الرباط: دعت أرضية توجيهية للامين العام لـ "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المشارك في الحكومة، تروم تأطير النقاش داخل الحزب اليساري حول تدبير الوضعية الراهنة، التي يشهد فيها العالم تفشي فيروس "كورونا"، إلى تشكيل "كتلة وطنية لا تستثني أحدا (أغلبية ومعارضة، أحزابا ونقابات، جمعيات وأفراد)"، وإلى "جبهة متراصة لتقديم التضحيات اللازمة من أجل الخروج من هذه الأزمة"، حيث "لا مجال للذاتية كيفما كان نوعها".

وجاءت الوثيقة لـ"تغذية الحوار الحزبي" و"استشراف المستقبل"، بشكل يجعل من جائحة (كورونا) "فرصة لانطلاق النموذج التنموي الجديد على أسس سليمة".

ورأت الوثيقة أن "الخطة الوطنية متعددة الأبعاد التي باشرها المغرب، والتي انخرط فيها الجميع منذ اليوم الأول لم تكن لتتحقق على أرض الواقع لولا التدخل المسؤول للدولة وثقة المواطن في المؤسسات الوطنية"، مشيرة إلى "التناغم بين الدولة بمختلف مؤسساتها وسلطها التنفيذية والتشريعية والقضائية التي تحمي حياة ومصالح مواطنيها، والمجتمع الذي يلتزم بقرارات وإجراءات مؤسساته". ودعت، في هذا السياق، إلى الحفاظ على هذه "اللحمة" وحمايتها من أي "تشويش" وعدم "هدر" هذا الرصيد بسبب "تجاذبات أو حسابات سياسية ضيقة قد تعصف بمصلحة البلاد".

وانطلقت الوثيقة من "حياة الانعزال والحجر الصحي" التي يعيشها العالم، لأكثر من ثلاثة أشهر متواصلة، من أجل محاصرة جائحة (كوفيد 19)، التي أبانت، على صعيد العالم، أن "المخاطر التي كنّا نتأهب لمواجهتها ونتسلح لحماية أنفسنا وأوطاننا منها ليست هي المخاطر الحقيقية أو على الأقل لن تكون هي المخاطر التي قد تفتك بالبشرية".

وشددت الوثيقة على أن لهذه الجائحة "تبعات أقوى من الحروب والأزمات الاقتصادية"، ستدفع لــ"مساءلة منظماتنا الدولية والإقليمية التي عجزت عن التعامل مع هذه الأزمة الجديدة بكل المقاييس"، الشيء الذي يتطلب "تعاقدا عالميا جديدا يتجاوز الدفاع عن الحقوق السياسية والاجتماعية- الاقتصادية والثقافية إلى الدفاع عن حقوق الكوكب والأجيال الصاعدة"، وإلا فإن "هذه الجائحة قد تصبح الضربة القاضية على منظمة تتعالى منذ مدة الأصوات المنددة بعجزها عن الدفاع على القيم التي أسست لأجلها".

وعلى المستوى الاقتصادي العالمي، تضيف الوثيقة، فــ"يبدو أننا دخلنا في أزمة اقتصادية فريدة من نوعها، أزمة افتعلتها دول العالم بشكل إرادي، لأننا نعتبر الحق في الحياة أسمى من أي حق آخر". فيما تتمثل "خصوصية هذه الأزمة الاقتصادية"، في أنها "أزمة عرض وطلب في نفس الوقت. وهذا ما يجعلها أقوى أزمة اقتصادية يواجهها العالم في المائة سنة الماضية"، الشيء الذي جعل الدول العظمى "تتأهب لعيش أيام عصيبة خاصة مع ما أعلنه صندوق النقد الدولي وحكومات بعض الدول من توقعات ركود اقتصادي قد يصل إلى 8 بالمائة في منطقة اليورو و14 بالمائة ببريطانيا وفقدان لمناصب الشغل يناهز 20 بالمائة بل و30 بالمائة في بعض القطاعات، الشيء الذي يفسر السياسات الإرادوية التي تنهجها هذه الحكومات وبنوكها المركزية، بل منها من بدأ ينادي بسياسات اقتصادية سيادية".

في هذا السياق، شددت الوثيقة على أن "هذا الانغلاق على الذات مفهوم وضروري في ظروف الحجر الصحي ولكنه غير مستدام بالنظر إلى الترابط الذي يطبع اقتصاد الدول"، مشددة على أننا "لسنا مضطرين للاختيار بين الليبرالية المتوحشة، من جهة، والسياسات الحمائية المنغلقة (الشوفينية)، من جهة أخرى"، إذ أنه "من الممكن إعادة النظر في سلاسل الإنتاج العالمية في المستقبل، مستحضرين ضرورة "تأمين حد أدنى من الاكتفاء الذاتي من بعض المنتجات وتكوين مدخرات استراتيجية من المواد التي يستحيل انتاجها محليا"، و"تخفيض بصمة الكربون للسلع"، و"تجاوز منطق السلع الأرخص لصالح السلع الأجود والأكثر استدامة بيئيا واجتماعيا".

