واشنطن: فيما تتفرّغ مختبرات البحث العلمي لمهمة ايجاد لقاح ناجع ودائم ضدّ فيروس كورونا المستجدّ، وفيما يواصل السياسيون والمهتمون نقاشاتهم حول أنجع السبل للحدّ من الخسائر البشرية التي يسببها هذا الوباء، هل بتطبيق التباعد الاجتماعي بصرامة أكثر، ومواصلة الاغلاق، أم بـ"الفتح" وترك الحبل على الغارب، وانتظار تطبيق نظرية "مناعة القطع" والسماح باصابة 60 بالمائة من سكان الأرض لضمان هزيمة هذا الفيروس.

وفيما يتواصل كل ذلك الجدل، يخرج الكاتب الأميركي توماس فريدمان بنظرية "طريفة" على صفحات نيويورك تايمز، مفادها أنّ التصدي لكورونا يحتاج الانحناء لمنطق الطبيعة الأم، والتكيّف مع ارادتها لا غير.

فما الذي يعنيه هذا؟

يقول فريدمان في مقاله الذي ترجمته "القبس" الكويتية: "أحاول أن أرسي كل أفكاري حول كيفية التعامل مع هذا الوباء بمنطق الطبيعة الأم وفي إطار قوانين ونظم الطبيعة. وإذا لم نفعل ذلك - إذا بنينا تحليلاتنا على السياسة أو الأيديولوجيا، أو على حقيقة أننا سئمنا الحجْر- فنحن في الواقع نتحدى الطبيعة الأم. لا يبدو أن هناك من يفعل ذلك هذه الأيام أكثر من الرئيس دونالد ترمب. أتفهّم حجم توق الناس إلى إنقاذ أعمالهم واستعادة رواتبهم".

الانتقاء الطبيعي

يقول فريدمان: دعونا نتذكر الانتقاء الطبيعي. هذا هو سعي جميع الكائنات الحية من أجل البقاء والازدهار في بعض البيئات، وهي تنخرط في النضال من أجل تمرير الحمض النووي إلى جيلها التالي. وهذا ما تفعله الفيروسات أيضاً: محاولة البقاء والتكاثر.

ففيروس كورونا، على سبيل المثال، تطور مع الخفافيش في البرية. ولكن يبدو أنه انتقل إلى البشر عندما أكل شخص لحم أحد الحيوانات الثديية المصاب بالفيروس في مدينة ووهان الصينية.

وعندما فعل ذلك، توطّن في الخلايا والأنسجة البشرية بطرق يمكن أن تضرّ بنا أو تقتلنا. وهكذا، أصبح الفيروس كرة سريعة ترمينا بها الطبيعة لتكتشف من هو الأقوى.

قوة الطبيعة

الطبيعة الأم قوية، فاذا أخبرتها أنك قد سئمت من الإغلاق، وبأن هذا يكفي بالفعل، لا يعني لها شيئاً، ولا يدخل في سجلاتها.

ما تسجله (الطبيعة) وما تكافئ عليه هو شيء واحد: التكيف. وهي لا تكافئ الأكثر ثراء أو الأقوى أو الأذكى من الأنواع. إنها تكافئ الأكثر تكيفاً. وهم الذين يثبتون قدرتهم على البقاء وتمرير حمضهم النووي. وهذا يعني في حالة الوباء أنها تكافئ الرئيس أو الحاكم أو العمدة أو المواطن الذي يحترم سلطتها أولاً وقبل كل شيء. إذا كنت لا تحترم فيروساتها وحرائق الغابات والجفاف والأعاصير والفيضانات وما إلى ذلك، فستؤذيك أنت أو جيرانك أو مواطنيك.

يؤكد الكاتب في مقاله أنّ الرئيس ترمب لا يحترم الطبيعة الأم، لأنه يقيس كل شيء بمنظور المال والأسواق. ليس لديه إحساس بالنظم الطبيعية، باستثناء ملاعب الغولف، وطوّر وهماً بأنه قادر على ترويض الطبيعة.

وتكافئ الطبيعة الأم القادة الذين تكون استجاباتهم التكيفية هي الأكثر إبداعاً وتنسيقاً. لقد طورت فيروساتها خبرة في العثور على أي ضعف في جهاز المناعة الشخصي أو الجماعي.

