القاهرة: وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السبت، خلال خطاب له في قاعدة عسكرية جوية غرب البلاد، رسائل كثيرة الى غريمه رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي الذي تدعم بلاده حكومة الوفاق الوطني الليبية.

ولأول مرة، يهدد السيسي علنا ب"تدخل مباشر" للقوات المصرية في ليبيا، إذا واصلت القوات الموالية للحكومة الليبية المدعومة من تركيا، تقدمها نحو سرت التي تسيطر عليها قوات المشير خليفة حفتر المدعوم من القاهرة وأبوظبي وموسكو.

ويأتي هذا الخطاب على خلفية التصعيد العسكري في ليبيا، حيث استطاعت حكومة الوفاق المدعومة من تركيا إحراز نجاحات ميدانية ملموسة في الآونة الأخيرة على حساب "الجيش الوطني الليبي" بقيادة خليفة حفتر الذي يسيطر على شرق البلاد.

وأفشلت قوات الوفاق بدعم تركي جوي وأرضي حملة من المشير حفتر للسيطرة على العاصمة طرابلس.

وقال الرئيس المصري أثناء تفقده وحدات الجيش المصري في المنطقة العسكرية الغربية في كلمة بثها التلفزيون المصري وتابعتها "إيلاف": "إننا نقف اليوم أمام مرحلة فارقة... تتأسس على حدودنا تهديدات مباشرة تتطلب منا التكاتف والتعاون ليس في ما بيننا إنما مع أشقائنا من الشعب الليبي والدول الصديقة لحماية والدفاع عن بلدينا ومقدرات شعوبنا من العدوان الذي تشنه الميليشيات المسلحة الإرهابية والمرتزقة بدعم كامل من قوى" خارجية.

وأضاف: "إن اي تدخل مباشر من الدولة المصرية باتت تتوفر له الشرعية الدولية سواء في إطار ميثاق الأمم المتحدة لجهة حق الدفاع عن النفس أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي، مجلس النواب".

وأشار الى أن أهداف هذا التدخل ستكون "حماية وتأمين الحدود الغربية" لمصر "بعمقها الاستراتيجي"، و"سرعة استعادة الأمن والاستقرار على الساحة الليبية باعتباره جزءا لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والأمن القومي العربي".

ومنذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011 تشهد ليبيا حالة من الفوضى. ومنذ 2015 تتنازع سلطتان الحكم: حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز السرّاج وحكومة موازية تدعم المشير حفتر في شرق البلاد.

وتأتي تصريحات السيسي غداة تلقي الأمانة العامة لجامعة الدول العربية طلبا من مصر لعقد اجتماع افتراضي طارئ على مستوى وزراء الخارجية من أجل بحث تطورات الأوضاع في ليبيا. ومن المتوقع أن يعقد الاجتماع الأسبوع المقبل.

لكن حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة أعلنت أنها لن تشارك في الاجتماع.

وسيطرت القوات الموالية لحكومة الوفاق الليبية مطلع يونيو الجاري على الغرب الليبي وانسحبت قوات حفتر من مشارف طرابلس وغيرها من المدن بعد هجوم بهدف السيطرة على طرابلس حيث مقر حكومة الوفاق، وهو هجوم استمر أكثر من عام.

وتساند أنقرة حكومة الوفاق، بينما تدعم مصر وروسيا والإمارات خليفة حفتر.

وتواصل القوات الموالية للحكومة الليبية هجومها نحو سرت، المدينة الاستراتيجية على البحر المتوسط.

وقال السيسي للعسكريين: "إذا كان يعتقد البعض أنه يستطيع أن يتجاوز خط سرت أو الجفرة فهذا بالنسبة لنا خط أحمر".

وشدّد على أن من أهداف أي تدخل مصري أيضا "وقف إطلاق نار فوري وإطلاق مفاوضات العملية السياسية الشاملة برعاية الأمم المتحدة وفق مقتضيات مؤتمر برلين وتطبيقا لإعلان القاهرة".

وأعلن الرئيس المصري مطلع الشهر الحالي مبادرة لوقف إطلاق النار في ليبيا وافق عليها حفتر ولم ترد عليها حكومة الوفاق.

وانعقد مطلع العام مؤتمر دولي في برلين تعهدت خلاله الدول المشاركة دعم وقف لإطلاق النار في ليبيا والتزام "حظر تسليم الأسلحة" لطرفي النزاع في ليبيا.

