سُجّلت أعلى حصيلة يومية للوفيات بفيروس كورونا المستجد في البرازيل كبرى دول اميركا اللاتينية التي بدأت تشعر بتأثير الوباء بقوة في حين وافقت منظمة الصحة العالمية على التحقيق في تصديها للأزمة.

ومع وصول عدد الإصابات بشكل متسارع إلى خمسة ملايين بينما تجاوزت الوفيات 320 ألفا في ظل اقتصاد عالمي مدمّر، تسود مخاوف من أن القادم أسوأ في المناطق الأكثر فقرا في العالم التي تحاول جاهدة احتواء تفشي الفيروس.

وارتفعت الحصيلة بشكل مثير للقلق في البرازيل الثلاثاء إذ تجاوز عدد الوفيات بكوفيد-19 خلال 24 ساعة الألف لأول مرّة، 1179 حالة تحديدا، لكن الرئيس اليميني المتشدد جايير بولسونارو لا يزال معارضا بشدة لتدابير الإغلاق التي قال إنها غير ضرورية أمام ما وصفه بـ"مجرّد إنفلونزا صغيرة".

ورفض بولسونارو قبول نصائح الخبراء في التعامل مع الجائحة، ومارس ضغوطا على حكام الولايات لإنهاء تدابير العزل المنزليّ.

وقال المتقاعد غلبيرتو فرييرا في ريو دي جانيرو إن "بلدنا ينتقل من سيء إلى أسوأ، الوضع يزداد سوءا. لدينا حكومة غير فعالة والناس كذلك لا يلتزمون بالقواعد (التي يفرضها) الوباء".

ويسجل عدد الإصابات في البرازيل، الثالث في العالم، تزايداً بالآلاف، ويرجّح أن يتسارع تفشي الوباء في سادس أكبر دولة في العالم ولا يتوقع أن يبلغ ذروته قبل مطلع يونيو.

ودفع ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد في أميركا اللاتينية بعض المناطق إلى تعليق خططها لتخفيف القيود، كما هو الحال في كوردوبا ثاني مدن الأرجنتين، التي تراجعت عن خطتها لتخفيف تدابير الإغلاق جرّاء ارتفاع عدد الإصابات.

وصدرت تحذيرات من تداعيات الوباء على المجتمعات الأكثر فقرا إذ قال رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس الثلاثاء إنه قد يدفع بما يقارب من 60 مليون شخص "إلى الفقر الشديد".

وفي مؤشر مثير للقلق على تفاقم الضغوط الاقتصادية، نشرت سلطات تشيلي التي تعاني كذلك من ارتفاع كبير في عدد الإصابات، جنودا على أطراف عاصمتها سانتياغو التي تشهد إغلاقا بعدما اندلعت صدامات مع متظاهرين غاضبين من نقص الغذاء وخسارة الوظائف.

وقال نجّار عاطل عن العمل يدعى خورخي "لا يملكون وظائف. وتم عزلهم في منازلهم ولا يمكنهم الخروج للبحث عن عمل. إنهم يجبرون العامل التشيلي على السرقة".

وقالت حارسة الأمن العاطلة مونيكا سيبولفيدا (46 عاما) "الناس ليس لديهم عمل، ليس لديهم مال وليس لديهم طعام".

وتعيش سيبولفيدا في حي إل بوسكي الذي شهد صدامات بين سكان مسلحين بهراوات وشرطة مكافحة الشغب.

على الجانب الآخر من العالم، تعمل السلطات جاهدة على نقل السكان إلى مكان آمن وتحاول في الوقت ذاته منع تفشي فيروس كورونا في وقت يضرب أشد أعصار يشهده خليج البنغال منذ عقود مناطق يقطنها الملايين في شرق الهند وبنغلادش.

وفي إفريقيا، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن الوباء ما زال في "أيامه الأولى"، داعيا إلى "تضامن عالمي" مع القارة.

وقال إن "الوباء يهدد التقدم الإفريقي".

وأضاف غوتيريش أنّ الوباء "سيعمل على مفاقمة التفاوتات طويلة الأمد وسيزيد الجوع وسوء التغذية والتعرض للأمراض"، داعيا إلى تحرك دولي لدعم النظم الصحية في إفريقيا والحفاظ على الإمدادات الغذائية.

وفي أوروبا حيث يتم تخفيف إجراءات الإغلاق المعمول بها منذ أسابيع، يسعى المسؤولون جاهدين لمحاولة إنقاذ موسم السياحة الصيفية، وهو موسم حاسم لاقتصادات أوروبا.

ومن المقرر أن يعقد وزراء السياحة في الاتحاد الأوروبي اجتماعا افتراضيا الأربعاء، وستعلن السلطات في اليونان عن خطط لإعادة فتح البلاد أمام المسافرين.

سجّلت روسيا أعلى عدد يومي للوفيات حتى الآن، إذ سجلت 135 حالة وفاة، لكنها شهدت أيضًا انخفاضا في عدد المصابين بالفيروس لأول مرة.

"ضرر دائم"

صدرت الأرقام المقلقة من أميركا اللاتينية في وقت وافقت منظمة الصحة العالمية على فتح تحقيق مستقل بشأن طريقة تعاطيها مع تفشي الفيروس بعد تعرّضها لانتقادات شديدة من الولايات المتحدة التي انخرطت في سجال مع الصين بشأن الوباء.

وهدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بوقف تمويل الولايات المتحدة للمنظمة بشكل دائم متهما إياها بأنها "دمية في أيدي الصين" وساعدت بكين على التستّر على المعلومات في أولى مراحل تفشي الوباء.

ونفت الصين التهمة مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تطلق العنان لاتهامات كهذه في محاولة "للتهرّب من مسؤوليتها والمساومة على التزاماتها الدولية تجاه منظمة الصحة العالمية".

ونددت روسيا كذلك بتهديد ترمب بينما دعم الاتحاد الأوروبي منظمة الصحة العالمية مشيرا إلى أن "الوقت غير مناسب لتبادل الاتهامات".

وهدد الخلاف جهود تنسيق الاستجابة العالمية للوباء، لكن الرئيس الأميركي واصل مهاجمة الصين ومنظمة الصحة العالمية.

وتعد الولايات المتحدة البلد الأكثر تأثرا بالفيروس في العالم بناء على الأرقام المطلقة مع تسجيل نحو 92 ألف وفاة بكوفيد-19 وأكثر من 1,5 مليون إصابة. في الأثناء، بدأ كثيرون يشعرون بالقلق من إجراءات التباعد الاجتماعي التي شكّلت ضربة لأكبر اقتصاد في العالم وخلّفت عشرات الملايين من العاطلين عن العمل.

ولم يخف ترمب مرارا حماسه لإنهاء تدابير العزل في الولايات المتحدة خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نوفمبر بينما حذّر وزير الخزانة ستيفن منوتشين من أن الاقتصاد الأميركي يواجه خطر التعرّض لـ"ضرر دائم" كلما طال أمد الإغلاق.

انخفاض كبير في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون

منذ ظهوره وسط الصين أواخر العام الماضي، أحدث الفيروس تحوّلا في حياة الناس والأعمال التجارية حول العالم إذ انعكست تداعياته على مختلف الأصعدة، من الهدوء الذي عمّ مراكز مدن لطالما كانت مزدحمة وصولا إلى التغيّرات البيئية الكبيرة.

وأفاد باحثون الثلاثاء أن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية من أنواع الوقود الأحفوري ستنخفض بنسبة تصل إلى سبعة في المئة هذا العام جرّاء الوباء، في أكبر تراجع منذ الحرب العالمية الثانية.

لكن هذا الانخفاض الضخم "بالكاد سيؤثر على التراكم المتواصل لثاني أوكسيد الكربون في الجو"، بحسب رئيس أبحاث تأثير المناخ لدى "مركز هادلي البريطاني للأرصاد" ريتشارد بيتس.

وبينما بدأت آسيا في تقييم الأضرار الناجمة عن الوباء، أدركت بعض الدول أنه حمل معه فوائد لم تكن في الحسبان رغم الدمار الاقتصادي الأكثر تأثيرا.

فخلال فترة العزل، شهدت فيتنام تراجعا في معدلات الجرائم بينما رحبت هونغ كونغ بانتهاء موسم الإنفلونزا السنوي لديها مبكرا. أما تايلاند، المعروفة بالعدد الكبير من الوفيات في حوادث الطرقات، فشهدت تحسنا ملحوظا في السلامة على الطرق.

وقال بانجيرد بريجميت الذي يترأس فريقا طبيا يعمل قرب بانكوك إن "عدد الحوادث تراجع بشكل كبير"، مرجعا الأمر إلى الإجراءات التي اتّخذتها تايلاند لاحتواء الوباء، والتي تشمل حظر بيع المشروبات الكحولية.

وقال "يتناول الناس المشروبات الكحولية بشكل أقل لذا باتوا أقل تهورا على الطرقات".