إسماعيل دبارة من تونس: تتجه تونس لسنّ قانون ينظم عملية مصادرة الأملاك، سواء تلك التابعة لرموز النظام السابق، أو الأملاك التي تتم مصادرها من رجال أعمال أدينوا في قضايا فساد وغسيل أموال، كما تتجه البلاد إلى احداث وكالة للتصرّف في تلك الأموال التي تقدّر قيمتها بملايين الدولارات.

وقال غازي الشواشي وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية التونسي في حوار مع الوكالة الرسمية (وات) إن الحكومة "تعتزم احداث وكالة للتصرف في الأملاك المصادرة في مفهومها الشامل والواسع والحرص على سن مشروع قانون المصادرة المدنية".

وأكد الشواشي أنه "ليس هناك أي جهاز يعنى صراحة بالتصرف في الأملاك المصادرة لا سيما وان بعض القوانين تنص على المصادرة على غرار قوانين الاثراء غير المشروع ومكافحة تبييض وغسل الاموال والإرهاب".

ومنذ اطاحة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي من سدّة الحكم في العام 2011، يحتدم الجدل في الأوساط الاجتماعية والسياسية التونسية حيال ملف الأملاك المصادرة و الأموال المنهوبة، ويطرح التساؤل بشأن مصيرها في ظرف يرافق فيه شعار "مكافحة الفساد" عناوين برامج مختلف الحكومات المتعاقبة.

وتخطط الحكومة التونسية، هذا العام لتصفية إرث الشركات المصادرة، التي كانت تعود للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وعائلته، وذلك في إطار الاستفادة من عائدات هذه الأصول وتحويلها إلى الموازنة العامة للدولة التي تعيش أزمة اقتصادية خانقة تفاقمت مع تفشي فيروس كورونا.

وقال الوزير الشواشي في حواره مع وكالة تونس افريقيا للانباء، إن آلية المصادرة نص عليها قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال بما في ذلك الأشخاص والمؤسسات الصادرة في شأنهم أحكام قضائية باتة، إذ يحقّ للدولة أن تصادر ممتلكاتهم، إلا انه لا يوجد اليوم جهاز يتصرف في هذه الاملاك، على حدّ تعبيره.

واوضح الشواشي أن اعتزام وزارته احداث وكالة للمصادرة مغاير لعمل لجنة المصادرة التي تشتغل وفق مرسوم سنة 2011 والذي يهم مصادرة ممتلكات الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وعائلته واصهاره والأشخاص المقربين منهم والذين انتفعوا من هذه القرابة.

قانون جديد

كما أعرب الشواشي عن نيته اصدار مشروع قانون المصادرة المدنية، معتبرا ان المصادرة تعد نوعا من العقوبة التكميلية وفق اعتقاده.

وكشف ان مشروع "قانون المصادرة المدنية" معروض على الهياكل المعنية وانه يتم حاليا انجاز الاستشارات القانونية اللازمة مع بعض الخبراء، مشددا على ان البلاد بحاجة الى هذه الوكالة لحسن التصرف في الأملاك المصادرة في مفهومها المطلق.

وأضاف أنّ "الغاية الأساسية ليست المصادرة لأجل المصادرة بل وجوب الحفاظ على قيمة الأملاك المصادرة وإعادة توظيفها في مرحلة موالية والتفويت فيها".

"ليست ناجحة"

وعن تقييمه لتجربة مصادرة أملاك الرئيس الراحل بن علي وعائلته واصهاره، اعترف وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية التونسي، انها لم تكن ناجحة وحفت بها العديد من الإشكاليات خاصة إذا تعلق الامر بشركات كانت في السابق ناجحة وتحولت الى عبء على الدولة خلال السنوات التسع الأخيرة.

ولفت الى ان لجنة الأملاك المصادرة أصدرت حوالي 2669 قرار مصادرة شمل المجموعة الاولى التابعة ل 114 شخصا المقربين من الرئيس الراحل بن علي وشمل أيضا الفرع الثاني وهم الأشخاص الذين انتفعوا وكونوا ثروة جراء علاقتهم أو شراكتهم مع المجموعة الأولى.

وعلى مستوى التصرف قال عضو الحكومة أنه تم اكتشاف في مرحلة معينة ان هناك سوء إدارة وتصرف في الأملاك المصادرة باعتبارها انها كانت ذات قيمة عند مصادرتها وأصبحت حاليا من دون قيمة كبيرة خاصة عندما يتعلق الامر ببعض الشركات.

كما ان العديد من العقارات فقدت قيمتها السعرية باعتبار نقص الصيانة إضافة الى عقارات أخرى كلفت الدولة أموالا باهظة لأجل إعادة تهيئتها وصلت الى نصف قيمتها.

يُشار إلى أن الأموال المملوكة مباشرة لبن علي وعائلته لا تزال مُجمّدة في سويسرا ودول أخرى.

