يبدو أن رجب طيب أردوغان لا يجد من يرسم لطموحه التوسعي حدودًا. فها هو يتدخل في جواره العربي، في سوريا والعراق وليبيا، ولا أحد في العالم يحول دونه.

تركيا تمد أذرعها في سوريا وليبيا والعراق، ويبدو أن أحدًا لا يردعها. فسألت "إيلاف" القارئ العربي: "كيف ترى الموقف العالمي من التدخل التركي في ليبيا والعراق وسوريا؟".

أجاب عن هذا السؤال 1751 قارئًا، اختار 613 منهم خيار "داعم" بنسبة 35 في المئة، مقابل 1138 اختاروا خيار "متخاذل" بنسبة 65 في المئة.

الموقف الدولي من التدخلات التركية في سوريا والعراق صارت معروفة، خصوصًا أن تركيا دخلات إلى سوريا ضمن اتفاقات دولية مع روسيا والولايات المتحدة وإيران، لوقف التصعيد هناك وضبط الأوضاع المتدهورة. وكذلك في العراق، حيث ما زالت ثمة فلول لداعش.

لكن التدخل الأبرز، الذي يجب أن نلقي عليه الضوء ساطعًا هو تدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ليبيا البعيدة.

المواقف من هذا التدخل، كما من التدحل التركي في سوريا والعراق، لم يكن حازمًا، وربما تراجع أحيانًا إلى حدود التخاذل.

عربيًا

أكد السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، أن تدخل تركيا في الشؤون العربية واستجلابها مقاتلين وإرهابيين أجانب إلى الأراضي الليبية مرفوض ومدان. أضاف: "الوضع في ليبيا يحظى باهتمام كبير جدًا على مستوى الجامعة العربية والأمين العام، لأنه موضوع يؤثر في الأمن والاستقرار، ليس في ليبيا فحسب، لكن في عموم منطقة شمال أفريقيا، خصوصًا في دول الجوار العربية وفي مقدمها مصر وتونس والجزائر".

وأوضح أن الموضوع الليبي يشغل اهتمام الأمانة العامة للجامعة: "كانت مفاجأة طيبة عندما أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي المبادرة الليبية لحل الأزمة (إعلان القاهرة) بعد اجتماعه برئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح وقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، وهذا الإعلان يفتح الباب أمام فرص التسوية السياسية التي ينشدها الجميع والجامعة العربية أيضًا بشكل أساسي منذ بداية الأعمال العسكرية".

أضاف أن التدخلات التركية في ليبيا أو سوريا أو العراق تدخلات مرفوضة ومدانة، "وفي حالة ليبيا هناك فقرة واضحة تتحدث عن استجلاب المقاتلين والإرهابيين الأجانب إلى أرض ليبيا، وهذا الأمر محل رفض وإدانة من الأغلبية الكاسحة من الدول العربية، وتحفظت دولة ليبيا على القرار لأسباب مفهومة، إضافة إلى دولة أخرى، لكن الأغلبية وافقت على هذا القرار، وبالتالي أصبح قرارًا رسميًا ومعتمدًا، والأمانة العامة أمينة على هذا الموقف من الوزراء العرب وأمينة عن الدفاع عنه وشرحه أمام كل الدوائر، وتركيا تختبئ وراء اتفاقها مع حكومة الوفاق في طرابلس لتحقيق أهداف اقتصادية وعسكرية وسياسية لها سواء في ليبيا أو عموم منطقة شمال أفريقيا، وهذا أمر مرفوض ولا يمكن لأي شخص يفهم في أبجديات العمل العربي المشترك أن يتقبله أو يوافق عليه".

أميركيًا

لأغلب القوى الكبرى والإقليمية موقف واضح في ليبيا، إلا الولايات المتحدة، وقد يكون هذا سبباً رئيسياً لاستمرار الأزمة.

تقليدياً، تعترف الولايات المتحدة بحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، الحكومة التي تعاونت مع الغرب في مسألة مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وتلقى تأييداً من إيطاليا، إضافة إلى الدعم التركي الأخير.

في المقابل، فإن خصم هذه الحكومة خليفة حفتر يحظى برعاية حلفاء الولايات المتحدة مثل الإمارات ومصر، إضافة إلى فرنسا. لذا لم يكن غريباً أن يقلب الرئيس الأميركي دونالد ترمب السياسة الأميركية تماماً، ويُجري اتصالاً هاتفياً مفاجئاً مع حفتر في إبريل 2019، ويشيد بدوره في مكافحة الإرهاب، مخالفاً الموقف الرسمي للخارجية، وهو اتصال قيل إنه تم بوساطة إماراتية - مصرية.

