إيلاف: دخلت المواجهة الأميركية – الصينية نفق اللاعودة وازدادت معها المخاوف العالمية من تداعيات هذه الحرب الباردة – الساخنة بين عملاقين يعتزم كل منهما منع الآخر من مرتبة الدولة العظمى في العالم. تطوّرات هونغ كونغ هي الحافز الذي أخذ العلاقة الأميركية مع الصين الى انعطافة استراتيجية، لكن الإجراءات العقابية الأميركية المُزمع اتخاذها تشمل إفشال الصفقات الصينية – الإيرانية الواردة في الاتفاقية الجديدة بين البلدين وذلك من خلال تعطيل العمليات المالية عن طريق معاقبة البنوك الصينية، وتعطيل الصفقات العسكرية عبر منع رفع الحظر عن السلاح الى إيران وغيرها من الوسائل.

الصين لن تقف صامتة، لكنها قلقة جداً من افرازات العقوبات على الآلية المالية الصينية. لذلك، تقول المصادر، يصبح بلد صغير بحجم لبنان مفيداً لبكين التي تريد الاستفادة من النظام المالي اللبناني للقفز على العقوبات الأميركية على البنوك الصينية. هذا أمر خطير جداً على لبنان سيما وأنه في خضمّ الابتلاع الإيراني الكامل له عن طريق "حزب الله" بموجب قرار إيراني رفيع المستوى ووسط كلام عن حصول "حزب الله" مؤخّراً على مساعدة مالية جدّيّة من طهران بعدما حصلت طهران على أموال من الصين كعربون تحفيز بموجب الاتفاقية.

كبار القيادات في حزب الله سيقومون خلال الأسبوعين المقبلين بزيارة طهران للتباحث في استراتيجية الأشهر المُقبلة التي تعدّها القيادات الإيرانية في اطار استخدامها للساحتين اللبنانية والعراقية بما ترتأيه يخدم غايات النظام في اطار العلاقة مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل. المصادر الوثيقة الاطّلاع على تفكير النظام في طهران نقلت اعتزام الحرس الثوري الإيراني ان "يضمن انتهاء عام 2020 بسيطرة حزب الله بصورة واسعة وكاملة على لبنان Full scale control". أضافت المصادر ان ايران تعتبر لبنان "قاعدة" أساسية لها وقد "اتّخذت القرار بأن يتأهّب حزب الله لإجراءات قويّة ضد إسرائيل في شهر سبتمبر. إنما القرار التفعيلي سيُتّخذ في الاجتماع المهم بعد أسبوعين".

السبب وراء اختيار شهر سبتمبر هو ان اسرائيل قد تقوم بإجراءات ضم الأراضي الفلسطينية التي تنوي ضمّها في ذلك الشهر، فتكون طهران جاهزة للتعبئة والرد. ثانياً، ترى طهران انها لا تتمكّن من المضي بالتظاهر بأن إسرائيل لم تخترقها، ولذلك ترى ان الحاجة ضرورية للرد عسكرياً على التفجيرات الغامضة في عقر دارها - الأمر المتاح عبر البوّابة اللبنانية. وثالثاً، تعتقد طهران الآن أن من مصلحتها إيقاع الرئيس دونالد ترمب في مأزق قُبيل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر.

بكلام آخر، ترى القيادات في طهران ان امتلاكها "للورقة العاصفة" wild card – وعنوانها لبنان – يمكّنها من العصف بالانتخابات الرئاسية الأميركية إذا شاءت تفجير الوضع في سبتمبر. وقد تشاء. فلبنان يشكّل الأولويّة القاطعة في الحسابات الإيرانية اليوم مع أن للعراق أيضاً أهمّيّة متوازية. وفي الاستراتيجية الايرانية، وفي حال برزت أزمة دولية، هناك تزامن وتلازم simultaneous في العمل الإيراني داخل البلدين، بموجب قرار على أعلى المستويات في طهران. وبحسب القراءة الإيرانية، ان واشنطن مُنشغلة قطعاً بالانتخابات الرئاسية، ولن تتحرك في لبنان اما لمنع إيران من السيطرة القاطعة عليه عبر حزب الله وحلفائه وأدواته، أو لحماية حياده الذي ترفضه طهران قطعاً ولن تسمح لحزب الله بالرضوخ له تحت أي ظرف كان.

