن الزائد أقل فاعلية منها في غيرهم، وثالثها أن أصحاب الوزن الزائد يعانون صعوبة في التنفس أكثر من غيرهم".

تلفت رسلان الإنتباه إلى أن زيادة الوزن في أثناء الحجر الصحي لا يرفع نسب الإصابة بعدوى كورونا، ولكن هذه الزيادة الطارئة في الوزن ترفع خطر اضطرار الشخص إلى الاستشفاء في المستشفى، أو حتى في غرفة العناية المركزة، أو إلى استخدام جهاز التنفس الاصطناعي، إن هو التقط عدوى كورونا".

ليس تسلية ولا دواء للرهاب

لا تنكر رسلان أن للإرهاق الناتج من رهاب كورونا دورًا في إقبال الناس على الإفراط في تناول الطعام، "وعلاج ذلك هو التكاتف العائلي في وجه كورونا، وفي وجه خوف الإصابة بكورونا، فهذا التكاتف يخفف من حدة الإرهاق النفسي، وما دام الجميع ملتزمًا الإجراءات الصحية المطلوبة ليس ما يدعو إلى الخوف".

في المقابل، تدعو رسلان في حديثها لـ "إيلاف" إلى رفع نسبة الوعي الصحي في أثناء الحجر المفروض بسبب جائحة كورونا، "فالإفراط في تناول الطعام لا يدخل في باب التسلية، وثمة طرائق كثيرة لتتعاضد العائلة بكل أفرادها مبتعدة عن اعتبار الطعام سبيلًا للترفيه عن النفس في هذه الأوضاع العصيبة، أو ربما يمكن العائلة أن تختار الطعام الصحي. كما أن الحجر المنزلي لا يمنع المحجورين من ممارسة الرياضة، فيمكنهم المشي نصف ساعة أو ساعة في اليوم بعد اتخاذهم كل تدابير السلامة والوقاية من وضع الكمامة وارتداء القفازات الطبية، أو حتى ممارسة رياضة المشي على آلة المشي المنزلية، وممارسة الحركات السويدية".

ثمة من يداوي ضعف إرادته أمام الطعام مستعينًا بعقاقير قاطعة للشهية. تلفت رسلان إلى أن ثمة أنواعا من هذه العقاقير معترفا بها عالميًا، "ويمكن الإنسان أن يستخدمها بالتأكيد بعد استشارة طبيب، شرط أن يعرف كيفية استخدامها بدقة، وهي تساعده ولا أضرار جانبية لها بالنظر إلى الخوف من تقاطعها مع الخوف من عدوى كورونا". لكن تحذر رسلان من اختيار أي عقار قاطع للشهية من الفئة التي لم تحصل على اعتراف طبي عالمي.