القدس: أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الأحد بنبرة تحدٍّ أنّه يمثل أمام المحكمة "مرفوع الرأس"، وذلك عند بدء محاكمته بقضايا فساد في القدس الأحد ، واصفاً التهم الموجهة إليه بـ"السخيفة".

وبعد نحو عام ونصف عام من أطول جمود سياسي شهدته الدولة العبرية وتخللته ثلاث انتخابات غير حاسمة، قاتل خلالها بضراوة من أجل استمرار وجوده على الساحة السياسية، بات نتانياهو الأحد أول رئيس وزراء إسرائيلي يمثل أمام القضاء أثناء توليه منصبه.

قبل وصوله الى المحكمة، التقى نتانياهو ناجين من المحرقة ليستمد منهم "القوة" كما قال.

ومع وصوله الى مقر المحكمة المركزية في شارع صلاح الدين في القدس الشرقية المحتلة المحاط بعناصر الشرطة، وخلفه عناصر فريقه واضعين كمامات، هاجم نتانياهو الذي لم يضع كمامة، القضاء ووسائل الإعلام واتهمها بالعمل معاً من أجل إسقاطه.

وقال نتانياهو للصحافيين أثناء دخوله المقر "أقف أمامكم صلباً ومرفوع الرأس"، مندداً بتهم "سخيفة" ضده.

ويلاحق نتانياهو في ثلاث قضايا مختلفة، بينها واحدة حساسة جداً، تشمل توفير امتيازات حكومية لمجموعة مقابل الحصول على تغطية إعلامية إيجابية.

وأضاف بينما اتهم قسما من الإعلام الإسرائيلي بأنه غير محايد في هذه القضية، "طلبت أن تنقل (الجلسات) مباشرة عبر الهواء كي يتمكن الرأي العام من الاستماع إلى كل شيء (مباشرة) وليس بواسطة" صحافيين.

وداخل قاعة المحكمة، ظهر نتانياهو واضعاً كمامة زرقاء. وأكد أنه يفهم طبيعة التهم الموجهة اليه.

وقرب المحكمة، تجمع مؤيدون له رافعين الأعلام الإسرائيلية. وأمكن مشاهدة لافتة كتب عليها "قضية دريفوس 2020"، في إشارة إلى الفضيحة الناجمة عن خطأ قضائي في فرنسا على خلفية معاداة السامية مطلع القرن العشرين.

وفي تظاهرة مقابلة مناهضة لنتانياهو، ردد مئات الأشخاص عبارات "ديموقراطية، ديموقراطية"، متهمين رئيس الوزراء بالفساد.

غير مسبوقة

وجهت لنتانياهو أيضاً تهمة الاحتيال وخيانة الأمانة في الملف "1000" الذي يذكر أنه تلقى هدايا من أنواع فاخرة من السيجار والشمبانيا والمجوهرات بقيمة 700 ألف شيكل (180 ألف يورو) من أثرياء مقابل خدمات مالية أو شخصية.

ونتانياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي ولد بعد قيام دولة إسرائيل، وهو رئيس الوزراء الذي بقي في منصبه المدة الأطول في تاريخ الدولة، وايضا أول رئيس وزراء في إسرائيل يخضع للمحاكمة وهو لا يزال في السلطة.

ويعتبر نتانياهو من أكثر زعماء إسرائيل يمينية، ويظهر عداء شديدا لإيران. وخلال حكمه، توقفت كل المفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية.

في عام 2009، استقال رئيس الوزراء إيهود أولمرت بعدما أوصت الشرطة بتوجيه الاتهام إليه بتهمة الفساد. وقد حوكم ودين بتلقي رشاوى، وحكم عليه بالسجن لمدة 27 شهرًا، لكن تمّ الإفراج عنه بعد 16 شهرًا.

وينتمي أولمرت، كما نتانياهو الى حزب ليكود اليميني.

ونتنياهو متهم كذلك بتبادل خدمات غير قانونية من اجل الحصول على تغطية إيجابية له في "يديعوت أحرونوت"، الصحيفة الإسرائيلية الأكثر مبيعا.

وقال مع دخوله المحكمة الأحد "خلال 244 عاما من الديموقراطية (منذ الثورة الأميركية) لم يحصل أبداً أن وجّهت تهمة إلى أحد لأنه حصل على تغطية إعلامية إيجابية في وسيلة إعلامية. وفي حالتي، فإنّ التغطية لم تكن حتى إيجابية".

ويتهم نتانياهو بمحاولة الحصول على تغطية إيجابية أيضا على الموقع الالكتروني "والا" مقابل تأمين امتيازات حكومية درّت ملايين الدولارات على رئيس مجموعة "بيزيك" للاتصالات وموقع "والا" شاؤول إيلوفيتش.

وقال الباحث في معهد "الديموقراطية" الإسرائيلي للدراسات أمير فوتشز "هذه التهمة هي الأكثر تعقيدًا، لأنها تختلف عن قضايا الرشوة الكلاسيكية حيث يتم دفع المال".

وأضاف فوتشز لصحافيين "الادعاء هو أن نتانياهو كان يحصل على تغطية إعلامية فقط"، لا على المال، معتبرا أن ذلك "أمر غير مسبوق".

وتابع "لكن في قضية بيزيك، المسألة هي أكثر من كتابة مقالات فيها إطراء له، كان في الواقع تحكما تاما بسياسة تحرير هذا الموقع، والتدخل حتى بأدق تفاصيل النشر في النصوص أو الصور".

تضارب مصالح

خلال جلسة الأحد، طلب محامو نتانياهو عدة أشهر إضافية لدراسة عناصر الأدلة المقدمة ضده، في حين طلبت النيابة العامة من المحكمة الاستماع بأسرع ما يمكن للقضية التي قد تمتد سنوات.

وأكد القضاة الثلاثة أنهم سيقومون بدراسة طلبات الطرفين، ورفعوا الجلسة الى 19 تموز/يوليو على ان يحضر المحامون فقط الجلسة المقبلة.

وبموجب القانون الإسرائيلي، لا يتمتع رئيس الوزراء الحالي بحصانة تلقائية من الملاحقة القضائية، ولكنه أيضًا غير ملزم الاستقالة عند اتهامه، إلا في حال إدانته وبعد استنفاد جميع السبل القضائية.

ويقول أستاذ القانون في الجامعة العبرية في القدس يوفال شناي "هناك عدم توافق أساسي بين دور نتانياهو كرئيس للحكومة ومكانه كمتهم"، مشيرا الى أن رئيس الوزراء "سيقاتل بشدة وربما بشكل فعال لإضعاف السلطات القضائية التي تلاحقه".

ويضيف "هناك تضارب خطير في المصالح".

وبمجرد بدء المحاكمة، يستطيع القضاة الثلاثة الذين اختارتهم المحكمة العليا ان يطالبوا نتانياهو بأن يمثل أمام المحكمة عندما يعتبرون ذلك ضروريًا.

وترأس نتانياهو الأحد قبل بدء محاكمته الجلسة الأولى لحكومة الوحدة التي تشكلت قبل أسبوع بتحالف مع خصمه السابق بيني غانتس. وكان الأخير اعلن أنه لن يتشارك الحكم مع شخص متهم بالفساد قبل أن يعيد النظر بموقفه وسط أزمة وباء كوفيد-19.