تتصاعد الحرب الكلامية بين دونالد ترمب وتويتر، في جدال يقدم الحقيقة وحرية التعبير على مذبح المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة التي تعبق بها منصات التواصل الاجتماعي.

بيروت: كأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب مولع بإعلان الحروب على أنواعها، وآخرها حربه الشعواء على موقع "تويتر"، ومن ورائه على منصات التواصل الاجتماعي.

بدأت المسألة الثلاثاء حين أضافت إدارة "تويتر" عبارة "تحقّقوا من الوقائع" إلى تغريدتين نشرهما ترمب، في سابقة أولى من نوعها، أراد منها الموقع تحذير المغردين من مغبة إعادة تغريد ما غرده ترمب، بسبب احتمال أن تكون تغريدتاه مضللتين؛ إذ قال، من دون أن يقدم أي أدلة، إن التصويت بالبريد سيؤدي بالضرورة إلى احتيال وإلى "انتخابات مزورة".

تحت التغريدتين، نشر تويتر رابطًا تحذيريًا: "تحققوا من الوقائع بخصوص التصويت عبر البريد".

ربما تكون مضللة

برر متحدّث باسم "تويتر" إقدام الموقع على وسم تغريدتي ترمب بهذا التحذير، قائلًا: "إن هاتين التغريدتين تتضمّنان معلومات ربما تكون مضلّلة بشأن عملية التصويت، وتمّ وسمهما لتوفير سياق إضافي حول بطاقات الاقتراع بالبريد. وهذا القرار يتماشى مع نهج أعلنّا عنه في وقت سابق".

يكفي النقر على التحذير الذي أضافته إدارة "تويتر" تحت التغريدتين ليلج المتصفّح ملخّصًا للحقائق والمقالات المنشورة في الصحافة الأميركية بشأن هذا الموضوع (على سبيل المثال حقيقة أنّ ولاية كاليفورنيا لا ترسل بطاقات اقتراع سوى للناخبين المسجّلين وليس لجميع سكان الولاية).

وفي تغريدة على تويتر، قالت الصحافية الأميركية ميكا بريجنسكي: "أتصور أنها بداية (...) شكرًا لشطبكم هاتين التغريدتين".

وكان الموقع قد شدد قبل أسبوعين قواعده الرامية إلى مكافحة المعلومات الكاذبة حول وباء كورونا المستجد، بتوسيعه نطاق التغريدات التي يمكن وسمها بعبارة تحذير من احتمال أن تنطوي على معلومات مضلّلة.

تقوضون حرية التعبير

في ردة فعل على هذا التدبير التويتري، اتّهم ترمب "تويتر" بالتدخّل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، "وبتقويض حريّة التعبير في الولايات المتحدة".

وغرد ترمب قائلًا إنّ تويتر يتدخّل في الانتخابات الرئاسية للعام 2020، وهو "يخنق بالكامل حريّة التعبير، وبصفتي رئيسًا لن أسمح لهم بأن يفعلوا ذلك!".

وتطورت ردة فعل ترمب الأربعاء، فهدّد بـ "تنظيم" و"إغلاق" منصات التواصل الاجتماعي، فغرد: "يشعر الجمهوريون بأن منصات التواصل الاجتماعي تمارس رقابة كاملة على أصوات المحافظين. سنقوم بتنظيمها بشدة أو إغلاقها لعدم السماح بتكرار أمر مماثل".

ورد ترمب مرة أخرى الأربعاء: "لا يمكننا السماح لبطاقات الاقتراع بالبريد على نطاق واسع أن تتجذر في بلدنا. سيكون أمرًا متاحًا للجميع في الغش والتزوير وسرقة بطاقات الاقتراع".

تابع: "من يخدع أكثر هو من يفوز"، داعيًا وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن تنظف نفسها، واتهمها بالتدخل

ترقبوا

في تغريدة جديدة الخميس، جدد ترمب موقفه قائلًا:" تبذل الشركات التقنية الكبرى كل ما في وسعها مسبقًا من أجل فرض رقابة على انتخابات عام 2020. إذا حدث ذلك فعلًا، فهذا يعني أننا جردنا من حياتنا".

أضاف: "لن أدع ذلك يحدث أبدًا! حاولوا جاهدين في عام 2016، وخسروا (في إشارة إلى محاولة التأثير على الانتخابات ونتائجها). وها هم الآن يتصرفون بجنون تام. ترقبوا!"

لم يوضح ترمب الخطوات التي طلب من متابعيه ترقبها، لكن البيت الأبيض كان أعلن قبل ساعات أن الرئيس الأميركي سيوقع قرارًا يتعلق بشركات التواصل الاجتماعي، من دون ذكر تفاصيل.

ماذا لو؟

في "نيويورك تايمز"، سأل تشارلي وارزيل: "ماذا لو قرر تويتر الرد على إجراءات ترمب بحظره على الموقع؟" وقال: "إذا قررت تويتر تصعيد المسألة مثار الجدال اليوم، فإنها ستثير جدالًا بشأن الرقابة ما سيؤدي إلى بلوغ القضية الكونغرس أو المحاكم، وهذا يضع تويتر في موقع حرج بسبب الدور الذي تشعر فيه بعدم الارتياح، ألا وهو القيام بدور حكم للحقيقة".

أضاف: "حتى لو أخرج تويتر ترمب من منصته، فذلك لن يسبب ضررًا للرئيس، فهو سيحظى بالاهتمام نفسه عبر منصة فيسبوك التي تبدو أنها تتقبل افتراءه وتضليله التآمري، حتى أنه سيصل إلى عدد أكبر كثيرًا من الناس".

وأنهى وارزيل مقالته بالقول إن إخراج ترمب من تويتر قد يكون جيدًا، "وربما يجعل الموقع أقل سمية، لكن ذلك لن يحل المشكلة الهيكلية العميقة التي شكلت كارثة معلوماتنا".

ليس صائبًا

في مقابلة صحفية، علق مارك زوكربرغ، الرئيس التنفيذي لفيسبوك، على قرار "تويتر" فرأى أن الموقع أخطأ في التعامل مع تغريدات ترمب، "فليس من واجب مواقع التواصل أن تكون حكمًا أو حارسًا لما تعتبره الحقيقة".

أضاف: "لدى فيسبوك سياسة مختلفة تمامًا، فأنا أؤمن بأنه لا ينبغي أن يكون فيسبوك حكمًا للحقيقة، أو ناظرًا ومراقبًا لصحة ما يقوله الناس على الإنترنت، ولا ينبغي أن تكون الشركات الخاصة، لا سيما شركات ومنصات مواقع التواصل، في وضع يمكنها من الرقابة على تصريحات المستخدمين أو تغريداتهم".

أضاف:"إن فرض رقابة على منصة ما لن يكون الرد الصائب من الحكومة، لكن لا بد أن أفهم أولًا ما يعتزمون عمله بالفعل، لكنني بوجه عام أعتقد أن إقدام الإدارة الأميركية على فرض رقابة على منصة لأنها قلقة من الرقابة التي قد تفرضها ليس ردة فعل صائبة".