أثناء الدائرة المستديرة الافتراضية الثانية عشرة لقمّة بيروت انستيتوت في أبو ظبي، قالت دانييل بليتكا، الزميلة الأولى في مؤسّسة AEI أميركان انتربرايز انستيتوت، ان "مأساة لبنان" هي ان "لا أحد يبالي" به لكنها حذّرت من أن "حزب الله، ليس في وضع يمكّنه من مساعدة إيران حاليّاً"، وانه رغم الأزمة التي لا سابقة لها في تاريخ لبنان الحديث، ليس من مصلحة حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله "ان يبدأ حرباً مع إسرائيل حتى لو أتى ذلك بطلب من خامنئي" مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران. وزير خارجية سيربيا الأسبق ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة السابق فوك جيريمتش قال إن اللبنانيين مثل البوسنيّين، "غير قادرين على معالجة مشاكلهم بأنفسهم" وفي الوقت ذاته "لا أرى أحداً جاهزاً للقفز لمساعدتهم على حل مشاكلهم في المستقبل القريب". واستدرك عن التشاؤم القاطع قائلاً "لا أتصوّر انهياراً كاملاً. أعني، ان استمرار وجود لبنان هو معجزة مثل معجزة استمرار وجود البوسنة إذ ان كليهما في حال اختلال dysfunctional. لكني أؤمن بالتفاؤل وأتصوّر ان البلدين سيبقيان". مؤسّس ورئيس مجلس إدارة مركز الخليج للأبحاث، عبدالعزيز الصقر شدّد على أن "ما لم يقم اللبنانيون بإصلاح الوضع بأنفسهم fix it، لن تتمكن أيّة قوّة خارجية من الإصلاح التام". وزاد "لربما على المجتمع المدني في لبنان ان يتدخّل مجدداً (كما فعل أثناء الحرب الأهلية) ليقوم بالإصلاح بنفسه".

اللافت هو ما قاله مدير مركز كارجي في موسكو، دميتري ترينن، بعدما وافق الآخرون على أن الفساد هو الآفّة التي تأكل لبنان "وهذا مرض لا تستطيع روسيا أن تشفيه". فقد ميّز ترينن بين العلاقة التحالفية بين روسيا وحزب الله في سوريا "المختلفة جداً عن تحالفات الاتّحاد السوفياتي، أو التحالفات الأميركية. فهذه تحالفات ظرفية Situational ذات مساحة محدودة وأهداف محدودة وفترة زمنية محدودة". وأضاف انه "بوجود مقاتلي حزب الله على الأرض Hezbollah boots on the ground، تمكنت روسيا من أن تفعل ما تمكنت من فعله في سوريا. إنما هنا ينتهي الأمر. وأعني أن روسيا لا تدعم كل السياسات الإيرانية في الشرق الأوسط. ان روسيا مع إيران فقط في إطار أهداف محدّدة، بما في ذلك في سوريا، حيث باتت روسيا وإيران متنافستين تلعبان مقابل بعضهما البعض". ماذا عن توجّه حزب الله الى الصين؟ رأي ترينن هو "ان الصين لن تدخل في المستنقع السياسي أو الجغرافي – السياسي في الشرق الأوسط. الصين تهتم فقط بالمصالح والنفط والبُنية التحتية. أما في الإطار الجغرافي – السياسي، والعسكري، والنزاعات، فإن الصين لا تملك الحنكة ولا الخبرة ولا الاهتمام بذلك".

عبدالعزيز الصقر أشار الى ان الصين تستورد 32 في المئة من نفطها من منطقة الخليج بما فيها 1,7 مليون برميل نفط يومياً من السعودية، "فعلاقتنا الاقتصادية قوية". ثم تساءل "لماذا ينسوننا في منطقة الخليج" عندما يتحدّثون عن وطأة تطوّر العلاقات الأميركية – الصينية، "فيما الوطأة على منطقتنا ضخمة؟".

