عبّرت أغلبية كبيرة من قراء "إيلاف" عن عدم ثقتها بمنظمة الصحة العالمية وبتحذيراتها بشأن كورونا اليوم. فهذه المنظمة الأممية على ما يبدو غارقة في الفساد، وتابعة لأهواء السياسة، ما ينفي عنها سمتيْ الموضوعية والدقة.

إيلاف من بيروت:هاجم الرئيس الأميركي دونالد ترمب منظمة الصحة العالمية واتهمها بأنها "مسيّسة لا تُراعي مصالح الولايات المتحدة في مقابل تعظيم مصالح الصين". قال: "أخفقت منظمة الصحة العالمية لسبب ما، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تمولها، فإنها تُركِّز على الصين التي تنفق 42 مليون دولار، بينما أنفقنا 450 مليونًا لصالح المنظمة، وهذا ليس صحيحًا، وليس عدلًا".

كذلك، تزايدت الدعوات العالمية إلى سحب الثقة من المنظمة مع دخول ألمانيا وبريطانيا وأستراليا نادي الدول التي تطالب الصين بتعويض مادي عن سوء إدارتها لفيروس كورونا. وهذا يثير ريبة حقيقية في الدور الذي تؤديه المنظمة، وفي حقيقة علاقتها بالصين.

سألت "إيلاف" القارئ العربي: "هل تثق بتحذيرات منظمة الصحة العالمية؟". شارك في هذا الاستفتاء 504 قراء، أجاب 151 منهم بـ "نعم" بنسبة 30 في المئة، فيما أجاب 353 قارئًا منهم بـ "لا"، بنسبة غالبة بلغت 70 في المئة. بالتالي، ثمة أغلبية عظمى لا تثق بمنظمة الصحة العالمية، ولا بتحذيراتها.

أخطاء في ملف كورونا

يصيب غير الواثقين بالمنظمة في خيارهم؛ إذ يشير مختصون في الصحة إلى أخطاء عدة اقترفتها منظمة الصحة العالمية في أزمة جائحة كورونا، في مقدمها مجاملة الصين، السلوك الذي يعده هؤلاء المختصون الأساس الأول لأغلب أخطاء المنظمة الذي شحذت همتها للإشادة برد الصين على تفشي الفيروس، وتغاضت عن الجوانب السلبية لاستجابة الصين، ما قدم للصين أدوات لنشر الدعاية بأنها حققت وضع القوة الصحية العظمى، وهذا ليس صحيحًا. فقد كانت المنظمة تُكرر المعلومات التي تحصل عليها من السلطات الصينية من دون نظر أو مراجعة، ما سمح بتضليل متعمد.

من الأخطاء أيضًا ندرة المعلومات في بداية الأزمة واستسلام المنظمة لذلك من دون أي ضغط على الصين للكشف المبكر عن الوباء؛ والقول إن فيروس كورونا لا ينتقل بالعدوى بين البشر، إذ ورد في بيان للمنظمة في 14 يناير الماضي: "التحقيقات الصينية الأولية لم تقدم دليلاً واضحاً على انتقال الفيروس من شخص لآخر" بسبب تصديق المسؤولين الصينيين من دون مراجعة؛ والتردد ثلاثة أشهر في إعلان كورونا جائحة عالمية متجاهلة دعوات حثيثة أطلقها الخبراء؛ وتشكيك المنظمة في فاعلية فرض القيود على السفر في وقف العدوى؛ وإعلان المنظمة مراراً أن استخدام الكمامات يقتصر على الأطقم الطبية، قبل أن تنزل عند رغبة المختصين في الطلب من الجميع ارتداء الكمامات؛ ومسألة انتشار فيروس كورونا عبر الهواء، إذ بيقت المنظمة مصرة أن لا دليل يُثبت ذلك، على الرغم من أن دراسات أميركية أكدت أن الفيروس يبقى عالقًا ساعات عدة في الهواء.

