يحاول مصطفى الكاظمي الحدّ من نفوذ ميليشيات إيران في بلاده وتفكيكها، لكن المواجهة الأولى بين الطرفين كبدته خسارة فادحة، إذ اضطر إلى التراجع. فهل يستطيع أخيرًا من بلوغ مرامه؟ غالبية قراء "إيلاف" لا تستبشر خيرًا.

إيلاف من بيروت: في مداهمة هي الأجرأ منذ سنوات من قوات الأمن العراقية ضد فصيل مسلح قوي تدعمه طهران، قال الجيش العراقي في الأسبوع الفائت إن قواته داهمت قاعدة في جنوب بغداد يستخدمها أفراد فصيل مسلح يُشتبه في أنه أطلق الصواريخ على سفارات أجنبية في المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد ومطار بغداد الدولي، وإن السلطات العراقية استجوبت 14 رجلًا اعتُقلوا خلال المداهمة، وحدث ذلك بعد عدد من الهجمات الصاروخية بالقرب من السفارة الأميركية في بغداد ومواقع عسكرية أميركية أخرى في البلاد في الأسابيع الأخيرة.

سألت "إيلاف" قراءها: "بعد مداهمات مقار واعتقالات عناصر كتائب حزب الله في العراق، هل ينجح مصطفى الكاظمي في تفكيك الميليشيات في العراق؟".

شارك في هذا الاستفتاء 688 قارئًا، قال 199 منهم "نعم"، بنسبة 29 في المئة، وقال 489 منهم "لا"، بنسبة غالبة تبلغ 71 في المئة.

تبرير مقنع
نقلت "الحرة" الخبر الآتي: "كان المسؤول الأمني لميليشيا كتائب حزب الله، أبو علي العسكري، هاجم الكاظمي، موجّهًا إليه انتقادات شديدة اللهجة، اعتبرها مراقبون إهانة للدولة العراقية. وفي تحدّ للعملية الأمنية التي نفذت قبل أيام، قال أبو علي العسكري في تغريدة إن عناصر الميليشيات الذين اعتقلوا على يد عناصر جهاز مكافحة الإرهاب ’أطلق سراحهم‘. وادّعى العسكري أن الكاظمي تعهد بعدم تكرار الأعمال الصبيانية، وثمة جهات داخلية وخارجية كفلت هذا، وهو ما لاقى استياء من مغرّدين عراقيين اعتبروها تعديًا على سلطة الدولة".

هذا الخبر كفيل وحده بتبرير اختيار غالبية المشاركين في الاستفتاء خيار "لا"، أي إن الكاظمي لن ينجح بتفكيك الميليشيات في العراق. فالمراقبون يجمعون، حتى الساعة، على حقيقة مفادها أن هذه الميليشيات، المدعومة بقوة من الجارة إيران، أقوى من الدولة العراقية، ومن رغبة مسؤولين عراقيين كثر في الخلاص من أي ميليشيات تعمل خارج إطار الدولة.

فشل ذريع
هكذا، بعد خطوة جريئة من الكاظمي، لكن غير محسوبة بحسب المراقبين، شكلت عملية إطلاق سراح عناصر ميليشيا مسلحة تدعمها إيران بكفالة فشلًا للكاظمي في أول اختبار له في مواجهة النفوذ الإيراني.

أضاف المراقبون أن رئيس الوزراء العراقي خضع للضغوط التي تنفذها هذه الميليشيات، خصوصًا أن وسائل إعلام عراقية مقربة من حزب الله العراقي نشرت مشاهد لعناصر في الحزب يدوسون صور الكاظمي ويحرقون العلمين الأميركي والإسرائيلي.

يعمل صامتًا
نقلت صحيفة "العرب" عن مصادر مقربة من الكاظمي قولها إنه يعمل بصمت لتفكيك الميليشيات الموالية لإيران وداعميها في البرلمان، أو في الأقل دفعها إلى التخفي من المشهد بالتزامن مع سعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى تطوير شراكتها مع العراق شرط تحجيم دور الجماعات المدعومة من طهران.

