أسامة مهدي: حسم الكاظمي صراعاً بين القوى السياسية الشيعية العراقية حول ادارة مكتبه بتعيينه اليوم القاضي رائد جوحي، وهو أول قاض حقق مع صدام، مديرا لمكتبه.

وفي أمر ديواني رسمي أصدره رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الاثنين وحصلت "إيلاف" على نسخة منه فقد اشار الى انه "لمقتضيات المصلحة العامة واستنادا للصلاحيات القانونية المخولة إلينا تقرر تكليف القاضي رائد جوحي حمادي بمهام مدير مكتب رئيس مجلس الوزراء".

وجاء تعيين القاضي جوحي الذي يحتفظ بعلاقات طويلة طيبة مع الكاظمي ضمن سلسلة تغييرات في المناصب العليا العسكرية والمدنية في البلاد في محاولة لانهاء الفوضى التي تعيشها منذ 17 عاما.

وكان المنصب الذي شغله جوحي مدار صراع بين القوى الشيعية التي احتفظت به لسنوات عدة كان آخرها تولي أبو جهاد الهاشمي الموالي لايران الذي شغله في حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي الذي استقال بضغط من تظاهرات الاحتجاج التي اجتاحت العراق منذ الاول من اكتوبر عام 2019.

ومن جهته فقد اعتبر مشعان الجبوي القيادي في تحالف الانقاذ والتنمية بزعامة أسامة النجيفي تكليف القاضي جوحي خطوة باتجاه انهاء دور الميليشيات والمجموعات الفاسدة واللجان الاقتصادية في مجلس الوزراء لما يتمتع به جوحي من قوة وشجاعة.

مهمات قضائية وإدارية

وتولى رائد جوحي من مواليد عام 1971 عدة مهام رسمية من بينها قاضي المحكمة الجنائية العراقية العليا وهو يحمل شهادة بكالوريوس قانون من جامعة بغداد عام 1993 وخريج المعهد القضائي في بغداد أيضا عام 2002 كما يحمل شهادة الماجستير في القانون الدولي من الولايات المتحدة الأميركية عام 2010.

رائد جوحي

وبعد سقوط النظام السابق عين جوحي عام 2004 رئيسا للفريق الذي حقق مع رئيس النظام السابق صدام حسين اثر اعتقاله في 13 ديسمبر عام 2003 حيث تولى مهمة رئاسة قضاة التحقيق في محكمة الجنايات العراقية العليا الذي ضم 24 قاضيًا و16 مدعيا عاما وعددا كبيرا من المحقّقين والخبراء، حيث حكم عليه بالاعدام الذي نفذ فيه نهاية عام 2006.

كما شغل القاضي جوحي وهو شيعي من عشائر السواعد الجنوبية مهام المفتش العام ل‍وزارة المالية والمفتش العام لوزارة الدفاع وكان قد اصدر مذكرة أعتقال بحق زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في الخامس من أبريل عام 2004 لمساهمة فصيله المسلح "جيش المهدي في نشاطات المقاومة العراقية للقوات الاميركية.

عن تحقيقه مع صدام حسين

وفي مقابلة صحافية سابقة، اشار القاضي جوحي الى ان مهمته التي تولاها منتصف عام 2004 للتحقيق مع صدام حسين كانت تهدف في البداية الى إقناعه بأنه متهم ولم يعد رئيسًا.. واوضح انه كان قبل سقوط النظام السابق قاضيا في محكمة تحقيق محافظة النجف وبسبب المعارك التي شهدتها بين القوات العراقية والاميركية من جهة وقوات الصدر من جهة أخرى فقد غادرها الى بغداد، حيث كان تابعاً لوزارة العدل التي كلفته للعمل في محاكم العاصمة واستمر في هذه المهمة حتى ليلة سقوط نظام صدام.