مراجعة سريعة

في مراجعة سريعة، ليس اتهام ترمب للمنظمة بالتسييس الأول من نوعه. في عام 2000 نشر الفرنسيان برتران ديفو وبرتران ليمينسي كتابهما "منظمة الصحة العالمية: المركب الغارقة للصحة العامة؛ انحرافات وإخفاقات الأمم المتحدة" (L’ OMS: Bateau Ivre de la Santé Publique – Les dérives et les échecs de l'agence des Nations Unies) وعرضا فيه قضايا فساد تثبت انحياز المنظمة لمصالح اقتصادية وسياسية تتعارض مع الصحة العامة.

كذلك، يثير كثيرون مسألة الميول السياسية لتيدروس أدهانوم، مدير عام المنظمة، وهو الأثيوبي المختص في علم الأحياء الدقيقة. فهو متهم بأنه وصل إلى هذا المنصب بدعم الصين.

قالت الكاتبة الأميركية فريديا غيتيس في "واشنطن بوست" (25 أكتوبر 2015) إن الصين عملت بدون كلل لمساعدة تيدروس على هزيمة دافيد نابارو، المرشح البريطاني لرئاسة المنظمة، واعتبرت الصين أن انتصار تيدروس انتصار لها.

يرد كثيرون هذا الدعم إلى ارتباط تيدروس الوثيق بالصين منذ كان وزيرًا للخارجية في بلاده، وهو الذي كان العضو التنفيذي في جبهة تحرير الشعب الماركسية اللينينية تيغراي، وساهم في توسيع الاستثمارات الصينية في إثيوبيا.

في مايو 2017، اتهمت "نيويورك تايمز" تيدروس بأنه اعتاد إخفاء الأوبئة في إثيوبيا؛ إذ غطى على ثلاث موجات وبائية للكوليرا في بلده عندما كان وزيرا للصحة بين 2005 و2012.

انتقادات حادة

بعيدًا عن الاتهامات السياسية لرئيس المنظمة اليوم، تعرضت هذه المنظمة لانتقادات حادة مع تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا في عام 2014.

فبعدما كانت قد اتهمت بالتسرع في إدارة أزمة إنفلونزا الخنازير، تباطأت أكثر من اللازم في التحذير من الوباء، ما أدى إلى خروجه عن السيطرة إلى درجة أن الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى اضطرت إلى نشر 5000 عسكري استجابة لطلب البلدان المتضررة، كما تم إنشاء لجنة تابعة للأمم المتحدة لتولي المسؤولية عن الوباء بدلًا من منظمة الصحة العالمية.

مع ذلك، تسبّب الوباء في مقتل أكثر من 11 ألف شخص في غينيا وليبيريا وسيراليون، ووُصِف أداء منظمة الصحة العالمية خلال الأزمة بأنه كارثي ومشوب بالفساد، خصوصًا بعد ظهور وثائق تؤكد أن تأخير المنظمة إعلان حال الطوارئ الصحية مرده إلى خوفها من أن تنظر حكومات غينيا بيساو وساحل العاج ومالي إلى قرارها بصفته عملًا عدائيًا، خصوصًا مع الإغلاق المحتمل لصناعة التعدين التي تُعَدُّ مصدرًا رئيسًا للدخل في هذه البلدان. وكانت أزمة إيبولا المسمار الأخير في نعش المنظمة، لكن ما البديل؟

البديل المحتمل لمنظمة الصحة العالمية لا يعني بالضرورة حل المنظمة، لكن إيجاد كيان قد يكون أكثر موثوقية.

ودعا تقرير برلماني بريطاني وزارة الخارجية إلى تمهيد الطريق لبناء دعم دولي لإصلاح المنظمات المتعددة الأطراف القائمة، وبناء هياكل جديدة للاستجابة بفاعلية أكبر للوباء التالي.

ورأى التقرير أنه: "يمكن تفعيل مجموعة العشرين للصحة العامة التي أسست في عام 2017 بمبادرة من وزير الصحة الألماني، ويمكن أن تضمن مجموعة العشرين للصحة العامة ازدهار التعاون بين الباحثين الخبراء في جميع أنحاء العالم، حتى في غياب قيادة سياسية موحدة، ويجب أن يكون مثل هذا الإطار قائماً على العلم، مع مشاركة متوقفة على التعاون الصادق في التبادل المفتوح والشفاف لبيانات الصحة العامة".