إسماعيل دبارة من تونس: شجبت هيئة تنظيم الإعلام المرئي والمسموع في تونس حوارا لرئيس البرلمان، زعيم حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي، مع قناة يملكها غريمه السياسي السابق نبيل القروي وهي قناة تعمل بشكل غير قانوني وسبق أن تعرضت لغرامات مالية من طرف "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري" والتي تعرف اختصارا باسم (هايكا).

وأجرت قناة "نسمة" حوارا يوم 8 يونيو الجاري مع الغنوشي، في ظرف تتقارب فيه كل من حركة النهضة صاحبة الاغلبية في البرلمان، مع منافسها السابق حزب "قلب تونس" الذي يترأسه نبيل القروي مالك قناة "نسمة".

وقالت "الهايكا" في بيان اطلعت "إيلاف" على نسخة منه: "مثل هذا الحوار مع قناة غير قانونية يمثل خطوة جديدة تشرع لمبادرات هدفها تمكين بعض الأحزاب المتنفذة من وضع اليد على الإعلام وتطبيع وضعية القنوات غير القانونية التابعة لأحزاب سياسية، والتي سبق للهيئة أن أحالت ملفاتها على الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد".

ووصفت الحوار بأنه "ممارسات تتعارض تماما مع النصوص القانونية والترتيبية المنظمة للإعلام السمعي والبصري وتكرّس ثقافة عدم احترام القانون والإفلات من العقاب وهي إحدى أهم المشاكل التي يعاني منها الشعب التونسي".

وأكدت الهيئة أن "تعمّد رئيس مجلس نواب الشعب التوجّه للتونسيين من خلال تلفزة غير قانونية تابعة لحزب حليف وتحوم حولها العديد من شبهات الفساد، والحال أن المشهد السمعي البصري في تونس ثريّ بالقنوات الخاصة القانونية والقنوات العمومية لهو دليل على حجم الأزمة التي بلغتها البلاد، وهو ما يستوجب موقفا واضحا من قبل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والنقابات وكافة القوى الفاعلة في البلاد لوضع حد لعدم احترام سيادة القانون بما يشكل تهديدا للدولة المدنية والممارسة الديمقراطية".

وجدّدت "الهايكا" دعوتها كل الأطراف إلى "تحمل مسؤولياتها من أجل تعزيز احترام الدستور والقوانين".

ولم يصدر توضيح من طرف حزب النهضة ولا رئاسة البرلمان بعدُ، بخصوص بيان هيئة الاتصال السمعي والبصري.

وسبق أن هاجم راشد الغنوشي حزب "قلب تونس" وقال إنه لا يمكن التحالف معه بسبب شبهات فساد تحوم حوله، لكن التطورات الأخيرة في البلاد جعلت الغنوشي يتخلى عن مواقفه السابقة ويتقربّ من القروي ويدافع على أهمية التحاق حزبه بالائتلاف الحاكم.

وبدا الغنوشي خلال الحوار مع "نسمة" مقتنعا بضرورة تعديل حكومي لاخراج الأحزاب التي صوتت ضدّه في البرلمان.

وصّوت حزبا "تحيا تونس" و"حركة الشعب" (داخل الحكومة) مع الحزب الدستوري الحر (المعارضة) لفائدة لائحة برلمانية تقدمت بها كتلة "الحزب الدستوري الحرّ" لرفض التدخل الأجنبي في ليبيا، وهو ما اعتبرته حركة النهضة "لحظة فاصلة يستحيل فيها تواصل هذا التحالف".

وقد عرض حزب "الدستوري الحرّ" لائحته ضد الغنوشي على خلفية اتصال هاتفي أجراه مع رئيس حكومة الوفاق الليبية ساعات بعد استعادتها السيطرة على قاعدة الوطية (غرب)، وهو ما فُهم تجاوزا لصلاحياته، وانحيازا لأحد أطراف النزاع الليبي.

وقال الغنوشي على "نسمة": "المشهد السياسي مفتت بعد الانتخابات، والغالبية الحكومية ليست غالبية برلمانية، مثلما حصل بين النهضة ونداء تونس بعد انتخابات 2014، لكن الحزب الثاني اليوم (قلب تونس) ليس في الحكومة، لذلك ينبغي توسيع الائتلاف الحكومي. ومن المنتظر أن تحصل تطورات في وضع الحكم، كي نصل إلى التوازن في المشهد وتحقيق تضامن حقيقي بين الأطراف الحكومية وليس صورياً، لأن هذا الوضع غير قابل للاستمرار".

وترفض قناة "نسمة" التي حصلت على الترخيص القانوني في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في ظروف غامضة، تسوية وضعها القانوني بموجب المراسيم الجديدة التي تنظم قطاع الاعلام.

وخلال الانتخابات الرئاسية التي وصل فيها مالكها نبيل القروي الى الدور الثاني، تعرضت القناة لانتقادات واسعة من طرف جهات كثيرة على خلفية استغلالها للاشهار السياسي للقروي وحزبه، وهو أمر ممنوع قانونا في تونس.

وللقروي جمعية تحمل اسم "خليل تونس" تقوم بتوزيع مساعدات على الفقراء في مناطق نائية، ما فهم خلال الانتخابات على انها "محاولة لشراء الاصوات"، وروجت قناته للجمعية ومالكها.

وفي يناير 2019، قالت "الهايكا" إن هذه القناة "تعد في وضعية بث خارج إطار القانون وقد تم اتخاذ قرار بتاريخ 13 يوليو 2018 بايقاف إجراءات تسوية وضعيتها لعدم التزامها بالقيام بالإجراءات المستوجبة قانونا. علاوة على ارتكابها عديد الخروقات الجسيمة وإصرارها على عدم الامتثال والالتزام بالقرارات الصادرة بشأنها.

واضافت: "إن ما تأتيه قناة “نسمة” في حق أطفال تونس ونسائها وشيوخها من مسّ لكرامتهم وانتهاك لحقوقهم مستغلة في ذلك فقرهم وهشاشة وضعياتهم بلغ حد تحويل هذا البؤس إلى مادة إعلامية مشهدية مهينة، كل ذلك في سبيل تضليلهم وتسوّل أصواتهم خلال المحطات الانتخابية القادمة".

ويرى متابعون أن عدم التشدد حيال هذه القناة ومالكها الى حدّ الآن، يعود إلى نفوذ نبيل القروي الواسع، وتحالفاته المتقلّبة مع جهات داخل الحكم وخارجه، ولعبه على تناقضات كثيرة واستغلاله لهشاشة الوضع في تونس للاستفادة من عدم تطبيق القانون والافلات من الأحكام الصادرة ضدّه.

وخاض القروي حملة الانتخابات الرئاسية ضد الرئيس الحالي قيس سعيّد وهو في السجن بسبب تهم فساد، ولكنه غادره في ظروف لم تتوضح معالمها بعد.