إيلاف من الرياض: كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" أمس الجمعة، تفاصيل عن "شبكة فساد" أدارها مسؤول الاستخبارات السعودي السابق سعد الجبري، الذي تلاحقه الرياض بتهمة تبديد مليارات الدولارات.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن تقريرها استند إلى "التأكد من تفاصيل التحقيق السعودي والبحث بشكل أكبر في النتائج التي تم التوصل إليها من قبل مسؤولي المخابرات الأمريكية والأوروبية".

وأوضحت أن "الجبري متهم مع مجموعة من الأشخاص الذين كان يقودهم خلال فترة عمله في وزارة الداخلية بإساءة إنفاق ما يقارب 11 مليار دولار من الأموال الحكومية، ومنح أنفسهم مليار دولار على الأقل".

وتابعت: "استفادت المجموعة من خلال تحميل الحكومة المزيد من الرسوم مقابل العقود التي كانت تبرم مع شركات غربية كبيرة، كما أنها استخدمت الحسابات الخارجية المرتبطة بالبنوك الغربية الكبيرة لتحويل الأموال".

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مصادر أن "عمل الشبكة جرى بموافقه المسؤول آنذاك ولي العهد السابق محمد بن نايف"، حيث "كان الجبري، بحسب الصحيفة، ثاني أكثر شخصية نافذة في وزارة الداخلية، وأنه أدار صندوقا خاصا للوزارة يشرف على الإنفاق الحكومي على جهود مكافحة الإرهاب ذات الأولوية العالية".

وخلال 17 عاما أشرف فيها على الصندوق، تدفق ما يقارب 19.7 مليار دولار من خلاله، تقول التحقيقات إن "11 مليار دولار منها تم إنفاقها بشكل غير صحيح من خلال رفع رسوم العقود أو تحويلها إلى وجهات أخرى، بما في ذلك حسابات مصرفية خارجية يسيطر عليها الجبري وعائلته وشركائه، بالإضافة إلى محمد بن نايف".

وكان الجبري قد غادر المملكة في 2017 ، ويعيش في تورونتو، وحسب صحيفة وول ستريت فإن كندا لم توافق على تسليمه للمملكة.

الجبري الرجل الثاني في الداخلية

وكان الجبرى الشخصية الثانية في وزارة الداخلية السعودية ـ التي أدارها محمد بن نايف ـ لسنوات عدة منذ أن كان مساعداً لأبيه في وزارة الداخلية سنة 1999. وكان الجبري يشرف على صندوق خاص للوزارة حيث اختلط الإنفاق الحكومي على جهود مكافحة الإرهاب ذات الأولوية العالية مع مكافآت للجبري وآخرين بحسب الوثائق التي راجعتها الصحيفة ومقابلات مع المسؤولين السعوديين والمقربين من الجبري.

وخلال 17 عامًا أشرف فيها على الصندوق، تدفّق 19.7 مليار دولار من خلاله. وتقول الحكومة إن 11 مليار دولار تم إنفاقها بشكل غير صحيح من خلال المدفوعات الزائدة على العقود أو تم تحويلها إلى وجهات بما في ذلك حسابات مصرفية خارجية يسيطر عليها السيد الجابري وعائلته وشركائه بمن فيهم محمد بن نايف.

استغلال صندوق االقضاء على الإرهاب لأعمال شخصية

وحظي الصندوق الذي أسسه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز للقضاء على الإرهاب محلياً بعد هجمات 11 سبتمبر، بجزء كبير من ميزانية وزارة الداخلية لتسهيل عمله. غير أن «الجبري أنشأ نظاماً يمكنه هو وزملاؤه الاستفادة منه»، بحسب الصحيفة.

إحدى الأدوات الرئيسية لشبكة الجبري، كما تقول الصحيفة، كانت «شركة تحكم التقنية التي تم تسجيلها في عام 2008 ومولتها الوزارة، لكنها كانت مملوكة في بعض الأحيان لشقيق الجبري وابن أخيه واثنين من زملائه المقربين، كما تظهر سجلاتها».