كما شددت الوثيقة على أن "ظروف الحجر الصحي أظهرت للجميع أهمية القطاع العمومي وفعاليته بل وحيوية الأدوار التي يقوم بها والتي يستحيل على القطاع الخاص تأمينها".

وذكّرت الوثيقة بوضعية المغاربة العالقين في الخارج والمجهود الذي تقوم به قنصليات المملكة لمواكبتهم، مستدركة بأن "طول مدة الحجر الصحي وغياب أفق قريب لفتح الحدود يستدعي التدخل العاجل للحكومة من أجل إرجاعهم لذويهم".

ورأت الوثيقة أن "الخطة الوطنية متعددة الأبعاد التي باشرها المغرب، والتي انخرط فيها الجميع منذ اليوم الأول لم تكن لتتحقق على أرض الواقع لولا التدخل المسؤول للدولة وثقة المواطن في المؤسسات الوطنية"، مشيرة إلى "التناغم بين الدولة بمختلف مؤسساتها وسلطها التنفيذية والتشريعية والقضائية التي تحمي حياة ومصالح مواطنيها، والمجتمع الذي يلتزم بقرارات وإجراءات مؤسساته". ودعت، في هذا السياق، إلى "الحفاظ على هذه اللحمة وحمايتها من أي تشويش، وعدم "هدر" هذا الرصيد بسبب "تجاذبات أو حسابات سياسية ضيقة قد تعصف بمصلحة البلاد".

واعتبرت الوثيقة أن "المرحلة المقبلة مرحلة دقيقة"، تقتضي مواصلة الالتزام بالتدابير الاحترازية والوقائية المتخذة والانضباط المستمر للإجراءات والقرارات المؤسساتية المرتبطة بحالة الطوارئ الصحية، كما تستلزم "المحافظة على روح التضامن التي سادت بين مختلف الفئات المجتمعية.

وأشارت الوثيقة إلى أن المغرب يعرف نقاشا مؤسساتيا ونقاشا عموميا موازيا، حول موضوعين أساسيين، يهم الأول منهما طريقة تدبير الأزمة في أفق الحد من انتشار جائحة (كورونا) أو حتى القضاء عليها، ويهم الثاني محاولة استشراف آفاق ما بعد هذه المرحلة.

ورأت الوثيقة أن اقتصاد المغرب تأثر بما فرضته جائحة (كورونا) من توقيف للآلاف من المقاولات بمختلف أصنافها، فيما يرتبط مآل هذه الجائحة بكل المجتمع الدولي، وبالتالي "لا يُمكننا التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع بشكل دقيق، ولا المدة التي ستستغرقها، وما نحن متأكدين منه، هو أن الآثار ستكون سلبية ووخيمة على الاقتصاد الدولي، وأن تداعياتها ستزيد من حدة الآثار الداخلية".

وتناولت الوثيقة جملة من العناوين والمحاور، ذات الطابع الوطني. فعلى مستوى "حماية صحة المواطنين وضمان العيش الكريم"، دعت إلى معالجة اختلالات المنظومة الصحية عبر إقرار نظام شامل للمساعدة الطبية يقوم على الإنصاف والعدالة الترابية واعتماد تصور شمولي في معالجة المجال الصحي لا يقوم على النموذج الطبي ذي التوجه الباثولوجي والعلاجي المحض"، والنهوض بالقطاع الصحي و"طي صفحة الماضي المتجاهلة للاختلالات في الخريطة الطبية وقلة الموارد البشرية وضعف الإمكانيات المادية وغياب التغطية الاجتماعية الشاملة"، واستغلال هذه الفرصة "لتوسيع قاعدة المنخرطين في نظام الضمان الاجتماعي،من جهة، ولتسجيل كل الفئات الأخرى في نظام المساعدة الاجتماعية (راميد)".

وتوقفت الوثيقة عند "شبكات الأمان الاجتماعي"، كما توسعت في الحديث عن "المنظومة التربوية" التي وضعها الحجر الصحي أمام "تحديات جديدة تضاف إلى مهامها المعتادة كالتعليم عن بعد، أو البحث العلمي في الميادين المرتبطة بالوباء ومخلفاته. مما بين بالملموس الدور المحوري لهذه المنظومة، التعليم من جهة ومحدودية الاختيارات النيو- ليبرالية في السنوات الأخيرة، من جهة أخرى".

وشددت الوثيقة، في هذا السياق، على أن الوضعية الصعبة برهنت على أن "التعليم العالي العمومي ليس مجرد قمة لهرم المنظومة التعليمية، بل يجب اعتباره الدعامة الأساسية التي تساهم في تقدم البلاد،وفي دمقرطة مؤسساتها، وفي بناء مجتمع حداثي تسود فيه العدالة الاجتماعية"، إذ "ينتج المعرفة الجديدة اللازمة لتكوين الكفاءات الضرورية التي تحتاج إليها البلاد كالأطباء والممرضين والمهندسين والتقنيين والأساتذة والمفكرين والموظفين والمقاولين والفنانين وغيرهم".

وأكدت الوثيقة أن مجانية التعليم حق للشعب المغربي والتزام وتعاقد من طرف الدولة مع المجتمع، داعية إلى ضرورة توفير العدالة الرقمية واللغوية لكافة فئات الشعب المغربي.

وبخصوص مسألة اللغة، دعت الوثيقة إلى تعزيز الوضعية الثقافية والاعتبارية للغتين: العربية والأمازيغية، وفي نفس الوقت الانفتاح على اللغات الأخرى التي تعتبر مفتاح العلوم في عالم اليوم. ورأت أن "محو الفوارق الطبقية" يمر عبر تكافؤ الفرص في التعليم لتمكين كل أبناء الشعب من الحصول على أدوات المعرفة ذاتها وبنفس الطريقة والوسيلة، مع اعتماد برامج ومناهج لتملك أدوات الفكر العقلاني والنقدي ووضع بين أيدي الجيل الجديد الوسائل والمفاتيح لانخراطه في الثورة العلمية راهنا ومستقبلا.

وتحت عنوان "وضع الحجر الأساس لاقتصاد وطني جديد"، رأت الوثيقة أن "أولوية التصدي لمخاطر السيولة لا يجب أن تخفي المخاطر المحدقة الأخرى"، فيما يبقى "سن سياسة جبائية منصفة ومتوازنة له ضرورة حيوية في مغرب ما بعد (كورونا)، ضمانا "لمواجهة أزمات مستقبلية بشكل أنجع وأقل كلفة على المالية العمومية، وليكون لسياستنا الاقتصادية مفعول أكبر"، مع "دعم الإنتاج الوطني حتى لا يجرنا دعم الاستهلاك إلى الرفع من الواردات"، فيما يقتضي تشجيع رأس المال الوطني المنتج والمشغل والمبدع،تقول الوثيقة "القطع التام مع اقتصاد الريع والمضاربة والاحتكار وغيرها من ظواهر الربح السريع الذي يخلق الثروة للقلة القليلة لكنه لا يخلق أية قيمة مضافة للوطن أو المواطن".

و"بما أننا بصدد وضع الحجر الأساس لنموذج تنموي جديد"، تضيف الوثيقة، فــ"لا بد من ابتكار أساليب جديدة لإنتاج الثروة خاصة مع الارتباك الذي أحدثته الجائحة في بعض القطاعات الاقتصادية، والذي يستحيل معه عودتها لسابق عهدها".

وأكدت الوثيقة، في هذا السياق، أنه من المستعجل طرح تعديل قانون المالية 2020 على البرلمان،والبدء بإعداد سيناريوهات مشروع قانون المالية 2021، ما دام أن الأمر يتعلق بـسباق دائم مع الزمن لتدبير هذه الأزمة وتبعاتها.

ودعت الوثيقة إلى "تتبع ومراقبة ما سيجري في مرحلة رفع الحجر واستخلاص الدروس والتجاوب بسرعة لإعادة النظر إذا استدعى الأمر، في الإجراءات التي ستتخذ".

وعلى مستوى "حماية النساء"، دعت الوثيقة إلى "ترسيخ المناصفة والمساواة والكرامة الإنسانية من أجل محاربة الإقصاء والتهميش وترسيخ الشعور بالانتماء لدى مختلف الفئات الاجتماعية".

وفيما يتعلق بالجانب المؤسساتي، قالت الوثيقة إن الدفاع عن "دور الدولة" في تحسين ظروف معيشة الفئات الأكثر تضررا داخل المجتمع ودعم المقاولات المحققة للنمو "ليس وليد الأزمة وليس شعارا فضفاضا ولا موقفا انتهازيا".

ورأت الوثيقة أن التعبئة الوطنية الأخيرة، التي بدأت مع الدعوة إلى نموذج تنموي جديد، وترسخت في زمن الطوارئ الصحية، تقتضي مواصلة الإصلاحات السياسية ومن أهمها "مراجعة المنظومة الانتخابية" و"توسيع مجال تقاسم السلط بين مراكز الدولة والمجالات الترابية اللامركزية" و"التفعيل الجيد لاستقلال السلطة القضائية" و"التسريع بتفعيل القرارات والإجراءات المتعلقة برقمنة الإدارة العمومية".

وعلى المستوى الحزبي، دعت الوثيقة إلى "تقوية البيت الاتحادي وتطوير أدائه الحزبي، بما يمكنه من الاستيعاب العقلاني للتحولات العالمية والمحلية التي نتجت عن انتشار (كوفيد 19)، مشددة على الحاجة إلى التحلي بــ"اليقظة والحرص على متابعة التغيرات الجارية"، واستثمار "الدينامية الحزبية" و"تعزيز الحوار الداخلي والتحاق أطر وكفاءات حزبي وسياسية من الطيف اليساري".