الرباط: بعد الجدل الكبير الذي أثاره مشروع القانون المتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي بالمغرب، وافقت رئاسة الحكومة، أخيرا، بناء على طلب من وزير العدل، على "تأجيل أشغال اللجنة الوزارية"حوله، وذلك "إلى حين انتهاء فترة الطوارئ الصحية، وإجراء المشاورات اللازمة مع كافة الهيئات المعنية".

وفي الوقت الذي "خفف" فيه قرار التأجيل من الانتقادات الموجهة للحكومة من طرف الأحزاب والنقابات وعموم الرأي العام، ظهر أن طرح المشروع لن يمر دون أن يترك أثره على مستوى البيت الداخلي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي يحمل وزيره محمد بنعبد القادر ، حقيبة العدل.

وبدأت أولى ردود الفعل، على مستوى البيت الاتحادي، منذ "تسريب" مشروع القانون، بالدفاع عن موقف الحزب، قبل أن تؤكد على أن مصادقة الحكومة، المعلن عنها في البيان الصادر عن اجتماعها يوم 19 مارس (اذار) الماضي" تجعل من الحكومة صاحبة المشروع"، مع التشديد على أن "الشرط الأقوى في إعادة تقدير الموقف، هو ذاك المرتبط بإجراء المشاورات اللازمة مع كافة الهيئات المعنية"، وذلك "حتى تتم صياغة المشروع ومناقشته والمصادقة عليه، تحت المظلة الدستورية الوطنية الحامية للحريات، وعلى قاعدة التزامات المغرب الكونية بخصوص المعايير المتعارف عليها دوليا للحقوق والحريات"؛ كما أنه "محكوم عليه بالتجاوب مع مطالب جميع المتدخلين والمعنيين والمهنيين، ومن ضمنهم كل الاتحاديات والاتحاديين الذين لم يحيدوا عن أخلاق الالتزام والمسؤولية، بالرغم من كل الهجمات الظالمة والتكالب المشبوه الذي مثَّل بحزبهم وتاريخه المشرق والمجيد".

ويرى عدد من المتتبعين للمشهد السياسي والحزبي المغربي أن "المتضرر الأكبر" من طرح المشروع، الذي صار يعرف بــ"قانون تكميم الأفواه"، هي صورة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لدى المغاربة، كحزب يشدد الجميع، بمن فيهم عدد كبير من خصومه السياسيين، أن له مكانته الاعتبارية، التي احترمه بموجبها المغاربة.

في غضون ذلك، خرجت أصوات اتحادية لتؤكد معارضتها للمشروع، وذلك لــما يحمله من تراجعات خطيرة تمس بالأساس حرية التعبير والمكتسبات الحقوقية، التي راكمها المغرب في العقدين الأخيرين، والتي "ساهم فيها الحزب "بدماء شهداء وتضحيات مناضلين قادوا جبهة النضال والصمود منذ فجر الاستقلال، همهم الوحيد في ذلك هو بناء دولة الحق والقانون والحريات، علاوة على أنه، كما جاء في بيان الامانة الإقليمية للحزب بفرنسا "يخالف مبادئ الحزب وتوجهات مناضليه ويتنافى مع المرجعيات الحقوقية الدولية التي صادق عليها المغرب"، كما "يضرب في عمق هوية الحزب ويعرض سمعته وسمعة مناضليه بالأساس لمناقصة سياسية وتاريخية غير مقبولة".

من جهتها، قالت الامانة الجهوية للحزب بمنطقة سوس - ماسة إنه "لا يمكن أن يقبل أي اتحادي صادق في هذه اللحظة الفاصلة في تاريخ المغرب المعاصر بمشروع يسعى إلى التضييق على الحريات ببلادنا، وأن يصدر ذلك المشروع عن وزارة يقودها عضو في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، وأن ذلك "أمر لا يمكن أن تقبله ، ولا أن تستسيغه ذاكرة شعبنا ومكانة الاتحاد فيها".

كما رفضت "الدفع المراوغ الرامي لتأجيل البت في هذا المشروع القانوني المكبل للحريات بمبرر (أن الوقت غير مناسب)!"، فيما "المطلوب هو جواب اتحادي جريء وواضح صادر عن مؤسسات الاتحاد المسؤولة بضرورة السحب التام للمسودة مع الاعتذار".

ولهذه الغاية، طالبت الامانة الجهوية رئيس المجلس الوطني للحزب بـ"تحمل مسؤوليته بدعوة المجلس للانعقاد"، لتقديم "تقييم سياسي علمي يسعى لإعادة بناء المشهد السياسي الحزبي والقطع مع الميوعة والسياسات الكيدية"، مع تحديد تاريخ انعقاد المؤتمر الوطني للحزب "بما يفتح باب الأمل واسعا لإعطاء انطلاقة جديدة للاتحاد تعيد له مصداقيته وتضعه في سياق بناء مغرب جديد، متقدم وواعد".