اشترت الشركة البرمجيات والأجهزة من شركات تكنولوجيا أميركية «وأعادت بيعها للحكومة، غالباً بأرباح كبيرة». وقال رئيس شركة أميركية تعامل معها الجبري إن «الشركة لديها أشخاص مقربون من الجبري يشغلون أدواراً قيادية».

وكشفت الصحيفة أن «جزءاً كبيراً من الأموال التي تدفقت خارج الوزارة ذهب إلى شركة «سكب القابضة» التي تلقت أكثر من 26 مليار ريال (6.9 مليار دولار) في الفترة من 2008 إلى 2014، وفقاً للحسابات المصرفية ووثائق التحويل التي استعرضتها الصحيفة». وأوضحت أن «سكب» حولت «بانتظام عشرات الملايين من الدولارات» إلى حسابها في مصرف بجنيف، «حيث يتم إرسال بعض هذه الأموال إلى حسابات بأسماء مساعدي الجبري».

وفي المحصلة، «تلقى الجبري حوالى 250 مليون دولار من شركة سكب وشركات أخرى ممولة من وزارة الداخلية»، وفقاً لوثائق مصرفية وأشخاص مطلعين على التحقيقات الجارية في المملكة.

ووفقاً لما توصل إليه المحققون السعوديون، فإن «الجبري وشقيقه واثنين من أبناء أخيه واثنين من زملائه قد تلقوا أكثر من مليار دولار من المدفوعات المباشرة». وتحقق الرياض أيضاً في مليارات الدولارات من تدفقات الأموال الأخرى غير المباشرة وعقودٍ مبطنة.

وذكرت الصحيفة الأميركية أن «محمد بن نايف تلقى مئات الملايين من الدولارات مباشرة من شركة سكب، لكن في بعض الحالات تم دفعها لشركات أخرى عملت لوزارة الداخلية، وذلك بحسب السجلات المصرفية والأشخاص المطلعين على التحقيق السعودي».

ولفتت الصحيفة إلى أن «تلك الترتيبات انتهت في 2017 عندما خرج محمد بن نايف من ولاية العهد، وسعى الأمير محمد بن سلمان إلى تفكيك نظام المحسوبية».

وتم نقل ملكية شركة «تحكم التقنية» إلى الحكومة. واكتشف المحققون السعوديون أن وزارة الداخلية دفعت للشركة أكثر من 11 ألف دولار مقابل كل قطعة للحصول على ألفي هاتف أرضي وهاتف محمول آمن تكلفته 500 دولار فقط، بحسب الأشخاص المطلعين على التحقيق.

وقالت المصادر للصحيفة إن «الأجهزة تم التخلص منها في وقت لاحق لأنها لم تعمل بشكل جيد». كما اكتشف أن مساعدي الجبري «اختلقوا أوراقاً تفيد بأن الشركة مدينة لهم بقروض بقيمة 30 مليون دولار».

وتظهر سجلات رسمية أميركية وإيصالات الإيداع الخاصة بالشركات أنه في عام 2013، اشترت الشركات التابعة لسعد الجبري وابنه خالد شقة بنتهاوس في بوسطن بمبلغ 3.5 مليون دولار، وأربع وحدات أخرى في نفس المبنى مقابل ما بين 670 ألف دولار وما يزيد بقليل عن مليون دولار.

ووفقاً لسجلات الدولة الأميركية أيضاً، اشترت شركة أسسها الجبري وابنه، ويديرها الأخير، شقة بقيمة 4.3 مليون دولار في فندق «ماندارين أورينتال» في بوسطن عام 2017. وهذا العام أنفقت الشركة 13.75 مليون دولار أخرى على الشقق في فندق «فور سيزونز» ببوسطن. وفقاً لأقاربه، فإن الجبري يمتلك أيضاً منازل في تورونتو، حيث يقيم حالياً، وفي تركيا كذلك.