يبدو أن السلطات الصينية لا تألو جهداً لطمس الثقافة الأويغورية، فهي تعتقل أو تخفي قسرًا أكثر من 400 مثقف أويغوري منذ عام 2017، ولا تعترف باحتجازهم.

بكين: مر نحو عامين منذ اعتقل عناصر في الأمن الوطني الصيني والد بوغرا أركين المنتمي إلى أقلية الأويغور المسلمة بشكل مفاجئ من منزله في مقاطعة شينجيانغ. وترجمت دار النشر يبولايين المملوكة لوالد أركين وإحدى كبرى دور النشر في المنطقة، آلافًا من الكتب للغة الأويغور قبل اعتقاله في اكتوبر 2018. مذاك، لم يعرف أركين شيئًا عن والده.

قال أركين الذي يعيش في كاليفورنيا: "أبي كان له تاثير قوي على صناعة النشر الأويغورية، ما جعله هدفًا للحكومة الصينية، وهذا شيء غير مقبول. تم تدمير حياتنا حرفيُا".

ليس وحده

والده واسمه أركين ليس الوحيد الذي مر بهذه المأساة. فقد أحصى مشروع حقوق الإنسان للأويغور تعرض 435 مثقفًا أويغوريًا على الأقل للحبس أو الإخفاء القسري منذ أبريل 2017.

وتعد منظمات حقوقية دولية اعتقال علماء اللغويات والباحثين والناشرين الأويغور جزءًا من حملة ينفذها الحزب الشيوعي الصيني للقضاء على هوية الأقلية العرقية وثقافتها، واستيعابها في عرقية الهان المهيمنة المتحدثة بلغة الماندرين.

واعتقلت السلطات عالم اللغويات المعروف عليم حساني في أغسطس 2018 خلال رحلة عمل في بكين، بحسب ما أفاد ابنه إرشات عليم، الذي يعتقد أن والده، وهو رئيس قسم متقاعد في لجنة عمل شينجيانغ للغات العرقية، اعتقل بسبب بحوثه على توحيد معايير الترجمة بين لغتي الأويغور والهان.

وكان حساني، الذي ألّف عدة قواميس، عضوًا في الحزب الشيوعي الحاكم، وسبق ووافقت الدولة على عدة بحوث له ونال جوائز على المستوى الوطني.

مذهول

قال عليم الذي يعيش في فرنسا: "حين علمت أول مرة أن والدي اعتقل، لم أتخيل أن ذلك قد يحدث له. لا بد من أن الأمر أصابه أيضًا بالذهول".

تتهم منظمات حقوقية الصين باعتقال أكثر من مليون من الأويغور وغيرهم من أفراد الأقلية المسلمة الناطقة بلغة مشتقة من التركية في معسكرات لإعادة التأهيل في شينجيانغ في غرب البلاد، بعد أعمال عنف عرقية شهدتها المقاطعة.

لكن الصين تصر على أنها توفر تدريبًا مهنيًا في هذه المراكز، حيث يتعلم أفراد هذه الأقلية لغة الماندرين ومهارات مهنية للتخفيف من خطر ما تصفه بالتطرف الإسلامي في أوساطهم.

وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان إن "فكرة ما يسمى ’سجن المثقفين الأويغوريين لإخماد ثقافة الأويغور’ هي محض شائعات وافتراء".

لا أعلم مكانه

عرف عليم من طريق أحد معارفه أن محاكمة والده، التي بدأت في يناير، تأجلت بسبب جائحة كوفيد-19، لكنّه يخشى أن يحاكم قريبًا ويسجن. وأفاد أن والدته التي تعيش في شينجيانغ "لا تجرؤ على الحديث عن توقيف والده".

وقال عليم بأسى: "بالتأكيد ينتابني شعور سيء للغاية ولا أعرف كيف أعبر عنه. لفترة طويلة، لم يكن بوسعي التركيز على عملي أيضًا".

