بعد خسارته عمله في لبنان جراء الانهيار الاقتصادي المتسارع، اختار عامل سوداني التسلّل عبر الحدود إلى اسرائيل، حيث اختبأ في مجاري المياه، قبل أن يعثر جنود عليه، في ظاهرة تكررت مؤخراً رغم كون رحلة العبور محفوفة بالمخاطر.

ويشهد لبنان منذ العام الماضي انهياراً اقتصادياً متسارعاً، خسر معه عشرات الآلاف من اللبنانيين والعاملين الأجانب مصدر رزقهم أو جزءاً من رواتبهم خصوصاً مع التراجع المستمر في قيمة الليرة أمام الدولار.

وأمام هذا التردي الاقتصادي، ومنذ بداية مايو، حاول 16 شاباً سودانياً على الأقل الفرار عبر الحدود الجنوبية، آخرهم الأربعاء الماضي. وقد وجده عناصر من الجيش الإسرائيلي مختبئاً في مجاري المياه، قبل أن يحققوا معه ويعيدونه عبر الحدود إلى لبنان.

ويقول مصدر أمني لبناني لوكالة فرانس برس "أظهرت التحقيقات الأوليّة أنّ محاولات التسلّل إلى إسرائيل لا تحصل لأسباب أمنية أو تجسّس، لكنها مرتبطة حصراً بالأزمة الاقتصادية والمالية".

ولبنان وإسرائيل في حالة حرب. وتنتشر على طول الحدود قوات الأمم المتحدة المؤقتة(يونيفيل) التي عززت انتشارها في لبنان إثر حرب يوليو 2006 بين حزب الله وإسرائيل.

أمام السفارة السودانية في بيروت، ينتظر عشرات السودانيين كل صباح أن تفتح أبوابها ليسارعوا بتقديم طلبات للعودة إلى بلدهم، الذي يعاني أساساً من ترد اقتصادي ويشهد حالياً عملية انتقال سياسي إثر انتفاضة شعبية.

ويقول عيسى (27 عاماً) لوكالة فرانس برس "أريد العودة إلى السودان لأن الحياة هنا باتت باهظة جداً وراتبي لا يساوي شيئاً، بالكاد أتمكن من تأمين الطعام".

ويحصل عيسى على 500 ألف ليرة كراتب شهري، وهو ما كان يعادل حتى الصيف الماضي 333 دولاراً، إلا أنه بات اليوم بالكاد يعادل نحو مئة دولار.

وفيما السعر الرسمي لا يزال مثبتاً على 1507 ليرات، تتراجع قيمة الليرة في السوق السوداء منذ صيف 2019 وتخطت مؤخراً عتبة الخمسة آلاف مقابل الدولار.

وقدّم أكثر من ألف سوداني من أصل أربعة آلاف على الأقل يعيشون في لبنان طلبات إلى سفارة بلادهم للمغادرة، وفق ما يقول عضو رابطة الشباب السودانيين في لبنان عبدالله مالك.

وليس العمال السودانيين وحدهم من يرزحون تحت ثقل الأزمة الاقتصادية، إذ تتردّد منذ أسابيع عشرات العاملات الأثيوبيات إلى قنصلية بلادهن رغبة منهنّ بالرحيل.

وبحسب ناشطين ومجموعات مدافعة عن حقوق العمال الأجانب، تكررت مؤخراً ظاهرة تسريح العاملات أو إعادتهن الى المكاتب التي استقدموا عبرها من دون حتى دفع رواتبهم.

مخاطرة

ووجد الجيش اللبناني الأسبوع الماضي جثة رجل سوداني مرمية في منطقة حدودية. ويُعتقد أنه كان يسعى لخوض رحلة الفرار ذاتها إلى إسرائيل، إلا أن ملابسات الوفاة لا تزال مجهولة.

وأوقف الجيش في مايو أكثر من مرة سودانيين قرب الحدود الجنوبية، منهم من اعادته القوات الإسرائيلية بعد تسللهم، ومنهم من كانوا يستعدون لعبور الحدود.

ويصعب تحديد عدد الأشخاص الذين نجحوا في التسلل والهرب من عيون الدوريات العسكرية على طول الحدود، إلا أن واحداً على الأقل جرى اعتقاله ولا يزال موجوداً في إسرائيل.

وأوقفت القوات الإسرائيلية محمد أبشر أباكر في كانون الثاني/يناير قبل أن تسلمه للشرطة التي أطلقت سراحه لاحقاً في نيسان/أبريل.

وتقول المتحدّثة باسم مؤسسة "الخط الساخن للاجئين والمهاجرين" الإسرائيلية شيرا أبو "قال لنا إنه يريد التقدم بطلب لجوء، وسنبحث الموضوع معه حين نلتقي به" بعد رفع التدابير الوقائية من وباء كوفيد-19 التي حالت دون اللقاء به.

لكن فرصه تبدو ضعيفة، فالسلطات الإسرائيلية لم تمنح صفة اللجوء خلال السنوات الماضية سوى لسوداني واحد من أصل ستة آلاف موجودين لديها.

وينتظر غالبية هؤلاء البتّ في طلباتهم المعلقة منذ سنوات مستفيدين من إمكانية العمل، فيما جرى منح نحو ألف منهم "حماية إنسانية".

وبدأ غالبية المهاجرين السودانيين القدوم إلى إسرائيل عام 2007 عبر صحراء سيناء المصرية، لكنّ القوات الإسرائيلية وضعت حداً لذلك عبر تعزيزها أمن الحدود.

وتدين أبو إجبار السودانيين الذين توقفهم دوريات القوات الإسرائيلية على العودة.

وتقول "إذا قال أحدهم إنه يريد أن يتقدم بطلب لجوء، يجدر منحه فرصة لقاء أشخاص مدربين على التعامل معه".

وباعتبار أن لبنان وإسرائيل في حالة حرب، فليس هناك أي تنسيق بينهما.

ووفق معلومات جمعها جنود إسرائيليون، يستخدم العاطلون عن العمل وسائل التواصل الإجتماعي لإعداد رحلتهم إلى إسرائيل.

ورغم أن محاولة التسلل مهمة محفوفة بالمخاطر، جراء التعزيزات الأمنية عند الحدود، لكنّ الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان لم تعد محتملة بالسنبة لهؤلاء العمال المهاجرين.

يقول عبدالله مالك في بيروت إن "الظروف المعيشية الصعبة والشعور باليأس يدفعون البعض بالمخاطرة إلى هذا الحدّ".