واضاف ان القاضي مدحت المحمود كان مشرفاً على الجسم القضائي انذاك وبعد بضعة ايام على سقوط النظام عاد القضاة الى عملهم في وقت كان العراق رسمياً وقانونياً بحسب القانون الدولي تحت الاحتلال الدولي الأميركي البريطاني فأرسلت قوات التحالف الأميركية البريطانية رسالة رسمية الى مجلس الأمن الدولي تعلن فيها انها سلطة احتلال للعراق فصدر قرار عن مجلس الأمن كرّس هذا الاحتلال.

وبين انه وفقاً لاتفاقية جنيف الدولية وقراري مجلس الأمن 1483 و1511 كانت الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤولتين عن إدارة العراق كدولتين محتلتين، فرأتا ان مدحت المحمود كان الرجل المهيّأ والمناسب للإشراف على الجسم القضائي العراقي وتم تعيينه في هذا المنصب.

وعما اذا كان متخوفا من تولي مهمة التحقيق مع صدام حسين أشار الى ان جل اهتمامه آنذاك كان تأدية مسألتين: الواجب المهني والواجب الوطني في مرحلة إعادة بناء الدولة.

وفيما اذا شعر بالرهبة بوجود ديكتاتور سابق أمامه قال القاضي جوحي "مسألة الرهبة موجودة. إذا كان الإنسان محترفاً عليه معرفة التعامل مع من يكون أمامه. أنا ولدت وصدام في السلطة. وكانت مشاهدتي له مثل أي عراقي عبر شاشات التلفزيون. وأسمع وأعرف وأرى. وعشنا الحروب العراقية واجتياح الكويت. من ثم الحصار الاقتصادي. لكن كأي إنسان محترف كنا نطوّر أنفسنا من ضمن الإمكانيات الموجودة. وكنا نشتغل على أنفسنا ونستعين بعلم النفس الجنائي لدراسة شخصية المتّهم وآلية التعامل معه. بالطبع مسألة اختيار صدام من بين المتّهمين الذين علينا التحقيق معهم لم تكن بسيطة. كان يلزمها تحضير نفسي كبير لي ولصدام معا لذا كان علينا تحضير صدام ليخرج من فكرة أنه كان رئيساً للسلطة وأنه متهم وعليه الدفاع عن نفسه ويتمتّع بكامل الحقوق القانونية لذلك".

وحول اقتناع صدام للتعامل مع المحكمة كمواطن متّهم، اوضح جوحي قائلا "في البداية كان الأمر صعباً عليه. فهو كان سياسياً. ويؤمن ان السياسة يمكن ان تتغيّر في أي وقت. ولكن مع مرور الأيام ومع توالي جلسات التحقيق، أصبح واضحاً له أنه متّهم. وهناك جرائم خطيرة. واتهامات أخطر. إذا ما ثبتت يمكن ان تصل عقوبتها الى الإعدام. وكان عليه ان يدافع عن نفسه. حجم الوثائق الذي كنا نعمل عليه هائل. حوالي العشرين طناً. نقلناها في شاحنات كبيرة. بالتالي خلال التحقيق لم يكن لصدام الوقت في ان يفكّر أنه رئيس. كان عليه ان يفكّر كيف يدافع عن نفسه أمام الاتهامات المدعومة بوثائق كثيرة".

واضاف انه حقق مع صدام لمدة عامين، حيث شكل فريق التحقيق وكان رئيسا لقضاة التحقيق مع فريق ضم أكثر من 60 محقّقاً و100 موظّف وخبراء لوجستيين وخبراء وثائق وكانت هناك مكاتب في مختلف المحافظات وبهذا الفريق تمت إدارة التحقيق مع صدام حسين ورفاقه.

وأشار في الختام الى ان التحقيق مع صدام قد اضاف اليه شخصيا الكثير و"على المستوى المهني دفعتني الى التعمّق في القانون الدولي كما أغنت علاقاتي برجال القانون على المستوى العالمي وعلى أثر ذلك أكملت دراسات عليا في القانون الجنائي في إحدى الجامعات الأميركية.