لكن مع تزايد الهواجس الأميركية تجاه روسيا، يبدو أن تأثير حلفاء ترمب والتوتر في العلاقة مع تركيا يتراجعان قليلاً، ويشعر صُناع الساسة الأميركيون أن تركيا التي لاموها على تقاربها مع موسكو هي القوة الوحيدة التي تتصدى للنفوذ الروسي الزاحف في ليبيا.

فقد أعلن ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط والأدنى، في 12 فبراير رفض بلاده للحملة العسكرية التي تشنها قوات حفتر، قائلًا في جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأميركي حول سياسة الوزارة تجاه ليبيا، وفق وكالة "سبوتنيك" الروسية: "نرفض الحملة العسكرية التي شنها حفتر، وندعوه إلى الانخراط في محاولات حل الأزمة، والولايات المتحدة تعترف بحكومة الوفاق وتؤيدها، ولا تعترف بحفتر، والتدخل التركي ساهم في موازنة الكفة في ليبيا".

أضاف شينكر: "التدخل التركي في ليبيا أبطأ تقدُّم قوات حفتر وخلق توازنًا يمهد الطريق أمام سبلٍ أفضل للتفاوض"، مؤكدًا ضرورة وقف إطلاق النار بين الأطراف المتقاتلة في ليبيا.

روسيًا

يقول مراقبون إن أردوغان بتدخلاته هذه يخاطر بمواجهة عسكرية مع صديقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فحتى إذا كانت روسيا تنفي وجود مرتزقة من مواطنيها يقاتلون إلى جانب قوات حفتر، فإنّ المبعوث الأممي غسان سلامة وتركيا يشيران إلى وجود هؤلاء. وربما تؤدي اشتباكات بين قوات تركية ومرتزقة روس مفترضين، إلى عودة التوتر بين تركيا وروسيا اللتين تجاوزتا في عام 2015 أزمة دبلوماسية خطيرة للتقارب والتعاون في سوريا، بعد إسقاط تركيا طائرة مقاتلة روسية في الأجواء السورية.

يضيف مراقبون أن أردوغان يمكنه التعويل على علاقاته الجيدة مع نظيره الروسي. فالأتراك والروس أظهروا أنّ على الرغم من التوتر والأزمات التي يمكن أن تشوب العلاقات بينهم، فإنّهم يعرفون كيف يتجنبون المواجهة المباشرة.

فالتجربة السورية الأخيرة دليل على إمكانية تعايش أردوغان – بوتين في سوريا والعراق، وحتى في ليبيا، على الرغم من تناقض مواقفهما العسكرية في إدلب، حيث يدعم أردوغان الإسلاميين فيما تقصف طائرات بوتين مواقعهم يوميًا. وبالتالي، ربما لن يجد أردوغان معارضة روسية حقيقية لأطماعه التوسعية.

أوروبيًا

يسهم التدخل العسكري التركي في ليبيا بزيادة التوتر بين أنقرة من جهة، وباريس وبرلين ولندن من جهة أخرى. فالرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون عبر عن قلقه من مخاطر التصعيد في ليبيا، المرتبطة بتزايد التدخلات العسكرية الأجنبية، بحسب ما أعلنت الرئاسة الفرنسية غداة سماح برلمان أنقرة بنشر قوات تركية في ليبيا. وأضاف البيان الفرنسي أن ماكرون ندد في محادثة هاتفية مع بوتين بالاتفاقات الموقعة من حكومة فائز السراج الليبية بشأن القضايا البحرية والأمنية، في إشارة إلى اتفاقات وقعتها في نهاية نوفمبر 2019 حكومة الوفاق الوطني بطرابلس مع تركيا بشأن الحدود بين البلدين، إضافة إلى القرارات كلها التي تؤدي إلى تصعيد.

كما أعرب الاتحاد الأوروبي عن "قلق بالغ" بشأن قرار تركيا بالتدخل عسكريًا في الحرب الأهلية المتصاعدة في ليبيا، ويأتي هذا التحذير إضافة إلى تحذيرات مشابهة أعربت عنها الولايات المتحدة وروسيا ومصر.

في المقابل، يرى الأوروبيون أن تركيا تؤدي دورًا أساسيا في خفض التصعيد في سوريا وبعض مناطق العراق، من دون التشديد على الحرب التركية المستمرة على الأكراد.