لذا، إذا لم تكن عائلتك أو مجتمعك منسقاً تماماً في الاستجابة لفيروساتها، فإنها ستجد أصغر الشقوق للنفاذ منها وتجعلك تدفع الثمن. بلا رحمة إذا كانت إستراتيجيتك للتكيف قائمة على الإيديولوجيا أو السياسات الانتخابية، فإن الطبيعة ستضر بك بلا رحمة.

صحيح أن الفيروس يصيب مناطق مختلفة، ومناخات وسكاناً مختلفين، وبالتالي يجب أن يكون كل فرد قادراً على التكيف بشكل مختلف قليلاً. ولكن كما قال عالم الأوبئة في جامعة مينيسوتا مايكل أوسترهولم لصحيفة «يو إس أيه توداي» أخيراً، فإن «هذا الفيروس سيواصل نشاطه إلى أن يُصيب أكبر عدد ممكن، إلى أن نكتشف اللقاح أو نكتسب المناعة الجمعيّة بشكل طبيعي».

ويستنتج فريدمان انه ولكل هذه الأسباب، من الواضح، أو ينبغي أن يكون واضحاً، أن على كل دولة أن تبحث عما طالب به الدكتور ديفيد كاتس خبير الصحة العامة منذ بداية هذه الأزمة وهو «إستراتيجية مستدامة لتقليل الضرر الكلي الى الحد الأدنى».

وهذا يعني إستراتيجية من شأنها إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح ومن سبل العيش في آن معاً. علينا أن نبذل قصارى جهدنا للقيام بالأمرين معاً، ويمكننا ذلك. مخاطر متنوعة ويرى كاتس أنه «لم يكن أبداً خيارنا موت الملايين بسبب الفيروس أو بسبب خراب الاقتصاد».

كان بإمكاننا، وما زال، الاعتراف بأن أفراداً مختلفين من مواطنينا يواجهون مخاطر متنوعة من مرض كوفيد - 19. وبالتالي، فإن بلورة إستراتيجيات تحمي الفئات الأكثر ضعفاً في سكاننا وتسمح لأقل الفئات ضعفاً بالعودة إلى العمل، وبالتالي تحقق أفضل ما في «الإغلاق» وأفضل ما في «الفتح».

استراتيجيات مختلفة

بحسب فريدمان، اتبعت الصين وألمانيا وكوريا الجنوبية والسويد وغيرها إستراتيجيات مختلفة لإنقاذ الأرواح وسبل العيش بشكل مستدام ومضاعف. من السابق لأوانه القول إن أياً منها وجد الإستراتيجية المثالية لتحقيق ذلك. ولكن ليس من السابق لأوانه أن نقول إنها تعيد الفتح بطرق تحترم الطبيعة الأم، وتقدر الحاجة إلى التنسيق وترتكز على العلم. لذلك لا تزال تلك الدول تطلب درجة معينة من ارتداء الأقنعة في الأماكن العامة، وممارسة التباعد الاجتماعي، وتقييد عدد الأشخاص الذين يتجمعون في أي مكان مغلق، وحماية الأشخاص الأكثر ضعفاً والحد من العدوى عن طريق الاختبارات الواسعة النطاق، والتتبع والحجر الصحي لاحتواء انتشار الفيروس، حتى الوصول الى المناعة الجمعيّة.

الحرية والخوف

يصف فريدمان الوضع في بلاده بأنه " في حالة من الفوضى".

يقول: "في بعض الأماكن ترى عمليات إعادة فتح بطريقة تحترم قوة الطبيعة الأم، عملية فتح منسَّقة ومرتكزة على العلم، وفي أماكن أخرى ترى مطاعم مزدحمة أو صاحب صالة ألعاب رياضية يتحدى إرشادات المحافظة، ويهتف المتظاهرون ويرفعون لافتات تقول: «حريتي لا تنتهي حيث يبدأ خوفك».

الأشخاص الذين يضعون هذه الإشارات، والذين يظهرون على قناة «فوكس نيوز» لدعمهم، لا يفهمون الأمر جيداً. فنحن، بذلك، لسنا ضد بعضنا. نحن جميعاً ضد الطبيعة الأم. نحن بحاجة إلى إعادة الفتح ونحتاج إلى التكيف، ولكن بطرق تحترم منطق الطبيعة الأم، وليس بطرق تجذب موجة ثانية، وليس بطرق تتحدى الطبيعة. هذا ليس ذكاء. لأن الطبيعة لم تخسر أياً من معاركها منذ بدء الخليقة قبل 4.5 مليارات سنة.