وندّدت الأمم المتحدة في وقت لاحق بعدم احترام مقررات مؤتمر برلين.

وفي أنقرة أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالين السبت أن التوصل لوقف دائم لإطلاق النار في ليبيا يتطلب انسحاب قوات حفتر من مدينة سرت.

وقال السيسي في ذات الخطاب: "مصر لم تكن يوما من دعاة العدوان على الأراضي والمقدّرات لأي من الدول". لكنه أكد أن "الجاهزية والاستعداد القتالي للقوات صار أمرا ضروريا وحتميا في ظل حالة عدم الاستقرار والاضطرابات التي تسود منطقتنا".

وخاطب السيسي العسكريين بالقول: "الجيش المصري من أقوى جيوش المنطقة ولكنه جيش رشيد.. يحمي ولا يهدد.. وقادر على الدفاع عن أمن مصر القومي داخل وخارج حدود الوطن".

وأضاف السيسي مخاطبا الليبيين "نحن نتحدث مع شعب ليبيا وليس مع طرف ضد طرف، كلهم أبناء ليبيا فانتبهوا إلى خطورة المليشيات التي لا تستقر معها الدول".

وتابع "نحن في مصر نكن للشعب الليبي كل الاحترام والتقدير الكبير، وليبيا دولة عظيمة وشعبها عظيم ومناضل ومكافح، ونحن لم نتدخل في شؤونهم عبر الأزمة التي مرت على ليبيا وحتى الآن، وعلى استعداد دائم لتقديم الدعم والمساندة من أجل استقرار ليبيا وليست لنا أي مصلحة.. وأنا أقول ذلك لكي يصل كلامي من خلال هذا اللقاء لكل أبناء الشعب الليبي، نحن ليست لنا مصلحة إلا أمنكم واستقراركم لا نريد شيئا آخر.. وبالمناسبة لن يدافع عن ليبيا إلا أهل ليبيا، ونحن مستعدون لمساعدة ومساندة هذا".

وقال: "إحضروا لنا من شباب القبائل وتحت إشرافكم ندربهم ونجهزهم ونسلحهم تحت إشرافكم، نحن لا نريد غير ليبيا المستقرة الآمنة".

وأكد "لم نكن عبر التاريخ غزاة لأحد ولا معتدين على سيادة أحد، ولو كنا نفكر بهذا المنطق كان يمكن تنفيذ هذا من 3 أو 4 سنوات، لكن نحن نحترم الشعب الليبي، ولم نتدخل خلال هذه الأزمة حتى لا يذكر التاريخ إننا تدخلنا في بلادكم وانتم في موقف ضعف، لكن الموقف الآن مختلف، اليوم الأمور في معادلة الأمن القومي العربي، والأمن القومي المصري والليبي أيضا، ويجب أن نكون مدركين لذلك ومستعدين لتقديم التضحيات اللازمة والمواقف الشريفة اللازمة".

وأضاف "إذا قلنا للقوات تتقدم.. فهذه القوات ستتقدم وانتم متواجدين فوق منها، وشيوخ القبائل الليبية على رأسها، وعندما تنتهي المسألة تخرج القوات بسلام، لأننا لا نرغب في شيء إلا أمن واستقرار وسلام ليبيا".

وقال "أنا بقول الكلام ده وأرجو أن يصل إلى الشعب الليبي، فإذا تحرك الشعب الليبي من خلالكم وطالبنا بالتدخل، فهذه إشارة للعالم على أن مصر وليبيا بلد واحدة ومصالح واحدة وأمن واحد واستقرار واحد".

وتابع الرئيس السيسي "يخطئ من يظن أو يعتقد إن حلمنا (صبرنا) ضعف.. ويخطئ من يفسر أو يظن أن صبرنا تردد.. فصبرنا من أجل استجلاء الموقف وإيضاح الحقائق لكن ليس أبدا ضعفا أو تردد".

إلى ذلك، رحبت قوات حفتر بتصريحات السيسي، وعلق مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني الليبي، العميد خالد المحجوب في تصريحات هاتفية لـ"سكاي نيوز عربية" بالقول إنّ "مصر هي الشريك الحقيقي لتحقيق الأمن في ليبيا، لا تركيا".

وأضاف المحجوب أن تركيا "تسعى لتحقيق أهداف اقتصادية من تدخلها في ليبيا"، فيما أكد على أن "مصر واعية لخطورة التدخلات الخارجية في ليبيا والتهديدات الإرهابية"، على حدّ تعبيره.