بيروت: سجّل لبنان معدلا متدنيا في الإصابات والوفيات جراء فيروس كورونا المستجد منذ بدء تفشي الوباء، رغم الانهيار الاقتصادي المتسارع الذي تشهده البلاد منذ أشهر والذي فاقمته التدابير الوقائية، ولو أن السلطات تدرك أنّه من المبكر إعلان النصر على الوباء.

في 21 فبراير، أعلن لبنان تسجيل أول إصابة بالفيروس لدى مسافرة أتت من طهران، فيما كانت إيران حينها تعدّ بؤرة لتفشي الوباء. وتوقع كثيرون حصول وفيات كثيرة في حال انتشر الفيروس في بلد لم يكن مجهزاً إلا بـ128 سريراً لاستقبال المرضى.

إلا أنّه مع حلول الثالث من يونيو، سجل البلد الذي يقيم فيه نحو ستة ملايين نسمة بينهم لاجئون سوريون وفلسطينيون، 1256 إصابة فقط بينها 27 وفاة.

تقول رئيسة قسم الأمراض المعدية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة سهى كنج لوكالة فرانس برس "إذا قارننا معدل العدوى لدينا لكل مليون نسمة ونسبة الوفيات، فنجد أننا نحقّق نتائج أفضل بكثير من دول حولنا".

على الصعيد الإقليمي، نجحت دول عدة بتسجيل معدلات منخفضة بينها تونس التي يقيم فيها أكثر من 11 مليون شخص، وقد سجلت ألف إصابة بينها أقل من 50 وفاة. كما توجد معدلات إصابة متدنية في سوريا وفي العراق والمغرب بالمقارنة مع عدد السكان.

ورغم توقّع وجود إصابات لم يتمّ الإبلاغ عنها في لبنان، إلا أنّ خبراء الصحة يجمعون على أنّ تفشي الوباء بشكل كبير لا يمكن أن يمرّ في بلد صغير كلبنان من دون ملاحظة ذلك. وأعلن وزير الصحة حمد حسن الأربعاء أن عدد الفحوصات التي أجريت في لبنان حتى الآن بلغ ثمانية وثمانين ألفاً.

وسُجّلت معظم الإصابات الجديدة في صفوف اللبنانيين المغتربين الذين أعادت السلطات الآلاف منهم على مراحل في رحلات إجلاء خاصة من أنحاء العالم. وسُجّلت حالتا وفاة خلال الشهر الماضي.

الاستجابة
وكان لبنان سبّاقاً مقارنة مع دول أخرى في ما يتعلق بقرار الإغلاق العام. في نهاية فبراير، تمّ إقفال المدارس وحضانات الأطفال. وبعد أسبوعين، تمّ إقفال المطار الوحيد في البلاد والمقاهي والحانات والمجمّعات التجارية والنوادي الرياضية.

يقول المدير العام لمستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت، وهو المستشفى الحكومي الذي يشكل خط المواجهة الأولى ضد الوباء، لوكالة فرانس برس "كانت لدينا استعدادات جيّدة استباقية في البدء".

وفي ذروة تدابير الإغلاق العام، فرضت الحكومة حظر تجوّل ليلي في السابعة مساء حتى الخامسة من فجر كل يوم، ومنعت تجول السيارات والآليات أيام الآحاد، وفرضت عليها أن تسير في بقية الأيام بحسب أرقام لوحات تسجيلها المفردة أو المزدوجة.

ومع الأرقام المشجّعة نسبياً في ما يتعلق باحتواء الوباء، بدأت الحكومة تدريجياً عملية التخفيف من الحجر، ويُتوقع أن يفتح المطار أبوابه في غضون أسابيع. وأعلنت الأسبوع الماضي إجراءات تخفيف جديدة بينها تعديل موعد حظر التجول ليبدأ من منتصف الليل وحتى الخامسة صباحاً.

وفرضت السلطات في الوقت عينه وضع الكمامة في الشارع وخلال التنقّل في السيارات تحت طائلة دفع غرامة، بينما يتوجّب على المؤسسات والمقاهي والمطاعم احترام تدابير التباعد الاجتماعي ونسبة تشغيل معينة مسموح بها.

ولعبت عوامل عدة دوراً في أداء لبنان تجاه الفيروس الذي شلّ العالم، وفق كنج التي تشير إلى فعالية حملة التوعية التي تمّ إطلاقها منذ بداية الأزمة، فضلاً عن كون عدد خبراء الأمراض المعدية وأطباء الرعاية الحرجة مرتفعا في لبنان الذي يضم عدداً من أفضل المرافق الطبية في المنطقة.

ولعبت وسائل الإعلام دورا محوريا في بداية الأزمة في التوعية ما ساهم في الضغط على الحكومة. وكان الشعب اللبناني متجاوبا في تنفيذ إجراءات الوقاية خصوصاً لقلة ثقته بقدرة السلطات على مواجهتها في ظل انهيار اقتصادي يعصف بالبلاد منذ أشهر، وأزمة سياسية عميقة.

ويقول أبيض "أراد الناس أن يتخذوا إجراءات وقاية متشددة أكثر، ولم نحتاج لفعل الكثير لإقناعهم بأن يبقوا في منازلهم" خصوصاً خلال الأسابيع الأولى، مشيراً إلى أن "رد فعل الناس المفرط إلى حد ما كان جيدا" لناحية الحد من انتشار الوباء.

وتشير كنج الى أنه ليست لدى لبنان "وسائل نقل عام، وهذه المرة كان هذا الأمر في مصلحتنا"، في إشارة الى ترهل البنى التحتية في لبنان بشكل عام.

وقال وزير الصحة حمد حسن لوكالة فرانس برس الاثنين "أعتقد أن السيناريو الأسوأ مرّ وأصبح خلفنا"، مضيفاً "من المبكر أن نعلن الانتصار، لكننا سجلنا نقاطا متقدمة في مكافحة الوباء ولن نستسلم له".