رجحت المصادر أن يكون الكاظمي يجهز لقطع مصادر تمويل هذه الميليشيات التي تتغذى من حسابات لأسماء موظفين وهميين في الدولة، فيما تسعى الولايات المتحدة إلى إنهاء الحضور الإيراني في العراق، حيث بدأت بغداد حوارًا استراتيجيًا مع واشنطن يستهدف تقوية الشراكات بين الطرفين على مختلف الأصعدة، بحسب الصحيفة نفسها.

تضيف "العرب" أن مراقبين اعتبروا أن الكاظمي يوسع مساحة تأثيره بشكل هادئ، ويدفع بشخصيات محسوبة على إيران إلى التواري عن الأنظار، بالتزامن مع توجه حكومته نحو تعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة في المجالات الاقتصادية والثقافية والأمنية؛ وأن مقربين من قادة الميليشيات يرون أن الكاظمي يعمل على تقويض نفوذها في مؤسسات الدولة، بملاحقة منافذ صرف الرواتب، حيث تذهب ملايين الدولارات شهريا لقوائم تضم أسماء موظفين وهميين. وفي حال نجحت الخطة، قد تخسر الميليشيات مصادر تمويلها، ما يؤثر على أنشطتها.

رهان أميركي
محاولة الكاظمي ليست الأولى في السياق التاريخي للأزمات العراقية المتتالية. فقد كانت هناك محاولات حكومية سابقة للحد من نفوذ فصائل إيران المسلحة، من دون جدوى؛ إذ سعى رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إلى فرض سيطرة الدولة على الميليشيات، وفصل أجنحتها العسكرية عن السياسية، ولم يفلح. وأتى بعده عادل عبد المهدي ليرفع ميزانية الحشد الشعبي بنسبة 20 في المئة في 2019، ويفسح المجال أمام الفصائل المدعومة إيرانيًا لتوسيع حضورها الإقليمي على امتداد الحدود العراقية السورية، وأن تتحرك بحرية، بحسب تقرير نشرته فورين بوليسي.

رأى التقرير أن الكاظمي تسلم مهامه وقد مُهّد الطريق أمامه لوضع حد للنفوذ الإيراني في بلاده، بدعم من السيستاني الذي يسعى إلى رفع الشرعية عن الحشد الشعبي، بعدما كان هو من أصدر فتوى "الجهاد الكفائي" التي أدت إلى نشوء العديد من الفصائل المسلحة، وبالتالي تشكيل هيئة الحشد الشعبي لمحاربة تنظيم الدولة الإيلامية (داعش) في عام 2014.

يراهن تقرير فورين بوليسي على أن الرئيس العراقي برهم صالح يمكن أن يكون حليفًا قويًا للكاظمي في هذا المسعى؛ إذ لعب دورًا حيويًا في المشهد السياسي أكثر من سابقه فؤاد معصوم.

ولكن!
نعم.. ولكن! على الرغم من الدعم الشعبي الذي يلقاه الكاظمي من المحتجين الذين يرفعون صوره، بعدما استبشروا خيرًا في خطواته بوجه ميليشيات إيران في العراق التي استمرت منذ استلام نوري المالكي الحكم، وسيطرتها على المفاصل المالية للدولة، في استنزاف 60 مليار دولار سنويًا من الخزينة العراقية، يذهب جزء منها إلى الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله في لبنان، وتمويل الحرب في سوريا واليمن، فيما يحتفظ مسؤولوها بجزء في خزائنهم أو مؤسساتهم على حساب العراقيين، فإن السؤال المطروح اليوم، والذي مكن قراءته في ضوء نتيجة استفتاء "إيلاف" التي تغلّب كفة فشل الكاظمي، هو الآتي: "هل تسكت إيران عن تقليم أظافرها في العراق، بعدما استطاع حزب الله اللبناني تخويف ثوار 17 تشرين بإثارة الفتن الطائفية؟".

إن الساحة العراقية هي الساحة الأولى والأهم في نظر إيران، في صراعها المباشر مع الولايات المتحدة، لذا يشكل تخلي إيران عن ميليشياتها الشيعية في العراق من سابع المستحيلات، ولم يصل الكاظمي بعد إلى شغل مكانة شعبية قوية تقدره على الصمود بوجه إيران، إن أرادت قلب الطاولة عليه بأي سبيل.