كما طالبت رئيس لجنة الأخلاقيات لــ"عرض هذه النازلة على اللجنة بحكم الصلاحيات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحزب حتى يتم اتخاذ القرار المناسب بخصوصها ويطلع عليه الرأي العام الوطني".

وكان حسن نجمي، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،قد انتقد "إمساك" ادريس لشكر الكاتب الاول ( الأمين العام) للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عن دعوة المكتب السياسي للحزب إلى الاجتماع، مشددا في تدوينة بــ"فيسبوك"، على أن "المشروع المذكور لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولا بمبادئه وقيمه ومرجعيته، وتاريخه، ومدونة نضالاته، وكتاب شهدائه الذهبي المرصع بالأسماء والتضحيات المجيدة".

ورأى نجمي أن "مسؤولية هذا الانحراف يتحملها أساسًا كلٌّ من الكاتب الأول والأخ محمد بنعبد القادر". وبعد أن اعتبر أن "عدم الدعوة إلى عقد اجتماع للمكتب السياسي بل والرد (بالإيجاب أو حتى بالسلب) على رسائل ثلث أعضاء المكتب السياسي شَكّلَا تحقيرًا لنا، واستخفافًا بأخلاق المسؤولية"، التمس "عقد اجتماع للجنة التحكيم والأخلاقيات داخل الحزب للنظر في هذا الانحراف". قبل أن يختم بالقول، إنه "في حالة لم يَدْعُ المسؤول الأول للحزب إلى اجتماع للمكتب السياسي"، سيخرِجُ النقاش الداخلي إلى الرأي العام، ويضع القاعدة الاتحادية بكاملها في "صورة الاستهتار الإرادي واللا إرادي السائد حاليا داخل القيادة الاتحادية".

محمد عبدالقادر

من جهتها، خرجت البرلمانية الاتحادية حنان رحاب، بتدوينة تحت عنوان "أخلاق الاختلاف والنقاش بمسؤولية"، شددت فيها على أنها "عندما قررت كعضوة بالمكتب السياسي لحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية المطالبة بانعقاد اجتماع المكتب السياسي للحزب"، كانت غايتها الوحيدة هي "الدفع" بحزبها إلى "الخروج بموقف واضح وصريح بخصوص مشروع قانون منصات التواصل الاجتماعي "قانون الكمامة / القانون الفضيحة""، مشيرة إلى أن "من يعرف الاتحاد الاشتراكي يعرف أنه أمر عادي ومتوارث أن يطالب مناضلوه على اختلاف مواقعهم من القيادة أن تمنحهم فرصة النقاش الجاد والمسؤول".

وزادت رحاب أن "الاتحاد الاشتراكي حزب موحد ولا وجود لأجنحة ومجموعات داخل قيادته. والنقاش والاختلاف والحوار داخله حالة طبيعية ومطلوبة. وحين ننتقد فمن موقع الحريص على مؤسسات الحزب ورصيده ومن دون شخصنة وتصفية حسابات بل لتكريس ثقافة الشفافية والمساءلة داخل الحزب مع احترام قوانين الحزب ومن داخل مؤسساته".

وشددت رحاب على أنه "لا يمكن بأي حال من الأحوال السماح باستغلال هذا الظرف في تصريف الأحقاد وتصفية الحسابات الشخصية والأنانية الخارجة عن السياق"، كما "لا يمكن التشكيك في مواقف وقناعات القيادة الحزبية فيما يخص حقوق ومكتسبات الشعب المغربي أو الطعن فيها تحت أي ظرف أو مبرر"، أو السماح بــ"الزج بالاتحاد الاشتراكي وبكل مؤسساته ومنها مؤسسة الكتابة الأولى( الامانة العامة) ومؤسسة المكتب السياسي والمجلس الوطني في المغالطات والتزييف المراد به ضرب الحزب ورصيده النضالي".

وفيما زادت الأصوات الاتحادية الرافضة للمشروع، معبرة عن وجهة نظرها بخصوص طريقة تدبير الملف، أشارت صفحة الحزب في "فيسبوك"، إلى أن الامين العام للحزب، أوضح أنه "سيقدم عرضا خلال اجتماع المكتب السياسي المرتقب"، ينتظر أن "يتناول فيه العديد من القضايا التي تحظى باهتمام الاتحاديين والاتحاديات"، كما "سيتوقف أيضا في هذا العرض عند مشروع القانون الخاص باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي".