تتحدث السلطات الأميركية منذ شهر عن ضرورة الاستعانة بـ "جيش" يضم عناصر مكلفين تعقب الناس المعرضين لفيروس كورونا المستجد وعزلهم، في ما يعتبر سلاحا أساسيا لاحتواء الوباء وإطلاق عجلة الاقتصاد إلا أن العملية لا تزال في بداياتها وتبدو صعبة جدا.

وخلال استجواب أمام لجنة برلمانية، جدد مدير المراكز الأميركية لمراقبة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) روبرت ريدفيلد الثلاثاء التأكيد على أن "التعقب" القائم على دعوة كل من خالط شخصا مصابا بالفيروس إلى وضع نفسه في الحجر الصحي، "ضروري لكسر سلاسل تفشي العدوى ومنع انتقالها على نطاق واسع".

ومنذ منتصف الشهر الماضي، تحدث حاكم نيويورك أكثر الولايات الأميركية تضررا بفيروس كورونا المستجد، عن الاستعانة بستة آلاف إلى سبعة عشر ألف عنصر للتعقب.

وفي سائر أنحاء الولايات المتحدة، يشير الخبراء إلى الحاجة لما لا يقل عن عشرة آلاف عنصر حتى بوجود التطبيقات الهاتفية التي تُطور للرصد التلقائي لحركات السكان عن طريق تحديد تموضعهم الجغرافي.

وفي أكثرية الولايات الأميركية التي يتعين على كل منها وضع برنامجه الخاص في هذا المجال، لا تزال عمليات التوظيف هذه في بداياتها.

ومع الارتفاع الكبير في نسب البطالة، بات المرشحون للعمل في هذا "الجيش" بالآلاف، غير أن عملية التعقب في نيويورك لن تنطلق قبل مطلع حزيران/يونيو، وهو التاريخ المعلن من رئاسة البلدية لإنجاز تدريب ألف عنصر.

ويوضح أستاذ الصحة العامة في جامعة هارفارد أندرو تشان لوكالة فرانس برس أن "أمورا كثيرة يجب أن تتوافر قبل البدء بعملية التعقب".

ويتعين الاستعانة بأعداد كبيرة من العناصر كما المطلوب توافر فحوص بكمية كافية لرصد جميع الأشخاص المعرضين للفيروس سريعا واقتراح مواقع ليمضوا فترة الحجر الصحي فيها إذا ما كانت منازلهم غير مهيئة لهذه الغاية.

ويشير الخبير إلى أن "غياب استراتيجية فدرالية متماسكة" أنشأ "تعددية من الجهود المختلفة" من الولايات الأميركية الخمسين بعيدا عن العملية المركزية المطلوبة لتسهيل تقاسم المعلومات كما يحصل في بلدان أخرى بينها كوريا الجنوبية.

ويلفت إلى أن هذا الوضع يتسبب "بالكثير من الفوضى والالتباس".

خوف من السلطات

وحتى بعدما يصبح العناصر جاهزين للعمل، سيكون حجم المهمة الملقاة على عاتقهم عنصرا سلبيا قد يثبط عزيمتهم.

ففي ولاية ماساتشوستس الرائدة في تنظيم عملية التعقب، لاحظ العناصر المنخرطون في هذا المسار أن "الأحاديث لم تكن سهلة ولا سريعة مع الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم" بالفيروس، بحسب تشان الذي يلفت إلى أن "تخفيف درجة القلق لديهم إزاء إصابتهم وتفصيل تبعاتها يتطلبان وقتا".

وما يفاقم الوضع في هذه الولاية كما في ولايات أخرى كثيرة أن الأقليات من السود والمتحدرين من أصول أميركية لاتينية هم الأكثر تضررا بالوباء. حتى أن بعض هؤلاء يتحدثون القليل من الإنكليزية ويواجهون خطر البطالة الفورية في حال إيداعهم الحجر الصحي.

ويؤكد جوليان دريكس المحقق في ولاية رود آيلاند المجاورة منذ آذار/مارس هذا المنحى، مشيرا إلى أن الكثير من الأشخاص الذين يجري تعقبهم هم بلا أوراق إقامة قانونية ويخشون أي احتكاك مع السلطات كما يتعين الاستعانة بمترجمين أو عناصر يجيدون لغات أجنبية للتواصل معهم، وعدد هؤلاء غير كاف حاليا.

ويلفت دريكس إلى أن "الحصول على معلومات وإرساء الثقة بحاجة إلى وقت أطول (...) لا نريد إخافتهم"، مشيرا إلى أن الكثير من العناصر يعملون "ما بين عشر ساعات واثنتي عشرة ساعة يوميا بواقع ستة إلى سبعة أيام في الأسبوع".

ويوضح تشان أن حجم المهمة المطلوبة قد يبدو "هائلا لدرجة أنه قد يكون عائقا أمام إطلاق عملية التعقب".

ويقول المسؤول الطبي في اتحاد "أستو" للمسؤولين الصحيين في الولايات الأميركية ماركوس بليشيا إن "لا بديل" عن هذه العملية أيا كانت العوائق وحتى في ظل بقاء مسألة التمويل عالقة في بعض الولايات التي انهارت عائداتها الضريبية مع الوباء.

ويشير إلى أن "الفيروس سيعود بقوة إذا لم نجر عملية تعقب على نطاق واسع".