مكة: قد يكون فيروس كورونا المستجد مصدر تهديد فعلي للحجّاج في مكة المكرمة، لكن للمفارقة يبدو الحج هذا العام صحيّا أكثر من أي وقت مضى. واستعدت المملكة العربية السعودية لإقامة شعائر الحج هذا العام بأحدث تكنولوجيا تنقية الهواء وتعقيمه، وبآلاف العاملين على نظافة الحرم المكي وتعطيره.

والحج من أكبر التجمعات البشرية السنوية في العالم ويمثل تنظيمه في العادة تحدّيا لوجستيا كبيرا حيث أن ملايين الحجاج من حول العالم يتدفّقون على المواقع الدينية المزدحمة.

لكن مناسك حج 2020 مختلفة تماما وغير مسبوقة، من توفير حصى الجمرات المعقّمة إلى العزل الفندقي والمسافة الإجبارية بين الأشخاص لدى أداء الصلوات وغيرها، ما جعل مكة تبدو وكأنها إحدى أكثر المدن أمانا على مستوى الصحة في المنطقة.

التكنولوجيا لسلامة الحجاج
وتعول المملكة خلال الموسم الحالي من الحج على التكنولوجيا لتمكين الحجاج من إقامة فريضتهم الدينية بيُسر وسلام وأمان.
ويعمل عمرو المداح، المشرف العام على قطاع التخطيط والتطوير في وزارة الحج والعمرة، على المساعدة في إدخال أحدث التقنيات على مراسم الحج ككاميرات المسح الحراري وبطاقات الهوية الإلكترونية.

قال المداح، مهندس الإلكترونيات الحائز على شهادة دكتوراه في الروبوتيات والذكاء الاصطناعي، معلقاً في حديث لـ"أسوشيتد برس": "تشكل التكنولوجيا في الوقت الراهن حصاننا الأسود في تطوير رحلة الحج. إننا نتخذ كافة الخطوات الممكنة كي نحرص بأن يختتم موسم الحج هذا العام مع صفر حالات إصابات بكوفيد 19 كما بصفر حالات وفيات في مجمل أوساط الحجاج".

مشهد تاريخي
وحمل الحجاج في بداية الشعائر الأربعاء مظلات ملّونة وقاموا بالطواف في حركة متناسقة حول الكعبة بالمسجد الحرام مع إبقاء مسافة محددة بشعارات على الأرض البيضاء، في مشهد تاريخي غير مألوف في أقدس أماكن المسلمين الذي بدا كرواق مستشفى ضخم.

وبدا المشهد مختلفا جدا عما كان عليه في السنوات الماضية حين كان يحتشد مئات الآلاف من الحجاج قرب الكعبة ويدورون حولها وهم يتسابقون ويتدافعون أحيانا للاقتراب من البناء.

وقال: "تزوّد وزارة الصحة السعودية الحجاج قبل دخولهم إلى مكة بساعات يد لمراقبة تحركاتهم أثناء مراسم الحج عند التوجه إلى كل وجهة في أوقات محدد، لتفادي الاحتشاد في أماكن مثل المسجد الحرام، حيث يطوف المسلمون حول الكعبة ويتابعون مناسك الحج المختلفة".

حجاج يحملون مظلات بألوان مختلفة على مسافة من بعضهم البعض في مكة المكرمة مع بدء مناسك الحج في 29 يوليو 2020

ملابس خاصة
وقد أعطي الحجاج ملابس خاصة يرتدونها أثناء مناسك الحج هذا العام مزوّدة بشريط من تكنولوجيا النانو الفضية تساعد في قتل البكتيريا وتجعل الملابس مقاومةً للمياه. وأكد المداح أن هذا الإجراء وقائي علماً بأنه "ليست له تأثيرات بالمطلق تقريباً".

إجراءات وقائية
وأعلنت السلطات أنّ ألف شخص فقط يشاركون في المناسك، لكنّ وسائل الإعلام المحلية ذكرت أنّ الأعداد قد تصل إلى نحو عشرة آلاف حاج، مقارنة بنحو 2,5 مليون مسلم شاركوا في الحج العام الماضي وقدموا من كل أنحاء العالم.

وكان الحجاج بدأوا بالوصول إلى مكة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وخضعوا لفحص لدرجة الحرارة وُوضعوا في الحجر الصحي في فنادق المدينة.

وتم تزويدهم بمجموعة من الأدوات والمستلزمات بينها إحرام طبي ومعقّم وحصى الجمرات وكمّامات وسجّادة ومظلّة، بحسب كتيّب "رحلة الحجاج" الصادر عن السلطات التي طالبتهم بعدم المصافحة ومنعتهم من لمس الكعبة.

وتوجّب إخضاع الحجاج لفحص فيروس كورونا المستجد قبل وصولهم إلى مكة، وسيتعين عليهم أيضا الحجر الصحي بعد الحج.

وقال المتحدث الرسمي لصحة منطقة مكة المكرمة حمد بن فيحان في مقابلة تلفزيونية "يتم تطبيق الإجراءات الوقائية بشكل مستمر، وبمشيئة الله ستكون مناسك الحج آمنة وصحية".

وبحسب وزارة الحج والعمرة، فإنها أقامت العديد من المرافق الصحية والعيادات المتنقلة وجهّزت سيارات الإسعاف لتلبية احتياجات الحجاج.

فرصة حقيقية
تحدّدت نسبة غير السعوديين من المقيمين داخل المملكة بـ 70 بالمئة من إجمالي حجاج هذا العام، ونسبة السعوديين 30 بالمئة فقط وهم من "الممارسين الصحيين ورجال الأمن المتعافين من فيروس كورونا المستجد".

وكانت السعودية علّقت في مارس الماضي أداء العمرة على خلفية فيروس كورونا المستجد وفرضت حظر تجوّل في مكة لأسابيع، انتشرت خلاله صور للكعبة في وسط المسجد الحرام وحيدة من دون مصلّين.

وعادة ما كانت تكتظ المنطقة المحيطة بالكعبة على مدار العام بآلاف المسلمين الذين ترتدي غالبيتهم لباس الإحرام الأبيض وهم يدورون حول البناء المغلّف بقماش أسود مطرّز بالذهب، ما يزيد من إمكانية انتقال الامراض وبينها التهاب السحايا والانفلونزا.

وبحسب استشاري الأمراض السارية الطبيب غانم الحجيلان، فإنّ موسم الحج الحالي "فرصة حقيقية للسلطات السعودية لمعرفة تأثير وأهمية ارتداء الكمامات للحد من انتشار الكثير من الأمراض الفيروسية والبكتيرية" في المستقبل.

آمن جدًا
ويرى البروفسور آصف أحمد مستشار رئيس جامعة ساوثهامبتون ومؤسس كلية أستون الطبية في بريطانيا أن موسم الحج هذه السنة "آمن جدًا" في المملكة على الرغم من تهديد فيروس كورونا المستجد الذي أودى بحياة أكثر من 2700 من بين نحو 270 ألف إصابة مسجلة في السعودية. وقال إن "نتائج الاجراءات التي تطبّق خلال فترة الحج ستعرف في غضون شهر من الآن".