وتواجه تونس منذ سنوات ظروفاً اقتصادية ضاغطة، بينما تقبع أموال مسؤوليها السابقين في البنوك السويسرية والأوروبية، دون التمكن من استعادتها نظرا للاجراءات المعقدة التي تحفّ بهذا الملفّ، وعدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بتتبع هذا الملفّ الشائك.

ولم تستطع تونس تحديد قيمة ثروة بن علي وعائلته التي قام بتهريبها إلى خارج البلاد.

وقال البنك المركزي التونسي، في تقارير سابقة، إنه توصل إلى تحديد ممتلكات وأموال منهوبة في 10 بلدان. وأكد عدم وجود أرقام رسمية دقيقة عن قيمة تلك الأموال، لكن خبراء يقدرون قيمتها "بمليارات الدولارات"، وهي أرقام لا يمكن التثبت من صحتها.

ونفى بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي في أوقات سابقة عبر المحامين، أن تكون لديهم أصول أو حسابات خارج تونس، ونفوا تهم الاثراء غير المشروع.

ويقول الوزير غازي الشواشي إنّ الحكومة الحالية لها الرغبة في تسوية ملف الأملاك المصادرة بعد 2011 وغلقه نهائيا، اذ يقوم ملامح خارطة طريق يقومون حاليا باعدادها، على سعي لجنة المصادرة الى استكمال عملية المصادرة وإصدار قرارات المصادرة غير ان بعض الملفات المحالة على لجنة التصرف في الأملاك المصادرة أضحت معقدة نسبيا مما اضطر الى تكوين فرق عمل للبحث عن المخارج القانونية لمعالجة الملفات.

كما افاد انه سيقع العمل في اتجاه دعم القضاة لا سيما قضاة القطب المالي (مجمع قضائي حديث يبتّ في محاكمات تتعلق بالفساد المالي)، وتحفيزهم للعب دورهم سيما وأن الملفات لا يمكن أن تراوح مكانها لنحو عقد من الزمن على مستوى التحقيق.

وسائل اعلام مصادرة

وردا على سؤال بشأن مصير المؤسسات الإعلامية المصادرة، وهي إذاعة الزيتون ودار الصباح (المملوكتان سابقا لصخر الماطري صهر الرئيس الراحل بن علي) وإذاعة شمس اف ام (التي كانت تملكها سيرين بن علي ابنة الرئيس) أوضح الشواشي أنه "تم تنظيم عديد الاجتماعات وجلسات العمل مع الاطراف النقابية الممثلة لهذه المؤسسات وتم أيضا تداول الملف في مجلس وزاري مضيق في علاقة بتبعات جائحة فيروس كورونا".

وفيما يخص "إذاعة الزيتونة" التي تضمّ حوالي 35 عاملا فقد تقرّر الحاقها بالقطاع العمومي (مؤسسة الاذاعة التونسية) في انتظار امضاء رئيس الحكومة على القرار الخاص بهذا الملف إثر قرار صدر عن لجنة التصرف في الأملاك المصادرة.

وبالنسبة الى إذاعة "شمس اف ام"، فقد تم في مناسبتين إطلاق طلب عروض للتفويت فيها، لكن العروض لم تكن جدية واقل من قيمتها.

ولفت الى أن ديون هذه الاذاعة تقدر ب 11 مليون دينار وان الدولة عن طريق شركة "الكرامة القابضة" تضخ 4 ملايين دينار سنويا لتسييرها وأن مداخيلها في حدود 1 مليون دينار.

وبالرغم من ان هذه الإذاعة المسموعة جدا وتحتل مراتب متقدمة في نسب الاستماع غير ان لديها إشكاليات على مستوى الاشهار وغير قادرة على خلاص ديونها، مجددا استعداد الحكومة لتأمين أجور ونفقات العاملين بالإذاعة.

وأقر بأن الملف لا يزال عالقا وسيقع العمل على التفويت فيها في كنف الشفافية من خلال طلب عروض ثالث غير ان الوضع الصحي الاستثنائي للبلاد حال دون ذلك.

وفي ما يخص "دار الصباح" فهي تضم أكثر من 145 عونا من عملة وصحافيين فإن وضعيتها تعد نسبيا مغايرة.

وبين أن لديها رصيدا عقاريا واملاكا تتجاوز 14 مليون دينار غير ان ديونها وصلت الى 21 مليون دينار وبالتالي قانونيا فإنها عاجزة عن خلاص ديونها.

وتم إطلاق طلب عروض في مناسبتين وان هناك رجل أعمال سحب كراس الشروط وعرض مبلغا زهيدا (500 ألف دينار ثم 1 مليون دينار وفي مناسبة ثالثة عرض 1 مليون و750 ألف دينار) غير أنه تم رفض العرض.

وتقرر على مستوى لجنة التصرف في الأملاك المصادرة إعادة عرضها للتفويت مع احترام كراس الشروط المنجز للغرض، حسب تعبيره.