واقع الأمر أن الجميع قلق من تداعيات المواجهة الأميركية – الصينية. أوروبا قلقة وتريد بعض الحياد في هذه المواجهة، كما قال فوك جيريمتش شأنها شأن روسيا، كما قال دميتري ترينين. إنما على الجميع التأقلم مع التدهور في هذه العلاقة لأنها "غير قابلة للإصلاح" بحسب دانييل بليتكا التي ترى أنه في حال فوز جو بايدن بالرئاسة، فإن رئاسته لن تكون امتداداً لرئاسة باراك أوباما وإنما استمرارية لرئاسة ترمب، في مختلف ملفّات السياسة الخارجية من الصين الى روسيا الى إسرائيل الى أوروبا وحتى نحو إيران باستثناء العودة الى الاتفاقية النووية إنما بشروط بايدن.

قلق من تداعيات المواجهة الأميركية – الصينية

قرار انشاء جبهة موسّعة لمواجهة الصين تضم أميركا، أوروبا، الهند، استراليا، كوريا الجنوبية، نيوزيلاند وغيرها قرار تم اتخاذه على أعلى مستويات صنّاع القرار في واشنطن منتصف الشهر الجاري، بحسب المصادر المطّلعة التي وصفت نتيجة الاجتماع بأنه "صقوري" بامتياز. وبحسب المصادر، شملت القرارات التالي: طرد الشركات الصينية بالذات المتفوّقة تكنولوجياً من هذه الدول. إغلاق القنصليات، كما حدث في هيوستن. صدّ أو تعطيل كل الصفقات بين الصين وإيران.

تدمير النظام الاقتصادي في هونغ كونغ بما يمنع الصين من أية استفادة اقتصادية من هونغ كونغ. هذا اضافة، قالت المصادر، الى قرار دعمه بقوة كل من وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين يقضي بإنشاء لجنة مستقلة دولية (ليس عبر الأمم المتحدة) لمراقبة خروقات حقوق الإنسان في الصين. كذلك، لن يوقّع الرئيس ترمب على المرحلة الثانية من الصفقة التجارية مع الصين، اضافة الى إدخال ضرائب جديدة على الواردات الصينية.

"هذا مستوى لا سابقة له في المواجهة الأميركية – الصينية يمكن أن يؤدّي الى مواجهات عسكرية في منطقة بحر الصين"، قالت المصادر "وهذا المستوى الجديد من المواجهة خطير جداً قد ينسف الاستقرار السياسي والاقتصادي عالمياً".

دونالد ترمب يريد انعقاد قمة مجموعة الدول الصناعية السبع في الولايات المتحدة في شهر سبتمبر وهو يريدها أن تكون قمة عزل الصين. إدارة ترمب تتهيّأ لشن حملة كاملة أساسها الاستراتيجي اخراج الصين من النظام العالمي الاقتصادي والسياسي. فالمهمّة الأولى، والرؤية ذات الأولوية، والقرار الاستراتيجي الأوّل للولايات المتحدة يجب أن يستهدف الصين بصفتها "العدو" الأوّل للولايات المتحدة الأميركية. هذا هو القرار الاستراتيجي الأميركي الذي اتّخذته ادارة ترمب ويبدو ان الديموقراطيين لن يعارضوه.

المصادر المطّلعة على الأجواء الصينية قالت إن الصين تأخذ هذه التطورات بجدّيّة وهي قلقة ممّا وصلت اليه الأمور سيّما وان الاستراتيجية الأميركية لعزل الصين ستكون مُكلفة للصين واستراتيجيّتها. روسيا أيضاً قلقة لأن الرئيس فلاديمير بوتين غير قادر أن يقف مع الصين ضد الولايات المتحدة ولا هو قادر ان يرضخ لما تريده الصين. إيران قد لا تكون قلقة، إنما يجب أن تقلق وتقلق كثيراً نتيجة تموضعها مع الصين في المواجهة مع الولايات المتحدة.

الطريف المبكي هو أن لبنان قد يصبح ساحة اللعبة الكبرى نتيجة فتح أبوابه أمام الصين وإيران ضد الولايات المتحدة. قد تكون إدارة ترمب غائبة عن وعي هذا "التفصيل الصغير" في الصورة الكبرى فلا تبالي بآثار وتداعيات وإفرازات الانهيار التام للبنان وسقوطه تحت السيطرة التامة لإيران بما يمكّنها من أن تقدّم نظام لبنان المالي الى الصين. وقد تكون واشنطن واعية لهذه الناحية المهمّة من معركتها وتتّخذ القرارات المناسبة استعداداً للمعركة. انها البداية لصفحة جديدة وخطيرة جداً.