في مقالة كتبها بوريس جونسون في "تلغراف"، دافع عن ونستون تشرشل الذي يتعرّض اليوم لسيل من الاتهامات بالعنصرية في بريطانيا، وصلت إلى الدعوة إلى إزالة تمثاله من ساحة البرلمان.

إيلاف من دبي: نشرت صحيفة "تلغراف" البريطانية مقالة بقلم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، اعتبر فيها من السخف المطلق اجتماع عدد كبير من اليمينيين المتطرفين ومن الشباب المولع بإثارة المشكلات في لندن، في نهاية هذا الأسبوع، لحماية تمثال رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل. وبرأيه، كان يجب القبض على عدد كبير من الذين اختاروا التعامل مع الشرطة بعنف وعدوانية، وآثروا أن يكونوا عنصريين، "فلا مبرر يمكنه تبرير سلوكهم هذا"، بحسب قوله.

لنعالج جوهر المشكلة
برأيه أيضًا، كان من السخف أن يكون تمثال تشرشل معرّضًا للخطر، "فمشين أن يمكن أي شخص أن يدَّعي الحاجة إلى التمثال إلى الحماية، بل من المؤسف رؤية التمثال مجللًا بغطاء واقٍ. فعلى الرغم من أن هذا التمثال تعرّض للتغطية مرات عدة من قبل تحسبًا لمشكلات مختلفة، "لكنّ عددًا كبيرًا من الناس سينظر إلى صورة التمثال المجلل ويشعر بالحيرة، متساءلا: لماذا يُهاجم تشرشل؟، وما الذي وصل إليه العالم، ليجب حماية أحد أعظم قادة هذا البلد، وربما أعظمهم، من غضب الجماهير؟، كلنا نفهم عمق الشعور تجاه قتل جورج فلويد في مينيسوتا الأميركية، ولا يمكن أي شخص يهتم بهذا البلد أن يتجاهل الآلاف الذين انضموا إلى حركة ’حياة السود مهمة‘ للاحتجاج السلمي، وربما لا جدوى من القول إننا تقدمنا كثيرًا في الحد من العنصرية، فيتعين علينا القيام بالكثير بعد، وسوف نفعل؛ إذ حان الوقت لتشكيل لجنة حكومية مشتركة للنظر في جميع جوانب عدم المساواة، في التوظيف وفي النتائج الأكاديمية، في جميع مناحي الحياة الأخرى"، كما اعترف جونسون.

أضاف: "نحن بحاجة إلى معالجة جوهر المشكلة، لا الرموز، بحاجة إلى معالجة الحاضر، لا إعادة كتابة الماضي، أي لا يمكننا أن نغرق في نقاش لا ينتهي حول أية شخصية تاريخية معروفة ونقية بما فيه الكفاية أو صحيحة سياسيًا للبقاء في الوعي العام، كما لا يجب ذلك".

تاريخنا معقد
يسأل جونسون: "أين ينتهي هذا الأمر؟ أمفترضٌ أن نُسقِط كرومويل الذي قتل آلاف الأشخاص في أيرلندا؟ وماذا عن نيلسون وجميع النصب التذكارية الأخرى التي لا حصر لها للماضي الإمبراطوري لهذا البلد؟".

يتخذ جونسون في مقالته حالة أيوب سليمان جالو مثالًا، "وهو من تتدلى صورته في الغرفة 15 في معرض الصور الوطني. كان من مواليد غامبيا، وكان معروفًا ومحط إعجاب في لندن في القرن الثامن عشر كمترجم للنصوص العربية. وكان أيضًا في الأصل رقيقًا، أيعني هذا أنه يجب تطهير المعرض منه؟، فوجهة نظري هي أن تاريخنا معقد للغاية، وأن بريطانيا الحديثة هي نتاج مجموعة كبيرة من الأفكار والمعتقدات التي لا تبدو جيدة نسبة إلى أفكار اليوم".

يرأيه، عبّر تشرشل عن جميع أنواع وجهات النظر حول مسيرته الهائلة،"فنذكر أنه دخل البرلمان تحت حكم الملكة فيكتوريا، وتركه في عهد الملكة إليزابيث، وكلها أمور غير مقبولة تمامًا للأذن الحديثة؛ لكنه تغير مع الوقت حيث غيَّر رأيه في الهند وقدرتها على الاستقلال. وأيًا كان ما قاله في الإسلام في تسعينيات القرن التاسع عشر، فقد بنى مسجد ريجنت بارك في أربعينيات القرن العشرين، واتهامه بالعنصرية ضرب من الجنون؛ إذ وقف وحيدًا في وجه الطغيان العنصري، الذي لولا مقاومته، لطغى على هذا البلد وباقي دول أوروبا. كان بطلًا، وأتوقع أنني لست وحدي حين أقول إنني سأقاوم بكل ما أوتيت من قوة أية محاولة لإزالة هذا التمثال من ساحة البرلمان".

لن نهدم الماضي
يعود جونسون إلى التساؤل: "أليس أفضل وأصدق أن نطلب من أطفالنا أن يفهموا مزيج الخير والشر في مهنة تشرشل وغيره؟، فبدلًا من تمزيق بعض الرموز، يجب أن نبني رموزًا أخرى، ونحتفي من نعتقد أنه يستحق نصبًا تذكاريًا في هذا الجيل أيضًا. فالنحاتون موجودون، لماذا لا نكلفهم بإضافات ملائمة للمناظر الطبيعية وتحسين شكل المدينة؟".

ويؤكد ثانيةً أنه بدلًا من هدم الماضي، "لماذا لا نضيف كثيرين من غير البيض ساعدوا على بناء الكومنولث وعالمنا الحديث؟، أليس هذا نهجًا أكثر بهجة؟، فرواج مبدأ الأيقونية الصحيحة سياسيًا، ليس محبطًا وغير عادل فحسب، بل غالبًا ما يكون بعيدًا عن التاريخ. والأسوأ، أنه إلهاء تام عن الوجود".

يرى أن النضال الآن "تحويل ذلك كله إلى سرد عالمي؛ أي قصص نجاح لا تمييز، وهذا يعني أخذ النقاط الخطيرة التي أثارها المتظاهرون بجدية، ومعالجة العنصرية والتمييز والقضاء عليهما. وليس إضاعة الوقت في الخلاف الأكاديمي اللطيف حول حياة وآراء كل شخصية تاريخية خلدت حاليًا في البرونز أو الحجر".

يختم جونسون مقالته بالدعوة الصريحة إلى محاربة العنصرية، "فلنترك تراثنا في سلام حقيقي، وإذا أردنا تغيير هذا التراث، ثمة وسائل ديمقراطية، هي متاحة في هذا البلد بفضل ونستون تشرشل نفسه!".


النص الأصلي لمقالة بوريس جونسون منشورة هنا.