وتم اعتقال كل علماء اللغويات الـ11 الذين كانوا يعملون مع والده، وبينهم حمدالله عبد الرحمن (64 عامًا) الذي اعتقل في يناير 2019، بحسب ما أفاد ابنه يشار حمدالله الذي يعيش في النروج. قال: "في مارس 2019 تم إبلاغي بأن والدي نقل إلى مستشفى، لكن إحدى معارفنا قلدت وضع أصفاد حول معصميها، ولا أعلم مكانه الآن".

يعرف حمدلله عدة مثقفين يقول أقاربهم إنهم اعتقلوا أولًا في معسكرات قبل أن يحكم عليهم بأحكام سجن طويلة، وهو يخشى أن يلقى والده المصير نفسه. قال: "كان للأمر وقعًا قاسيًا جدًا علي. أنا وحيد أهلي ووالدتي بمفردها تمامًا ووالدي ليس صغيرًا في السن... إلى أي مدى يمكنه أن يتحمل؟".

تخرجوا

فيما قالت السلطات في ديسمبر إن كافة الناس في مراكز التدريب المهني قد "تخرجوا"، يقول باحثون إن السلطات وضعتهم في مراكز احتجاز من نوع آخر.

وقال جين بونين، الباحث في شؤون الأويغور ومؤسس قاعدة بيانات ضحايا شينجيانغ، إن الكثير من المعتقلين نالوا أحكامًا بالسجن تصل إلى 20 عامًا.

تابع: "بات هذا جزئيًا النهج السائد خلال العام أو العامين الماضيين مع إخلاء المعسكرات"، وقدّر أن حوالي 300 ألف شخص لا يزالوا محتجزين.

هناك مخاوف أيضًا بخصوص المثقف الأويغوري إلهام توهتي، الحائز جائرة سخاروف الحقوقية التي يمنحها برلمان الاتحاد الأوروبي، والذي لم يشاهد منذ سنوات.

كان الناقد الأدبي والكاتب الأويغوري يالقون روزي ضمن الموجة
الأولى من المثقفين الذين تم اعتقالهم في أكتوبر 2016

حزين وغاضب

كان الناقد الأدبي والكاتب الأويغوري يالقون روزي ضمن الموجة الأولى من المثقفين الذين تم اعتقالهم في أكتوبر 2016، بعد تولي سكرتير الحزب الشيوعي في منطقة شينجيانغ المتشدد تشين كوانغيو منصبه.

اكتشف أقارب روزي لاحقًا صدور حكم بسجنه 15 عامًا في يناير 2018 بتهمة "التحريض على تقويض سلطة الدولة"، وهي تهمة غامضة تُستخدم في العادة ضد السجناء السياسيين.

وقال ابنه كمال ترك يالقون إن السلطات أشارت إلى أن اعتقال روزي مرتبط بدوره بتجميع كتب الأدب الأويغورية المستخدمة منذ أكثر من عقد، وأشار إلى اعتقال جميع المتعاونين مع والده في الكتب حول هذا الوقت تقريبًا.

ثنائية اللغة

منذ عام 2012، تم تطبيق تعليم الماندرين-الأويغور ثنائي اللغة تدريجيًا في المدارس في شينجيانغ، بهدف الوصول إلى 2,6 مليون طالب.

قبل ذلك، كان يتم تدريس أغلبية المناهج الدراسية باللغة الأويغورية ولغات أخرى مرتبطة بالاقليات.

قال يالقون: "بإلغاء هذه الكتب والقضاء على تعليم اللغة الأويغورية تمامًا، لن يعثر الجيل القادم من شباب الأويغور على أي وسيلة لربطهم بالثقافة الأويغورية".

تابع: "أنها طريقة الصين للقضاء على هوية الأويغور بالكامل واستيعابهم ليصبحوا... أشخاصًا يتحدثون الصينية ويفكرون بالصينية ولا يعرفون تاريخهم أو ثقافتهم. هذا يشعرني بالحزن والغضب في الوقت نفسه".